الأقباط متحدون - لا تمنعوا العروض المسرحية في الجامعات
  • ٢١:٠١
  • الثلاثاء , ١ مايو ٢٠١٨
English version

لا تمنعوا العروض المسرحية في الجامعات

مقالات مختارة | عادل نعمان

٠٥: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ١ مايو ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

الجامعات والمراكز العلمية والبحثية قلاع الثقافة والفنون والعلوم، ومراكز الفكر والإبداع، ومستقر المعرفة والبحث والتحصيل، وقلب الاستنباط والتجربة والاختبار، وكبد الاستدلال والحقيقة واليقين، ومقام الرأي والحوار والنقاش، وطريق السير في الممنوع والمخالف والمغاير، ومنهج التفكير الحر خارج المألوف والمعروف والثابت والصندوق.. أليست هذه هي صفات المراكز العلمية والثقافية والجامعات والمعاهد العليا؟

هل هناك تعريف ينقص أو يزيد عن هذا؟ وما هو؟ وإن لم يكن كل هذا أو معظمه فمن يكون؟ بل من المفروض أن يكون كل هذا في وقت واحد، ولا تتنازل الجامعات عن واحدة منها، بل عليها أن تضيف كل يوم لمجال الحرية والإبداع والفكر والتمرد مساحة أوسع، وتنطلق خارج حدود الزمان والمكان، كلما أتيح لها هذا، وصممت وأصرت عليه دون تنازل، إلا أنه للأسف قد تفوقت بعض الجامعات المصرية على السلفية والرجعية، وفاقتها تأخرا وانحسارا، ونجحت في سحب الجامعات إلى الخلف والتخلف، وجرجرتها لبحور من الظلمة والعتمة، وسيطر الفكر السفلي على عقول بعض العلماء، فأصبح العالم منهم في الكيمياء كأنه عالم في الفقه، والعالم منهم في الطب لا يزيد على الداعية في شيء، بل يقف على بابه يستأذنه في تعريف الموت، وخروج الروح، ونقل الأعضاء، وإجراء التجارب العلمية، وأصبح عالم الطبيعة منهم أو الهندسة شيخا بعمامة، أو شيخ طريقة بلفافة، أو إمام مسجد بغترة، أو قطب من أقطاب الرايات الخضراء، أو حبرا من الأحبار، أو وليا من الأولياء، أو نقيبا من نقباء الطرق الصوفية، أو العارف بالله أو الغياث أو سيد العارفين والصالحين والسالكين والمغيثين، فتأخر التعليم الجامعي وهوى وانحدر، وهبط ترتيب وتصنيف الجامعات المصرية، حتى أصبح خارج التصنيف العالمي، وفى الدرك الأسفل منه.

هذه خمس جامعات مصرية تلغي من برامجها خمس عروض مسرحية بحجج سلفية، وتمنع عرض مسرحيات أجازتها الرقابة للعرض على الجمهور، وتم عرضها على مسارح الدولة، وشاهدها الأغنياء والفقراء، المتعلمون والجهلاء، ولم نسمع أن واحدة منها قد خرجت عن حدود الأدب واللياقة، أو خدشت حياء الناس وكبرياءهم، أو حرضت على الفسق والمجون، أو حضت على التطرف والازدراء، أو العنف والفوضى، أو أشعلت للحظة واحدة فتيل الفتنة الطائفية، ولا نعرف لهذا سببا مقنعا.

الجامعات المصرية في طريقها لتبنى منهج الجامعات الدينية، فتلغي من قاموسها ومناهجها الأنشطة الأدبية والفنية، فالتمثيل والتشخيص حرام، والموسيقى مزامير الشيطان، والتماثيل والرسوم أصنام وشرك بالله عظيم، ولن تكون الفنون والآداب والشعر والموسيقى، بعد يومنا هذا، من القوى الناعمة، التي تجدد الفكر الإنساني والدينى، وتهذب النفوس والضمائر، وترتقى بالمستوى القيمي والتربوي، وتطور مركز الإبداع والابتكار، ورياضة للنفس على السمو والعلو، وتنمية الحس الفني الراقى، وبناء وعى الشعوب، وحشد الناس حول قضايا قومية يتبناها الجميع عن اقتناع، و تجنب طريق العنف والتطرف والفوضى، هكذا يحارب الفن فى بلادنا حتى فى جامعاتها، فى الوقت الذى أوكل العالم أجمع للجامعات والمراكز البحثية مسؤولية بناء عقول الناس، وتطويرها، والسمو والارتفاع بها دون قيد أو حجر.

الجامعات الخمسة أوقفت خمس عروض مسرحية في كلياتها، بحجج واهية ركيكة ضعيفة أقل ما يقال عنها إنها حجج سلفية لا تخرج كثيرا عن فتوى لعبة الكرة حرام، والتصفيق تشبّه بالكفار، فهذه جامعة الإسكندرية، كلية العلوم تلغى عرض مسرحية (ميراث الريح) وهذه جامعة المنصورة كلية الآداب تلغى عرض مسرحية (آخر أيام الأرض)، بحجة أن العرضين يثيران الفتنة الطائفية، وكانت مصر خالية من هذا المرض، ولو سألت ستجد أن العمل المسرحي يستعرض الظاهرة، ولا يدعو إليها، ويفضحها، ولا يزهو بها، ويكشف حمقها ولا يزكيها، ويصرف الناس عنها ولا يجمعهم لتحيتها، وهذه جامعة طنطا كلية التربية النوعية، تلغي عرض مسرحية (الجدار)، بحجة الإساءة إلى إسرائيل، وما الضرر من الإساءة لإسرائيل؟ هل تستحق إسرائيل الإشادة والتزكية؟!

وهذه جامعة بنها كلية الحقوق توقف عرض مسرحية (اعمل نفسك ميت) وجامعة الإسكندرية كلية الزراعة أوقفت عرض مسرحية، وجامعة القاهرة كلية الطب أوقفت عرضين لمسرحية خامسة .

من هذا الجهبذ الذى أوقف هذه المسرحيات دفعة واحدة؟

إن لم يكن سلفيا قد ورث هذا الفكر، فمن يكون؟

أوقفوا هذه المهزلة، ولا تحجروا على العقول، واتركوا للشباب حرية العمل والإبداع والنقد دون وصاية، وإذا كان الأمر يحتاج إلى مناقشة، فليناقشهم المتخصصون أولا وليس هؤلاء الذين لا يؤمنون بالفن والفكر والإبداع، ويكفى ما نحن فيه من انهيار.
نقلا عن مصراوى

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع