حوار اجراه – ايهاب رشدى
هو شخصية ثرية متعددة المواهب . طبيب جراح . أستاذ جامعى . فنان . شاعر . كاتب . سياسى . صاحب تاريخ حافل فى الطب والثقافة والسياسة . أثرى الحركة الثقافية بالإسكندرية على مدى عشرات السنوات ولا زال . هو نقيب اطباء الاسكندرية ، ورئيس مجلس إدارة اتيليه الاسكندرية ، عضو مجلس إدارة جمعية مبدعى البحر المتوسط ، بالاضافة للعديد من المناصب الأخرى داخل مصر وخارجها .
ذهبت إليه فى عيادته التى تكشف جدرانها عن شخصية فنان ، و تكاد تكون معرضا فنيا أكثر منها عيادة طبيب . أردت أن أبحر لبعض الوقت فى عقل ووجدان محمد رفيق خليل ، وخرجت من مجلسه أحمل الكثير لأقدمه للقارئ العزيز .
بداية ما هى العلاقة بين الطب والأدب
الطب هو أكثر عمل له علاقة بالانسان ، فالمريض يأتي للطبيب فى حالة ضعف ، وهناك مشاعر كثيرة يراها الطبيب فى المريض .. القلق والتوجس والخوف والترقب ، فيقويه ويعطيه طاقة ايجابية ويتصادق معه . وانا مرضاى كلهم اصدقائى لذلك فعلاقاتى الانسانية كثيرة جدا ، الطبيب يأتمنه المريض على أسراره فى كثير من المواقف الحياتية وكثيرا ما يستشيره فى أموره الخاصة و كل ذلك يعطى الطبيب تجارب كثيرة ، فإذا ماكان هذا الطبيب أديبا فهو بالقطع سيستفيد من المخزون الكبير لتلك المشاعر الانسانية التى يستطيع التعبير عنها فى أدبه . وثانيا فان الطب نفسه علم وفن معا ، الجراح لابد ان يكون عنده ناحية فنية ، كثيرون يشبهون الجراح بالجزار ، ولكن الجزار يقطع ويُجهزْ على حياة الكائن ، أما الجراح فيتعامل مع الانسحة بمنتهى الدقة وهذه ناحية فنية تحتاج إلى الاتقان ، فالفن والادب يحتاجان للاتقان .. والشخص الذى اختار الطب مجال لعمله لديه رغبة فى تخفيف ألام الانسان ، أى لديه نوع من الشعور المرهف كما فى الفنان .
كيف تجد الوقت لتقوم بكل هذه الاعمال .. فى الكلية كأستاذ جامعى وفى العيادة طبيب ، وجراح فى غرفة العمليات ، بالاضافة لأنشطتك فى مجال الفن والادب .
تنظيم الوقت . ربنا أعطانا فى اليوم 24 ساعة . نستفيد منها ولا نهدر الوقت والأنشطة المتعددة تعتبر تنفيس للضغط الذى يمكن أن يتعرض له الشخص ، فإذا كان لديك عمل واحد فان أى توتر فيه يسبب لك أزمة ، أما من له نشاطات متعددة فانها تخفف عنه التوتر ، وطبعا الفن والادب هما متنفسان لى .
الشاعر والكاتب والفنان والاستاذ الدكتور والطبيب أيهم أقرب لقلب محمد رفيق
قال ضاحكا .. أيهم أحب إلىّ ؟ إنه الطبيب وبالتحديد الجراح . لماذا ؟ لأنى متخصص فى نوع معين من الجراحات الصعبة . وهو ما يشعرنى بانى أقوم بعمل ذا قيمة ، يأتينى مرضى من كل أنحاء مصر وخارجها ، و لديهم ثقة فىّ ، ثم أجد النتيجة فى سعادة المريض بنجاح الجراحة ، وهو ما يمنحنى شعور بالرضا كما انى أكتسب صديقا جديدا ، وهو ما أعتبره ثروة لا تعادلها أى ثروة . لذا فان دورى كجراح يرضينى أكثر من اى شئ آخر .
وهناك نظرية فى التاريخ ترى أن الحضارة تنشأ من الرد على التحدى ، وأنا فى عملى أتحدى المرض . ونجاحى فى جراحة صعبة أقوم بها (مع فريقى الطبى و المريض ) يعطينى نوعا من السعادة .
الشاعر محمد رفيق لماذا هو مقل فى اصداراته فلم نر سوى ديوان " سوناتا الرحلة "
" سوناتا الرحلة " هو الديوان الوحيد الذى تم نشره ، ولكن لدى الكثير من القصائد التى لم تنشر
وقد قام صديقان عزيزان لى هما أ. أحمد سويلم ، والشاعر الدكتور فوزى خضر بجمع بعض قصائد لى دون أن أعلم وأصدرا هذا الديوان ، وأنا عموما أحب ان أنشر فى الجرائد ، أما الاصدارات فمشكلتى معها هى ضيق الوقت .
بخلاف الشعر ماذا يكتب محمد رفيق
أقوم بكتابة المقالات والدراسات . واحب الكتابة فى الفلسفة والتاريخ . فلسفة العلم والاخلاق وتاريخ العلم ، الطب والعلم المصرى القديم ، مدرسة اسكندرية القديمة اهتم بها جدا .
