الأقباط متحدون - البابا: «أبوك الملحد صالح.. لا تخف»
  • ٠٢:٣٦
  • الجمعة , ٢٧ ابريل ٢٠١٨
English version

البابا: «أبوك الملحد صالح.. لا تخف»

مقالات مختارة | عادل نعمان

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الجمعة ٢٧ ابريل ٢٠١٨

عادل نعمان
عادل نعمان

أرحتَ الطفل وبدَّدت حيرته، وطمأنته على أبيه، وأزلت قلقه، وجبرت خاطره، وهدّأت من روعه، وأنزلت على نفسه السكينة، وتركت أمر من يحبه لله، حتى يعيش الطفل راضياً فى سلام، متصالحاً مع نفسه، متسامحاً مع الناس، لا حقد ولا بغض ولا عداوة ولا كراهية لأحد، لا يرى نفسه أقل شاناً، أو أباه أقل حظاً من رحمة مولاه دون غيره من العباد، ناجحاً معتدلاً سوياً مع الآخرين.. هنيئاً لهذا الطفل بك سيدنا البابا.

يتقدم الطفل «إيمانويل» ليسأل البابا أسقف روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية، فى درس أو فى لقاء أسبوعى، لا يهمنا الموضوع أو الدرس أو المكان، بل يهمنا هذا التعاطف الإنسانى بين طفل صغير مهموم بمصير والده المتوفى قريباً، والبابا رأس الكنيسة المهموم بشعبه فى أرجاء الدنيا، ليكون هذا الطفل شاغله وهمّه الرئيسىى، يتقدم «إيمانويل» ليسأل البابا سؤالاً يحيره ويشغله، تتسارع أنفاسه وتتلاحق، وتصمت الكلمات على شفتيه ولا تخرج، وتنساب الدموع من عينيه ولا تتوقف، يتقدم الطفل إلى منصة البابا، يضمه إلى صدره، يبدد وحشته وخوفه، ويهمس فى أذنه بشكواه، «إيمانويل» الطفل الصغير قلق على مصير أبيه الذى مات قريباً وكان ملحداً: «هل سيدخل أبى النار؟»، هكذا كشف البابا الغطاء عن سؤال الصبى، يعود الطفل إلى مجلسه بعد أن ألقى سؤاله وحيرته فى حجر البابا، وجلس يتأهب ويستعد لمعرفة مصير الأب على يد أكبر رأس فى الكنيسة، البابا لا يبخل على الطفل برضا الله، بل يفتح له الأبواب، ينهل من عطف الله ورحمته التى تطول كل العباد، أبواب الله مفتوحة لا يوصدها فى وجه الناس إلا الناس،

البابا يرد ويبدد وحشة «إيمانويل»، ويبحث فى تاريخ الأب عن عمل واحد نافع يغفر له خطاياه، ويضمه إلى فريق الصالحين، هكذا يكون التسامح والرضا والغفران: «أبوك يا صغيرى عمّد أطفاله الأربعة، فكان بهذا رجلاً صالحاً»، حتى لو كانت هذه هى النقطة البيضاء فى حياته، فهى تغفر الذنوب.. «فإن الله هو الذى يقرر دخول الجنة، الأب لا يتخلى عن أبنائه والله فخور بوالدك أيها الصبى، كن فخوراً به أيضاً»، أصبت وأرحت واسترحت، وتركت ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وتركت الجنة لله، هكذا كان حكم المحكمة النهائى. هنيئاً لك أيها الصبى، فلن تدفع يوماً تكلفة الأب إن أخطأ، وهو رجل صالح طالما عمّدك وإخوتك، والله لن يترك أولاده يعانون ويعذَّبون، فليس لله حاجة بعذاب خلقه، هذه حدود رجال الدين مع الله ومع الناس، لا يتعدون بعلمهم علم الله، ولا يرون أبعد من حدود علمهم، ولا يخترقون حجب الغيب، ويتركون الغيب لله. لو كان هذا السؤال من طفل مسلم لمشايخنا، وكان الأب ملحداً أو عاصياً، أو تاركاً للصلاة جحوداً أو نكراناً أو سهواً، أو مر عليه شهر رمضان بلا صيام، لأصبح كافراً ووجب قتله شرعاً، وحقّ عليه الموت عدة مرات، مرة على كل سيئة من السيئات أو كبيرة من الكبائر، ولأن الموت لا يأتى إلا مرة واحدة، فاستحقّ عقوبة القتل مرة واحدة عن كل هذه المعاصى، ولو كان الموت يأتى فرادى لاستحقّ الموت كلما أتى. هذا عن الدنيا، أما عن الآخرة فهو خالد فى النار وفى الدرك الأسفل منها، أما بين الاثنين،

بين الحياة والبعث والحساب، فهو يا ولدى يُعذَّب بلا راحة بين ضلعى القبر، ويُقرع ويُضرب ويهان، وأنت أيها الطفل البائس المسكين عليك بالصلاة والصوم والحج بالإنابة عن أبيك، جالساً ليل نهار تبكى بجوار قبره، تخفف عنه عذاب ناكر ونكير، أو تمنع عنه زحف الثعبان الأقرع، أو تطيل الدعاء لأبيك أن يرحمه ربه من عذاب القبر، فإذا كان عذاب القبر لمن لا يستبرئ من بوله، فكيف إذا مات ملحداً؟ كل هؤلاء المشايخ يظنون أن الله قد كشف لهم أسرار حكمه، وأبرز لهم سر رحمته وعذابه، وأطلعهم على مصائر العباد، وأعطاهم مفاتيح الغيب والحساب والعقاب، واختصهم بأسراره دون رسله وأنبيائه وخاصته «وَعِنده مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»، بل كشف الله لهم ما حجبه عن رسوله الذى يقول: «لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ»، فتقوّلوا عنه عذاباً فى القبر لم يعلم عنه شيئاً ولم يسمع به، وهم نيام سكون لا يشعرون «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ»، هؤلاء قد تعدَّوا على حق الله، وعذبوا الناس بحكايات الرواة والقصاص فى مساجد العهد الأموى، وروايات الأمم السابقة عن يوم الحساب، وميزان الخير والصواب، وقضاة وحكام القبور، ووحوش التعذيب التى تأكل كل المذنبين، وسجلها العهد العباسى ودوّنها أحكاماً وأحاديث وتنزيلاً، فلا جاء ذكر هذا فى القرآن، ولا جاء على لسان النبى، إنما جاء على لسان الرواة والقصاص، دفاعاً عن خرافات بنى أمية وسلطانها.

أيها الصبى، أنت وغيرك من كل الأديان، لا تقلق على مصيرك أو مصير أبيك والأحباب، الجميع مع الله. يسأل أعرابى: إذا متنا من يحاسبنا. قيل له: الله يحاسبنا: قال: نجونا ورب الكعبة، قيل: كيف ننجو؟ قال: إذا حاسب الكريم عفا، لا تخافوا من الله وخافوا من الوسطاء.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع