٣ دروس صعبة.. فى حكاية محمد صلاح
مقالات مختارة | فاطمة ناعوت
الخميس ٢٦ ابريل ٢٠١٨
مبروك لمصر وللمصريين هذا التاجُ الجديد الذى تَوجَّ به هامةَ مصرَ الشريفة، اللاعبُ المصرىّ «الجادُّ» كابتن محمد صلاح: أفضلُ لاعب فى الدورى الإنجليزى. وقريبًا: «أفضلُ لاعب فى العالم» بإذن الله وإرادة لاعبنا المصرى المحترم، وبحبّ العالم أجمع له، أيقونة فرادة واستحقاق.
وحين أقول: «الجادُّ»، فقد دخلتُ مباشرةً فى: «الدرس الأول» من عنوان المقال.
الدرسُ الأول هو: «الجدية». صلاح «موهوب» دون أدنى شك. ولكن الموهبة منحةٌ أو هديةٌ من الله (تعالى)، يمنحها لمن يشاء، موزّعًا هداياه على أبنائه البشر بالعدل، كلٌّ ينالُ ما يناسبه من هدايا، أو مواهب فى: الموسيقى، والرسم، والنحت، والكتابة، والصوت، والرياضة، والذكاء، والفراسة، والمعادلات الرياضية، والحفظ، والتوقّع، والإدارة، والتمثيل، وغيرها من مئات الأنواع من المواهب، أو الهدايا السماوية الغالية. لهذا لن أناقش تلك العطايا الربوبية فى مقالى «الأرضىّ»، هذا، لأن الأمور الربوبية لا يناقشُها بشرٌ، لأن لها أسرارًا وألغازًا وحساباتٍ شديدةَ التعقيد، قد لا نستوعبها نحن- بنى الإنسان. الموهبة، أمرٌ خارجٌ عن إرادتنا نحن- البشر- ولو كان بإرادتنا لمنح كلُّ لإنسان لنفسه ولأطفاله جميع المواهب، ولحظتها سوف تتوقف الحياة. لأن اتزان توزيع المواهب هو سرٌّ قدسى وعبقرى من أسرار السماء لكى ينتظم حراكُ الأرض وإعمارها. فأنا أحتاج إليك لكى تُغنّى فتملأ روحى بالفرح، حتى أستطيع أن أرسم لك كمهندسة بيتًا تسكنُ أنت فيه، أو أكتب قصيدة تُغيّر من حياة إنسان ما. فيطمئن ذلك الإنسانُ بدوره، وينحت تمثالا لموسيقىٍّ كبير أو زعيم خالد، يراه إنسانٌ آخر فيُبدع فى تأليف رواية تكون إلهامًا لإنسان آخر، فيصنع منها فيلمًا أو مسرحية تُعدّل من مسار مجتمع، وهكذا. مواهبُنا جميعًا نحن- البشر- هى السرُّ الخالدُ فى دورة الحياة وتطور المجتمعات وبناء الحضارات عبر العصور. وذلك ليس مضمون مقالى. لن أتكلم عن موهبة محمد صلاح، لأنها منحة سماوية لا تُناقَش. لكننى أتأمل أمرًا أرضيًّا إنسانيًّا، بوسع إنسان أن يفعل، أو لا يفعله، بإرادته الكاملة، هو: «الجدّية» والإصرار على النجاح.
هذا اللاعبُ الأسطورى هل بوسعنا نحن- المتابعين له- أن نتخيّل كيف يمرُّ يومُه؟ هو لا يأكل كما نأكل، ولا يمارس حياته بالأسلوب الذى نعيشه من «حرية»، لكيلا أقول «فوضى». الطعامُ بجرامات محسوبة، الصحو فى مواعيدَ محددةٍ، الإحماءُ والتريّضُ الشاقُّ لا ينتهى. النوم بقَدر محسوب بكل دقّة. ربما لا يعرف صلاح ما نمارس من «رفاهات» مثل الذهاب إلى السينما والمسرح والأوبرا والتمشية على الكورنيش مع الأصحاب والجلوس بالمقاهى والتهام الشطائر والمحمّرات والمقرمشات وثرثرات الهواتف والتشات وغيرها مما يسرق الأعمار. يومُه شاقٌّ لا مجال فيه للحظة خطأ أو دقيقة غير محسوبة. تلك هى «الجدية» لتحقيق الهدف.
الدرس الثانى فى حكاية محمد صلاح، أو أسطورته، كما يحلو لنا أن نُسمّيها هو: «الوطنية». محمد صلاح لا يُغنّى لمصر كما نغنى لها كل يوم. ولا يدخل فى جدالات وسباب مع خصوم مصر على فيس بوك كما يفعل الكثيرُ من المصريين حين يُلاكُ اسمُ مصر على صفحات الدردشات. ولا يكتبُ مقالاتٍ وقصائدَ فى حب مصر كما أفعلُ أنا وغيرى من كتّاب مصر وشعرائها. إنما هو يرفعُ علمَ مصر (بالفعل) لا (بالقول)، كما يفعل جنودُنا فى سيناء، وكما يفعل السير مجدى يعقوب فى مستشفاه، وكما يفعل علماؤنا ومهندسونا وفنانونا المصريون فى كل مكان فى مصر وخارجها ممن يصنعون مجد مصر بالعمل الجاد والحب الحقيقى للوطن.
أما الدرس الثالث، فهو «العلمانية». والعلمانيةُ التى أقصدها هنا هى بالتعريف المعجمى الصحيح لها، وليس بالتعريف الهزلىّ «الخبيث المشوّه» الذى زرعه الإخوان والمتأسلمون فى وعى البسطاء، لكى «تتشيطن»، فينفرُ منها الناسُ، وهو ما حدث بالفعل بكل أسف. العلمانيةُ فى تعريفها الصحيح هى: احترام جميع الأديان. هى العدل بين البشر كافة، وعدم الحكم عليهم فى أمر «مِهنىّ» من منطلق دينى. هى الوقوف على مسافة متساوية من جميع الأديان، حال مناقشة قضية حياتية ما. فإن عُقدت مسابقةٌ بين عدة شعراء، وكنتُ فى لجنة التحكيم، لا أحابى الشاعرَ المسلمَ، لأنه من دينى وأظلم شاعرًا مسيحيًّا أفضلَ منه! وإن تنافس مهندسون فى تصميم، لا أميز بينهم على أساس دينى بل يكون الأساسُ «الأوحد» هو الكفاءة وفقط. وهكذا. هذا ما فعله الدورى الإنجليزى مع محمد صلاح، فتوّجه أفضلَ لاعب، لأنه أفضلُ لاعب، ولم ينظروا إلى عقيدته التى تختلف معهم، ولا إلى عِرقه المصرى الذى لم ينسلّ من أعراقهم الأوروبية.
هل نتعلّم دروس أسطورة «محمد صلاح»، بدلًا من الاكتفاء بالتصفيق له؟!
نقلا عن المصري اليوم