الأقباط متحدون - الأصوليات والمجتمع (٦٠)
  • ٠٦:٢٢
  • الجمعة , ٤ مايو ٢٠١٨
English version

الأصوليات والمجتمع (٦٠)

مقالات مختارة | بقلم مراد وهبة

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ٤ مايو ٢٠١٨

دكتور مراد وهبة
دكتور مراد وهبة

الرأى الشائع فى الدول الصناعية الكبرى أن ثمة فاصلاً فى الحياة الاجتماعية بين المجالين العام والخاص، بمعنى أن الحكومة مسؤولة عن المجال العام فى أن يكون محكوماً بالعلمانية، وأن يكون المجال الخاص محكوماً بحرية الفرد فى اختيار ما يريد.

من هنا تواجه الأصوليات الدينية أزمة فى هذا العالم المعاصر، لأنها محافظة؛ إذ هى تستعين بالتراث الدينى للاسترشاد به فى حل معضلات العصر.

ومن هنا أيضاً، فإنها ترفض أى تجديد لذلك التراث، كما أنها تلتزم حرفية النص الدينى، وبالتالى لا تقبل تأويله على أى نحو من الأنحاء. فعندما يقال فى التوراة، على سبيل المثال، إن الله خلق العالم، ثم خلق آدم وحواء، فهو كذلك. ولا فرق فى ذلك بين أصولية وأخرى.

وفى هذا السياق يقال إن الأصوليات لها شعبية كاسحة لأن رجل الشارع يستجيب للمعنى الحرفى للنص الدينى؛ إذ يعفيه من إعمال عقله. ومن هنا تركز الأصوليات على السلوك الحسن فى شأن الملبس والمرأة وما شابههما.

ومما يزيد أمر هذه الشعبية القول إن الله على دراية بكل صغيرة وكبيرة تحدث فى هذا العالم أو تحدث لأى إنسان من بنى البشر أجمعين. وهو أمر يترتب عليه انحياز الله إلى المؤمنين وإلى إدخالهم الجنة بحكم الضرورة، فى مقابل عدم إدخال غير المؤمنين بحكم الضرورة أيضاً.

فاليهود، على سبيل المثال، هم شعب الله المختار. وفى حرب يونيو 1967 زعمت الأصولية الإسلامية أن هزيمة المسلمين فى هذه الحرب سببها مردود إلى عقاب الله للبلدان الإسلامية، لأنها تجاهلت تطبيق الشريعة.

وسار القس جيرى فولول، زعيم الحزب المسيحى الأمريكى، المسمى «الغالبية الأخلاقية»، فى ذلك الاتجاه عندما قال إن الله يعاقب أمريكا فى هزيمتها من فيتنام بسبب انحلالها.

كما أن الرأى الشائع أيضاً عند الأصوليين أن إعمال العقل فى السياسة مرفوض، لأنه يعنى تجاهل الله، والأصح هو القول إن الله هو المسؤول عن التشريع.

ومن هنا تنص الأصوليات الدينية على أن القانون يلزم أن يكون مؤسساً على الدين. وفى هذا السياق ترفض الأصوليات أى تغييرات اجتماعية، لأن من شأنها إحداث تغيير فى الهويات القومية على نحو ما ترى الأصولية الإسلامية فى باكستان والأصولية السيخية فى البنجاب وجوش إمونيم فى إسرائيل والإخوان المسلمين فى مصر. والأصولية النقشبندية فى تركيا.

وفى سياق ذلك الرفض يبزغ العدو الرئيسى للأصولية أيا كانت سمتها الدينية. ومن هنا يثار هذا السؤال: مَنْ هو هذا العدو؟ عند الأصولية البروتستانتية الإنجليكانية العدو هو الكنيسة الكاثوليكية، وعند الأصولية الهندوسية المتمثلة فى حزب باراتيا جاناتا، وهو الحزب الحاكم فى الهند الآن، العدو هم المسلمون، وعن الأصولية اليهودية المتمثلة فى جوش إمونيم العدو هم العرب فى الأراضى المحتلة. وعند الأصولية الإيرانية المتمثلة فى شخصية آية الله الخمينى العدو هو الشيطان الأكبر- أمريكا- وعند الأصولية الإسلامية فى تركيا العدو هو كمال أتاتورك.

وأظن أنه مع التحالف الكوكبى المزمع تكوينه فى مواجهة الإرهاب هو بحكم الضرورة تحالف فى مواجهة الأصوليات الدينية، كما أنه تحالف من أجل تأسيس علمانية كوكبية.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع