الأقباط متحدون - لماذا أكتبُ بالطباشير؟
  • ٢٠:٠٣
  • الاثنين , ٣٠ ابريل ٢٠١٨
English version

لماذا أكتبُ بالطباشير؟

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

١٦: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٣٠ ابريل ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

أعكفُ هذه الأيام على مراجعة وتنقيح وتطوير أحد كتبى القديمة، ليصدر فى ثوبه الجديد هذا العام، فيكون هديةً إلى صديقة جميلة، أعتزُّ بها، ويعتزُّ بها مثقفو مصر.

هذا الكتابُ الذى أعتزُّ به كثيرًا من بين كتبى الخمسة وعشرين، بدأتُ كتابته عام ٢٠٠٢، وصدر عام ٢٠٠٦ عن دار «شرقيات» بعنوان (الكتابة بالطباشير). وعن «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، سوف تُعادُ طباعته قريبًا، فى ثوبٍ جديد، ولون جديد (بالطباشير الملوّن)، فى لحظة وعى مختلفة بعد مرور اثنى عشر عامًا بين الطبعتين، اتسعت فيها عيناى وتشاسعت مداركى، مع مرور كل يوم من تلك الأيام والليالى الطوال.

يُعدُّ الكتاب الجديد صيحةَ فرح بواقعة فريدة فى تاريخ مصر. حلمٌ قديم ناديتُ به سنواتٍ طوالا، تحقق أخيرًا، وشهدت موكبَه الثرىّ بعينى.

هذا الحلمُ القديم هو أن تحملَ حقيبةَ الثقافة فى مصر امرأةٌ نابهة مثقفة فنانة، واستثنائية. وتحقق هذا كلُّه فى شخص الجميلة د. إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة المصرية، الفنانةُ المُرهفة وعازفةُ الفلوت العالمية، ومديرُ دار الأوبرا المصرية لسنوات، وأيقونةُ «اعتصام المثقفين» الشاقِّ الشيّق المُشوّق الذى أفضى إلى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، الشريفة.

قد يرى البعضُ أن شهادتى مجروحة فى صديقة عزيزة على قلبى، مثل إيناس عبدالدايم. لكن المتابع لى يعرف أننى، حينما أكتبُ فى أىّ أمر، أتجرّدُ من أثوابٍ ثقيلة عديدة، من بينها ثوبُ الهوى. حينما أمسكُ قلمى لأكتبَ أحاولُ أن أملأه بمداد الموضوعية الجادّة، فلا أُخضعُ قلمى لهوى الصداقة أو الخصومة، أو الميْل أو النفور، أو الاتفاق أو الاختلاف. هكذا أفهم فعل الكتابة الخطير، الذى لا يقلُّ خطورةً وشرفًا عن القضاء أو الطب؛ فالقاضى الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ العدل فيظلم، والطبيب الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ العلم فيقتل. كذلك الكاتبُ الذى يميلُ بهواه، يميلُ معه ميزانُ الموضوعية فيبخسُ الحقُّ، أو ينافق.

ولهذا، حين طلبت منى صديقتى التاريخية الشاعرةُ والروائية د. سهير المصادفة، رئيس قطاع النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، أن أختار من بين كتبى ما تعيد طباعته عن «هيئة للكتاب»، لم أجد أجملَ من هذا الكتاب، لأقدمه هدية للقارئ المصرى والعربى من عُشّاق الفنون الجميلة، وللمايسترا المثقفة، وزيرة الثقافة المصرية. لأن الكتاب مغزولٌ بخيوط الموسيقى والفنّ، والأدب والمسرح والسينما والأغنية والأوبرا والرقص والتشكيل، وبالطبع أيضًا بخيوط العمارة مجال دراستى ومكمن عشقى. وكل ما سبق من خيوط الحرير، ليس إلا متَن النسيج الثرىّ الشاسع المطرّز بدانتيلا الأناقة والذوق، الذى اسمه: «نسيج الثقافة»، الذى تغزل على نوله اليوم الموسيقارة: إيناس عبدالدايم.

الكتاب فى طبعته الأولى كتب مقدمتَه مفكرٌ مصرىّ شاهقُ القامة، هو الراحل الجميل، وأستاذى، محمود أمين العالم، الذى غادرنا فى يناير ٢٠٠٩. ولقدر هذا الرجل، ومكانته فى قلبى، وفى العقل الجمعى العربى، احتفظتُ بتلك المقدمة التاريخية الثرية فى الطبعة الجديدة من الكتاب فى عنوانه الجديدة (الكتابة بالطباشير الملوّن)، وقد أضيف له تصديرٌ جديد بقلم فيلسوف شاهق هو الدكتور مراد وهبة، ذلك التصدير الذى أعتبره وسامًا آخر فوق صدرى.

فى مقدمته الثريّة لهذا الكتاب، قال المفكر المصرى الراحل محمود أمين العالم- رحمه الله: «أيها القارئ العزيز، حذارِ أن تصدِّقَ عنوان هذا الكتاب! فكتابتُه لم تتم وتتحقّق، كما يزعم عنوانُه، بالطباشير! فهى ليسـت بالكتابة السَّطحية التى يمكن أن تُمسـحَ أو تُنسى بمجرد مغادرتِها. بل هى بالحـق، وفى غير مغالاة، كتابـةٌ بالحفـر العميـق فى حقائقِ وظواهـرِ تجاربنا الثقافية القومية والإنسانيّة، التراثيـّة والمعاصـرة عامة،… والحق أن قراءتى لفصول هذا الكتاب على تنوّعها ووحدتهـا معًا كانت لحظةً معرفيّةً حضاريّةً متنامية، تجمعُ بين تراثِ الماضى الإنسانىّ بعامة، وليس القومىّ فحسب. هذا كتابٌ يُعدُّ إضافةً عميقةً وجادةً ملهمَة إلى تراثنا النقدىّ العربىّ المعاصر، وتستحقُّ عليه الشاعرةُ والمهندسة والناقدة فاطمة ناعوت كل تقدير واعتزاز».

وبعد تلك المقدمة الجميلة، حدثت واقعةٌ طريفة للغاية مع أمى، سأحكيها لكم فى مقال قادم. وأما إجابة السؤال: لماذا أكتب بالطباشير؟، فله سبب طريفٌ آخر سأحكيه لكم لاحقًا.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع