الأقباط متحدون - الإنترنت.. «قاتل مأجور» أم «رسول سلام»
  • ٠٢:١٠
  • الاثنين , ٣٠ ابريل ٢٠١٨
English version

الإنترنت.. «قاتل مأجور» أم «رسول سلام»

مقالات مختارة | الأنبا موسى

١٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٣٠ ابريل ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

«يشبه قيادة سيارة فارهة فى حقل ألغام»، دون أن تدرك أن عجلة القيادة قد تقودك إلى العالم الآخر، أو تعبر بك إلى بر الأمان.. هكذا هى «الشبكة العنكبوتية»، أو «الإنترنت»، التى مهما تعددت مزاياها ونقلتك إلى عالم آخر لا يعترف بالحواجز أو الحدود أو الدين أو الجنسية، على متن طائرة تخترق حاجز الصوت، فإنها قد تتحول إلى «فخاخ» و«شراك خداعية»، قد تذهب بك إلى مصير مجهول.. خياران لا ثالث لهما وأنت تحلق فوق السحاب فى هذا العالم الذى لا حدود له، وكلاهما فى انتظار «ضغطة زر».

وليس غريباً وسط هذه الحالة، التى تحولت فيها شبكة الإنترنت حول العالم إلى ما يشبه «جرعة دواء» يومية لا سبيل لك سوى أن تتناولها، مهما كانت مرارتها، أن يكون السؤال الذى قد يصدم كثيرين وهو هل الإنترنت «قاتل مأجور»، أم «ضحية مسكينة» لنا نحن من نسىء التعامل مع شبكة المعلومات الدولية، التى قد تصادفك عبرها نيران صديقة من مستخدمين مثلك يضعون أحياناً معلومات مغلوطة، أو يبثون شائعات قد تحول حياة الكثيرين إلى جحيم، أو قد تكون منصات لإطلاق السموم، والانتقام أحياناً من شعوب بأكملها من خلال الإساءة إليها أو التشهير بها، أو حتى من خلال بث صور إباحية تستدرج الشباب، أو تغسل أدمغتهم بأفكار إرهابية ومتطرفة.

الواقع المؤلم يقول إن مواقع التواصل الاجتماعى أو الـ«Social Media» يختلف التعامل معها من مكان إلى آخر ومن شعب إلى آخر حسب ثقافاتهم وعاداتهم وموروثاتهم وتقاليدهم، وفى الوقت الذى تكون فيه منصة للتنوير وتنمية المعلومات وإثراء الفكر، تكون أحياناً أخرى لدى كثيرين مجرد وسيلة تسلية أو أداة للاغتيال المعنوى، وهذا بالطبع يحدث فى كل أنحاء العالم، ولا توجد دولة ربما لا تعانى منه، حتى إن سلطات بعض الدول لجأت إلى حجب الإنترنت نفسه ولم تكتف بحجب بعض المواقع التى تراها إما خطر على أمن الدولة أو على السلم المجتمعى، حسب ظروف كل دولة، وما فعله الإنترنت بها، بعد أن حوله البعض إلى سرطان، يزداد توحشاً وقتلاً يوماً بعد الآخر.

وفى مصر شهدت البلاد بالطبع عددا من الوقائع المأساوية التى كان بطلها الإنترنت.. تشهير بالآلاف.. اغتيال معنوى للمئات، بث شائعات، رفع فيديوهات إباحية أو خارجة أو غير لائقة ربما تسبب بعضها فى «خراب بيوت كثيرين»، ورغم ذلك تتوه الحقيقة وأحياناً يبحث الضحايا عن حقوقهم فلا يجدون سوى سراب أو أشباح.

القضية خطيرة بالفعل تمس مليارات البشر حول العالم، خاصة مع تصاعد معدلات استخدام الإنترنت حتى فى البلدان الفقيرة، والإحصائيات خير شاهد على ذلك، حيث يقضى الملايين، خاصة الشباب، عشرات الساعات يومياً محدقين أمام أجهزة الكمبيوتر، إما بحثاً عن معلومة مفيدة، أو تقديم خدمة ومد يد العون لمن يحتاجها، من خلال التواصل والتخفيف من آلام البشر، وإما يمضون هذه الساعات فى إهدار وقتهم وإطلاق «رصاصات ونيران عنكبوتية» على الآخرين.

ورغم ذلك لابد من القول إن الإنترنت له خيره وشره، بلا شك لذلك أميل دوماً إلى سؤال عدد من شباب المرحلة الثانوية فى كل مؤتمر أو ندوة أشارك فيها سواء فى مصر أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، عن رأيهم وموقفهم من هذه القضية الجدلية.

