إعلام المواطنة
مدحت بشاي
٤٠:
١١
ص +02:00 EET
السبت ٥ مايو ٢٠١٨
مدحت بشاي
الوطن للمواطن ليس بالضرورة مساحة أرض وماء وهواء وسماء وبشر يتوه بينهم لأن لهم ذات البشرة وبملامح تتقارب في الشبه والروح، ويتحدثون لغته وتجمعهم به جنسية مشتركة ... الخ .. فقد يكون الوطن عقيدة ومذهب ودين ، وقد يكون الوطن هدف أو فكرة أو حتى حلم ، وعليه فإن مفهوم الاغتراب لم يعد الاغتراب عن وطن وعشيرة وقوم في كل الأحوال ، فقد بتنا نطالع الاغتراب في الوجوه والملامح لبشر قهرتهم فكرة أو لفظتهم مساحات البلادة والتخلف ، أو قزمت قامتهم قوى فوقية تمارس الفرز والتمييز ، أو همشت وجودهم الإنساني البسيط طواغيت الفكر الظلامي السلفي المقيت ، أو أوصدت في سبيل إبداعاتهم ورؤاهم الإنسانية كل الأبواب .. فيعيش المواطن في النهاية خارج ذاته ، ولأن ذاته كانت الوطن الأولى بالانتماء فقد عاش حالة اللا منتمي في وطن يراه بلا ملامح أو خصائص فكان الاغتراب في الزمان أو المكان وبتنا نطالع وجوه بشر توقف بهم الزمن ولم يعد لهم حلم معايشة الواقع أو حتى الهروب إلى مستقبل افتراضي ..
لا شك أن أجهزة الإعلام بقدر ما تمثل من مؤشر لقياس حال المواطنة في أي مجتمع ، فهي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في دعم وتوطين ثقافة المواطنة لدى الشعوب .. ولعل المجال يضيق بمناقشة تلك المؤشرات التي تدلل بها وسائل الإعلام عن حال المواطنة ، وأيضاً حالات الإعلام المؤثر في تنمية وتفعيل المواطنة في مجتمعنا المصري .. وأرى أننا الآن نرصد نوعيات من الإعلام يتجه إلى صياغة نماذج إيجابية في حالات قليلة ، وصياغة أخرى سلبية في حالات هي الأكثر وجودا وانتشارا للأسف ..
ولعل من النماذج الإيجابية التي بتنا نتابعها إعلام المكاشفة الموضوعي : ويُقصد به التناول العلمي الجاد لكافة علل ومشاكل تعثر نشر مفاهيم المواطنة عبر فتح حالة حوار وطني جاد لا يسعى للإثارة من خلال فض أوراق ملفات كان بعضها مغلقاً على ما فيه والآخر قد تم الالتفاف حول قضاياه الأهم ، وكان أغلبها يستحيل الاقتراب منها .. وفي مجال السعي نحو تحقيق المواطنة شهدت الساحة الإعلامية في الفترة الأخيرة تناول قضايا ملحة على أرضية جديدة أكثر انفتاحاً وجرأة والتزاماً بشفافية العرض ، وبالسرعة المطلوبة ورد الفعل الأكثر اتساعاً .. ولعل ظهور جماعات وتيارات إصلاحية تقوم أحياناً بتبني وجهات نظر متجددة تسعى إلى تحريك قوى المجتمع المدني لدفع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للقيام بدورها في دعم قيم المواطنة وتفعيل مفاهيمها خير شاهد على ذلك ، وفي هذا الإطار أرى نموذجاً إيجابياً لإعلام قد تفهم فحوى رسالة إصلاحية داعمة لتفعيل الاصطفاف المحايد من أجل تقديم وجهتي النظر الموالية والمعارضة بشفافية كان لها صدى جيد في الشارع المصري .
ونموذج آخر يمكن أن نطلق عليه إعلام المواجهة ، منها على سبيل المثال ما بذل من محاولات جادة لمناهضة أصحاب الفكر السلفي والمتخلف والفهم الخاطئ لصحيح الأديان ورسائلها السامية ..
ولا شك ، هناك استثمار حالة الأمية الهجائية والعلمية والمعرفية والكمبيوترية ( إذا صح التعبير ) للزج بآيات الأديان فيما يقدمون ويزيلون بها رسائلهم وخطابهم الإعلامي في محاولة إضفاء لون من الإبهار الزائف والإدعاء بالتفرد بامتلاك الحقائق المطلقة لدعوة البسطاء للتمسك بحروف تلك الأديان وليس بمعانيها وتفاسيرها الصحيحة لفرض رؤى وتعاليم لا تتسق مع صحيح وروح الرسالات الإلهية السامية ودعاواها النبيلة الرفيعة ..
استثمار حال المجتمعات الفقيرة التي يعاني الناس فيها من مشاكل في تراجع الدخل و العيش في ظروف يصعب فيها إشباع الاحتياجات الضرورية ، وبالتالي حدوث حالة وهن وضعف إنساني يجعلهم أكثر تشبثاً بأي حلول سهلة المنال قد تتمثل في مجموعة غيبيات أو نصائح فلكلورية أو حكاوي من التراث المجهول الهوية التي يُعاد بثها بشكل عصري وصولا ً لانتقاء مجموعة عِبر وحكم وأمثال لتجاوز المحن والأمراض والشدائد فيكون التوقف عن الحياة وتراجع الإنتاجية .. لقد بتنا نشاهد ونسمع برامج ونتابع إنتاج قنوات ووسائط إعلامية متعددة تروج لمعارف سلبية في انحراف وتنازل مذهل عن سبل المعرفة العلمية للترويج للأمور التالية على سبيل المثال :