رفضوا الصلاة على جثمانه فصلوا له اليوم
مقالات مختارة | خالد منتصر
الاربعاء ٢ مايو ٢٠١٨
«نزار قبانى شاعر لا تشمله رحمة الله، فلا يستحق أن يُصلَّى على جنازته، أخرجوا جثمانه من المسجد ولا تصلوا عليه»!! صرخة صدرت عن أحد المتشددين منذ عشرين عاماً عندما رحل عنا أمير شعراء العصر الحديث. وفى يوم رحيله دار جدل شديد فى مسجد المركز الإسلامى بلندن، كان محور الجدل الساخن يدور حول ما إذا كانت الصلاة على جثمان نزار حلالاً أم حراماً؟! لم يحلها إلا مدير المركز بفتوى خادعة حين قال: «سنصلى على روحه وليس على جسده»!! وقاطع بعدها بعض المتشددين فى لندن مسجد المركز واعتبروه مسجد ضرار!!
كانت مواجهة بين شراسة وقسوة التزمت وسحر وجمال الفن، أكدت تلك المواجهة أن أشد ما يخشى منه المتطرف هو الفن الذى يستطيع هزّ عرشه، والفنان الذى يسحب البساط من تحت قدميه. بلغت الكراهية والعدوانية أقصى مداها ضد نزار حتى وهو جثمان راقد فى نعشه. هناك مفاجأة لا يعرفها من رفض الصلاة على جثمانه، وهى أن نزار قبانى، الشاعر النجم، كتب واحدة من أروع القصائد العمودية فى مدح النبى عليه الصلاة والسلام، يقول فيها: «يا من وُلدت فأشرقت بربوعنا، نفحات نورك وانجلى الإظلام، أأعود ظمآناً وغيرى يرتوى، أيُردّ عن حوض النبى هيام، كيف الدخول إلى رحاب المصطفى، والنفس حيرى والذنوب جسام؟!».
المشكلة أن نزار لم يكن على الكتالوج الذى يريدونه، هم لا يفهمون ما هو الفن، وهو لا يفهم ما هى المشكلة، ما مشكلة أن يكون شاعراً متمرداً مبدعاً فى وطن يقول عن نفسه إنه وطن الشعر والفصاحة؟ المشكلة هى أننا ما زلنا لا نعرف ما وظيفة الشعر والشاعر. هل الشعر ثورة أم عورة، وهل الشاعر محرض أم مهرج؟ هل هو مزعج القوم ومقلق القبيلة، أم هو نديم السلطان ومضحك الملك؟! تعالوا نعرف من نزار نفسه ما هى وظيفة الشعر. يقول نزار: «قد تكون الرحلة متعبة، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة، ولكن من قال إن وظيفة الشعر هى أن يحمل لأجفانكم النوم، ولقلوبكم الطمأنينة.. إن وظيفة الشعر هى أن يغتال الطمأنينة...»، «مهمة الشاعر أن يكون جهاز الرصد الذى يلتقط كل الذبذبات والاهتزازات والانفجارات التى تحدث فى داخل الأرض، وفى داخل الإنسان. إن جهازه العصبى يجب أن يظل 24 ساعة فى الـ24 ساعة فى حالة استنفار ورقابة، بحيث يستوعب كل حركة تحدث تحت أرض التاريخ كما تتحسس الخيول قرب سقوط المطر قبل سقوطه، وهوائيات الشاعر هذه تسمح له بأن يسمع أسرع من غيره، وأقوى من غيره، وبهذا المعنى يأخذ الشعر مدلول النبوءة، إن الشاعر ليس منجماً ولا ساحراً، وليس عنده مفتاح الغيوب، ولكن أهميته فى أن يسبق الآخرين بثانية، أو بجزء من أجزاء الثانية فى اكتشاف الحقيقة، ويقدمها لهم على طبق من الدهشة».
نقلا عن الوطن