وكانت الأسئلة هكذا: ما هى الإيجابيات والسلبيات فى هذه الشبكة، وكيف أميِّز بين الإيجابيات لأستفيد منها، والسلبيات لأتحاشى تأثيرها، وكيف أنفذ اختيارى للإيجابيات، رغم إغراءات السلبيات الطاغية والمتجددة والضاغطة، وما دور التدين السليم، فى مساعدتى فى ذلك الأمر، ومن بين الأسئلة التى أحرص على توجيهها كيف أقتنى التدين السليم، ليسندنى الرب فى هذا الميدان اليومى المهم؟

وكانت نتيجة الحوارات التى أجريتها مع هؤلاء الصبية من المراهقين، تتحدث عن أن من بين إيجابيات الإنترنت تدفق كمية هائلة من المعلومات: فى كافة فروع المعرفة العلم والأدب والفن والثقافة والآثار بحيث لا يحتاج الإنسان إلى شراء كتب وموسوعات، بل يجد كل شىء أمامه، ومن خلال ماكينة البحث Search Engine يصل إلى أدق معلومة فى أى موضوع، وخلال دقائق قليلة.

ومن بين المزايا الأخرى للشبكة العنكبوتية سهولة العثور على المعلومة: فقديمًا كنا نحتاج إلى أسابيع، بل وإلى أشهر، أو سنوات، لعمل بحث معين فى مجال ما، أما الآن فيمكننا، فى دقائق، إجراء بحث ما، فى مختلف مجالات المعرفة: الروحية، والدينية، والعقائدية، والثقافية، والاجتماعية، والعلمية، والرياضية.. وغير ذلك.

وكان من بين أهم إيجابيات الإنترنت التى خلص إليها هؤلاء الشباب انتشار التعليم الدينى إلى كل أنحاء العالم، بدون أى عناء أو طباعة أو شحن، وما يتكلفه ذلك من أموال طائلة، ومجهودات هائلة، فلقد أصبح من الممكن الآن لمن يريد الاطلاع على أى موضوع فى أى مرجع، أن يجد ذلك متاحًا، ويمكن أن يحمل الكمبيوتر الشخصى، أو الفلاشة أو (CD) بسيطا، يحمل عليه كمية «داتا» جبارة!.

وأجمع عدد ممن التقيتهم من الطلاب، وبعضهم من النابهين، على أن من بين مزايا الإنترنت التعرف على مفردات الدين من خلال هذه الشبكة، وبالطبع سيجد الباحث العديد من الدراسات، من مصادر متنوعة، فالمواقع المتعددة على الإنترنت، تحكى آراءها، وتعبر عن فكرها، وتعلن عن نشاطاتها، من خلال هذه الشبكة الدولية، إلى جانب تسهيل التواصل اليومى بين الناس، فقد صار ممكنًا، من خلال هذه الشبكة، ومن خلال قائمة: البريد الإلكترونى، والفيسبوك، والتليجراف، والواتس، والفايبر، التى يمكن أن تضم الآلاف من الأصدقاء والزملاء، ويستطيع كل شخص أن يتواصل مع أصدقائه، وأن تتبادل الرسائل مع آلاف الناس حول العالم، وحول أى شىء يكتب، وهذا ما نراه حاليًا بين الشباب، الأمر الذى يمكن أن يكون بمثابة تواصل يومى بل لحظى، وتغذية دينية، أو علمية، أو اجتماعية.

ولا يجادل عاقل فى أن النشاطات الإلكترونية والمعاملات التجارية عملية مهمة عن طريق الشبكة العنكبوتية، حيث يمكن من خلالها بيع أو شراء أى سلعة فى العالم، ومعرفة آخر الأخبار عن التسويق، والمنتجات العالمية المختلفة، ونشر مختلف الإعلانات، عن السلع والمنتجات والاطلاع عليها مثل: E-booking «شراء تذاكر الطائرات إلكترونيًا»، وE-trading «التجارة الإلكترونية»، «E - shopping» «التسوق الإلكترونى»، وE - government «الحكومة الإلكترونية».

وكذلك كان استخدام الإنترنت فى قطاع البنوك مهماً حيث سهّل كثيرًا من أعمالها، وكذلك الأسواق الماليّة ومحلات الصّرافة التى تقوم بمتابعة كلّ ما يستجد فى أسواق المال.. وهى نشاطات أصبحت شائعة وشاسعة، يستخدمها الناس يوميًا، وتغنيهم عن التنقل واستنزاف الوقت والوقود، مما سيخفف من ازدحام الشوارع، ويسهل على الناس الحصول على ما يريدون دون عناء.