و رغم كونى أستاذ بكلية الطب إلا انى أشرفت على عدد كبير من الرسائل فى قسم الحضارة الرومانية واليونانية بكلية الآداب ، وناقشت عدد كبير من الرسائل وحضرت مؤتمرات دولية عديدة فى العلوم وتاريخ العلوم وفلسفته لدرجة أن بعض الناس لا يعرفون أنى طبيب .
لمن يقرأ د. محمد رفيق خليل . هل تقرأ للشباب
بالتأكيد و لدينا مجموعة جميلة جدا من الشعراء وكتاب القصة وأنا معجب بكتاباتهم ، وقراءاتى ليست بالعربية فقط ، بل بعدة لغات أخرى فأنا متابع للحركة الثقافية فى الخارج . كما أنى عضو مجلس إدارة منظمة دولية تهتم بشباب المبدعين من البحر المتوسط وهى مجموعة أوربية ليس فيها أحد من العرب سوى أنا وكاتب آخر من لبنان ، مقرها تورينو بايطاليا ، وقد ساهمت من خلالها فى سفر العديد من الشباب والفرق الموسيقية والشعراء وفنانين تشكيليين ، منهم فرقة مسار اجبارى – سكندريلا – أصدقاء البحر ، وقدمتهم لأول مرة فى أوربا ، و كذلك شعراء مثل عمر خالد ، بالاضافة لمجموعة كبيرة من الشعراء الشباب ، وذلك بهدف الاحتكاك بالشباب الاوربى
اسكندرية مدينة كوزموبوليتانية ولو انطوينا على ذواتنا ستموت اسكندرية ،. أشياء كثيرة تضمحل فيها الآن . بعد الغزو الصحراوى لها . كانت مدينة منفتحة يتعايش فيها المغاربة والشوام واليونانيون والايطاليون والأرمن ، كانت بوتقة لكل هؤلاء ، و عاش بها أناس من الاندلس والمغرب ، أولياء الله الصالحين معظمهم من المغرب و اسبانيا أمثال أبو العباس المرسى والشاطبى و الشوام أسسوا من الاسكندرية الصحافة والمسرح
ودورى فى تلك الجمعية ان أعمل احتكاك بين الشباب المبدعين فكل سنتين هناك نحو 50-60 شاب يذهبون لأوربا يأخذون أفكار ويقدمون أفكارهم .
شباب المبدعين فى كل المجالات ما الذى يميزهم فى الأجيال المعاصرة عن الأجيال السابقة
الشجاعة والجرأة عندهم كبيرة ولديهم فرص للتواصل لم تكن موجودة أيامنا ولكن ومن الناحية الاخرى تجد ان ثقافتهم مستمدة من الميديا وليست من الكتاب . منغلقين على أنفسهم ، عاملين قطيعة بينهم وبين الاجيال السابقة ، وطبعا الحضارة تنتقل من جيل إلى جيل بالتواصل ، كما انهم يعانون من عقدة « قتل الأب « فهم يعتقدون أنهم لن يصعدوا إلا بقتل ما قبلهم ( أقصد تجاهله وعدم الآخذ به )
ماذا تقول عن محمد رفيق السياسى
كنت من أكبر المشاركين فى ثورة يناير ، ومن قبلها شاركت فى العديد من الانشطة السياسية ، وكان لى تواجد فى منظمات حقوق الإنسان ، ولكنى لم أنضم لحزب لأنى أفضل ان أكون حرا ، أميل إلى اليسار وإلى العدالة الاجتماعية . لم أسعى لأتولى منصبا فى الدولة لأن لى فكرى الخاص .
أتيليه الإسكندرية ماذا أضاف لمحمد رفيق وماذا أضاف رفيق له
لقد حاولت باخلاص أن أضيف شيئا ، ولست أعلم إن كنت قد أضفت أم لا ، فى الاتيليه وفى الحركة الثقافية بالاسكندرية يقال أنى عملت شئ ولكنى أرى غير ذلك وغير راض عن دورى فيه ، فى نهاية فيلم عمر المختار سأل القائد الايطالى ، أنتونى كوين قبل اعدامه - وهو ممثل قدير أحبه جدا - ماذا فعلت طوال السنوات الماضية فرد عمر المختار قائلا « لقد حاربناكم " ، وأنا أرى أننى حاربت وبذلت ولازالت أبذل كل ما فى استطاعتى .
سافرت لمعظم دول العالم بعضها سفريات بحكم العمل وبعضها من أجل الثقافة وأحيانا فى مهام قومية .
كيف ترى اسكندرية الآن
اسكندرية لم تمت و لازالت بها حركة ثقافية . والأمل فى مصر كلها فى اسكندرية ، فهى التى كانت يوما ما رائدة العالم فى كل شئ وذلك خلال القرنين الماضيين . هى المحرك الثقافي الذى بدأت بها حركة المسرح والصحافة والثقافة الرفيعة . اسكندرية عليها مسئولية كبيرة جدا .