أما التليفزيون والموبايل التفاعلى، الذى يتم فيه المزج بين الكمبيوتر والتليفزيون، فيستطيع الإنسان عن طريقه أن يشاهد كل ما على الإنترنت على شاشة التليفزيون، أو على الموبايل وهذا أسهل. ويمكن للمشاهد أن يتحكم فيما يرى، إذ يختار مثلاً برنامجًا ويخزّن آخر، أو يختار كاميرا تصوير من زاوية معينة، غير الكاميرا المعروضة.. كذلك يمكن للمشاهد أن يوقف إعلانًا عن سلعة معينة، ويدخل إلى تفاصيل هذه السلعة، وأنواعها، وأسعارها، ويتعاقد على شراء ما يريد، ويدفع المطلوب من خلال الكارت، ثم يعاود مشاهدة ما فاته من البرنامج أو المباراة التى كان يشاهدها، إذ إنها مخزنة لديه!.

وعن أسلوب تقديم المعلومة، فمنذ سنوات مضت ليست بكثيرة كانت المعلومة تقدم عن طريق الكتاب، وقليلاً ما كانت تقدم بطرق وأسلوب آخر، أما الآن فأسلوب وطرق تقديم المعلومة تغير، كما تغير فى أشكاله وألوانه، فمن الممكن أن تقدم المعلومة فى صورة كلمات مكتوبة بين ضفتى كتاب، ولكن فى إخراج شيق، مصحوب ببعض الصور التى تعبر وتشرح أحيانًا ما كتب، وقد تقدم فى صورة كلمات متحركة، ناطقة، كالأفلام، والألعاب المسلية، التى تشرح وتقدم المعلومة، فى صورة جذابة أيضًا، وسهلة الفهم، وقد تقدم المعلومة فى صورة متحركة ولكن صامتة، وهذا ما يطلق عليه «فن البانتومايم»، وهذه التنوعات الكثيرة والمتعددة أوجدتها التقنيات الحديثة.

أما التعلم عن بعد (E-learning)، فهذه الخدمة تقدم عـن طريـق شبكة الإنترنت، وهى عبارة عن تقديم دراسات وأبحاث معتمدة، تعطى عنها شهادات معتمدة عن طريق الإنترنت.. وكثيرون حصلوا على شهادات ماجستير ودكتوراة من خلال الشبكة، ومن دول بعيدة!. وهكذا فبدلاً من أن ننتقل إلى مكان المعلومة مثل المكتبة أو المدرسة، صارت المعلومة هى التى تنتقل إلينا، فى أى وقت نريده ونراه مناسبًا لنا، غير مقيدين بأوقات دراسة معينة أو «جدول حصص» معين، كالمدرسة أو المكتبة.

وفيما يتعلق بالتراكم المعرفى، فنحن نحصد كل ما سبق ونتج عن معرفة، من بداية التاريخ وإلى الآن، بل وأيضًا قبل بداية التاريخ، وذلك بسبب الأجهزة التكنولوجية الحديثة، فائقة الدقة، والقادرة على تسجيل الاكتشافات، وتحديد أعمارها، ودراستها من مختلف الزوايا.

وتحتوى شبكة الإنترنت على كم هائل من المعلومات، قادم من جميع أنحاء العالم، وهى أشبه بقصر كبير ملىء بالمكتبات، وهذه المكتبات مفهرسة بطريقة منظمة ودقيقة وسهلة.. بحيث لا يستغرق الإنسان وقتًا طويلاً فى البحث عنها، ففى بضع دقائق يمكن الحصول عليها، وكذلك فقراءة وسماع آخر الأخبار العالمية والمحلية، والتعرف على الأحداث يومًا فيومًا.. ممكن من خلال الموبايل الصغير.

ويمكنك عن طريق الشبكة إجراء حوار صوتى أو عن طريق الكتابة، فى أى موضوع تحب أن تتبادل فيه الآراء مع غيرك، يصاحبه تبادل خبرات، وثقافات، وعادات، وتقاليد مختلفة، بين شعوب العالم.. وأيضًا يمكنك أن تتبارى مع صديق لك بواسطة الإنترنت فى ألعاب مختلفة.. هذه مجرد أمثلة لـ«مزايا وخطايا» الشبكة العنكبوتية التى قد تصبح «قاتلا مأجورا» أو «رسول سلام».

*الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصري اليوم
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع