الأقباط متحدون - كشف ما جاء من تضليل في مداخلة إمام الجامع الكبير
  • ٠٣:٣١
  • الخميس , ٢٦ ابريل ٢٠١٨
English version

كشف ما جاء من تضليل في مداخلة إمام الجامع الكبير

مقالات مختارة | بقلم:منصور الحاج

٠٧: ١١ ص +02:00 EET

الخميس ٢٦ ابريل ٢٠١٨

الجامع الكبير في العاصمة التشادية (أرشيف)
الجامع الكبير في العاصمة التشادية (أرشيف)

 حظيت مداخلة الدكتور أبكر ولر إمام وخطيب الجامع الكبير في العاصمة التشادية انجمينا التي قدمها خلال فعاليات المنتدي الوطني الشامل للإصلاحات المؤسسية بإشادة وإعجاب الآلاف من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين أثنوا عليه واعتبروا كلماته ملحمية في الدفاع عن الإسلام وبيان مكانة المرأة في الشرع الإسلامي. 

وبحسب مقطع المداخلة المتداول على موقع فيسبوك والذي أضاف عليه معدوه مؤثرات مرئية وصوتية وخلفية موسيقية حزينة للتأثير على مشاعر المشاهدين، فقد طالب الإمام بحذف عبارة اعتبرها "مسيئة" للإسلام وهدد بالانسحاب إن لم يستجب المنتدى لطلبه ويقدم اعتذرا للمسلمين.
 
وقال ولر الذي عرف نفسه بأنه "يمثل الجهة التي تمثل الإسلام": "لن نرضى أن نكون معكم في هذه الصالة ونرى قيمنا الإسلامية تمس، وعليه أولا هذه العبارة التي وردت في مقدمة فقرة النهوض بالمرأة والتي تقول إن تعايش التقاليد والشرع الإسلامي حد من مبدأ مساواة المرأة نحن نطالب بحذفها فورا الآن وتقديم الاعتذار للمسلمين".
 
وأشار في معرض تهديده بالانسحاب من المنتدى إن لم يتم حذف العبارة بأنه سيثير القضية من على منبر صلاة الجمعة وأنه يعرف ما سيقوله هناك. واتهم ولر من وصفهم بـ "محدودي الثقافة" بـ "التطاول على الإسلام" وتساءل قائلا: "من الذي قال لهم إن الإسلام حد من مبدأ المساواة؟".
 
كما تحدى ولر "أن يكون في العالم نظام أو دين غير الإسلام كرم المرأة قبل أن تولد" وطالب الحضور بقراءة آية: "لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء اناثا ويهب لمن يشاء الذكور" ثم أردف قائلا: "قدم المرأة في هذه الآية على الرجل قال العلماء ما قدم الله سبحانه وتعالى الإناث على الذكور في هذه الآية إلا لأنه يريد أن يشير إلى أن الإسلام كرم المرأة، لأنه قبل مجيء الإسلام فإن الشخص إذا ما رزق بمولودة بنت يغضب ويتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب. هذه هي حال المرأة قبل الإسلام وعندما جاء الإسلام قال يهب لمن يشاء إناثا".
 
واستطرد ولر في تعداد مظاهر تكريم الإسلام للمرأة وأورد أحاديث وآيات تبشر من يحسنون تربية بناتهم بدخول الجنة ومصاحبة الرسول فيها، وتحث على معاشرة الزوجات بالمعروف والبر بالأمهات.
 
ودافع ولر في الوقت نفسه عن طريقة توزيع الميراث في الشرع الإسلامي واعتبر أن "كل ما جاء في الإسلام وكل ما جاء في القرآن والسنة النبوية وتعاليم الفقهاء خطر أحمر." وختم ولر مداخلته بالاعتراض على قانون الأسرة بحسب المعايير التي تنص عليها المعاهدات الدولية نافيا أن يشمل مفهوم الأسرة الأزواج مثليي الجنس.
 
كل ما سبق هو عرض لأبرز ما جاء في المداخلة التي صفق لها بعض الحاضرين في قاعة المنتدى واحتفى بها الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي أثار حيرتي ودهشتي نسبة لأن ما قاله الإمام لم يكن سوى كلاما عاطفيا لا يمت إلى الواقع بأي صلة بل إنه مضلل وخطير جدا خاصة وأن قائله هو إمام وخطيب المصلين في أكبر المساجد في دولة تحمل لواء محاربة إرهاب الجماعات الجهادية في القارة الإفريقية.
 
شخصيا، كنت سأتفهم فيما لو كان احتجاج الإمام على العبارة لكونها عامة وبحاجة إلى تخصيص، لكنه وللأسف الشديد أثبت ما كان يحاول نفيه، فمن التناقض الواضح أن يتحدث الإمام عن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة ثم يرى أن طريقة تقسيم الميراث في الشريعة الإسلامية وإعطاء الذكور ضعف ما يعطى الإناث طريقة عادلة ومنصفة وتحقق مبدأ المساواة بين الجنسين الذي أقرته الشرائع والمعاهدات الدولية وبات من الأمور المسلم بها في المجتمعات المتحضرة.
 
إن السؤال الجوهري الذي يجب على المسلمين وفي مقدمتهم الإمام الإجابة عليه هو: هل يتطور مبدأ العدالة أم أنه توقف عن التطور بعد قدوم الإسلام؟ إن الإجابة على هذا السؤال تحدد مدى قبول المسلمين بفكرة أن الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة كانت صالحة ومقبولة وعادلة نسبيا قبل 14 قرنا أما اليوم ومقارنة مع ما وصل إليه العالم فيما يتعلق بحقوق المرأة فإنها تعد من المعوقات التي تحول دون تطور أوضاع المرأة في المجتمعات الإسلامية.
 
أتفهم حين يعتبر المسلم تحريم دفن البنات تطورا مفصليا في تاريخ العدالة قبل 14 قرنا أما اليوم، فتعاليم الإسلام المتشددة هي التي تدفن النساء أحياء من خلال القيود المفروضة عليهن في الملبس والتنقل واختيار شريك الحياة والاستقلال وما تفشي حالات قتل النساء بدعوى الدفاع عن "الشرف" في المجتمعات الإسلامية إلا مظهر من مظاهر القهر والظلم الذي تتعرض له النساء بسبب النظرة الدونية للمرأة في العادات والتقاليد الإسلامية.
 
وقد يكون تقليل عدد الزوجات من عشر إلى أربع تطورا غير مسبوق قبل 14 قرنا أما في عالم اليوم فإن تعدد الزوجات بات من الأمور التي لا تتناسب مع العصر ويرسخ النظرة الدونية للمرأة ويحد من استقلالها الاقتصادي ويعرقل تحقيق المساواة بين الجنسين ولا يؤيده إلا من ينظرون إلى المرأة نظرة دونية.
 
لا أعرف كيف كان وضع المرأة قبل الإسلام فيما يتعلق بالشهادة في المحاكم، لكن الشرع الإسلامي يقول بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فإن كان هذا أمرا مقبولا قبل 14 قرنا فهو في عصرنا الحالي مدعاة للسخرية ويجب وقفه فورا.
 
إن على المسلمين العمل على تغيير الواقع المرزي للمرأة في الدول الإسلامية بدلا من التبجح دائما بأن الإسلام أعطى المرأة حقوقها قبل 14 قرنا وتكرار قصص عفا عليها الزمن واتهام الآخرين بالتطاول على الشرع والإساءة إلى الدين والسعي لإفساد المرأة. فبحسب التقرير الذي نشره منتدى الاقتصاد العالمي عن الفارق الاقتصادي بين الذكور والإناث في عام 2017، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة إلى 580 عاما لردم الفجوة الاقتصادية بين الجنسين.
 
وقد كرست التعاليم الإسلامية زواج الصغيرات في العديد من الدول الإسلامية بسبب اعتراض الإسلاميين على تحديد سن للزواج الأمر الذي يتسبب في وفاة الكثيرات يوميا، وتنتشر في المجتمعات الإسلامية عادة الختان وظاهرة تعدد الزوجات وجرائم القتل بذريعة الدفاع عن الشرف، ورجم المتهمات بالزنا واستعباد النساء كما فعل الدواعش بالإيزيديات وجماعة بوكو حرام بالطالبات النيجيريات.
 
إن اعتبار الإمام "كل ما جاء في الإسلام وكل ما جاء في القرآن والسنة النبوية وتعاليم الفقهاء خطا أحمر" تصريح خطير يجب الوقوف عنده وفهم المراد منه لأن الكثير مما جاء في القرآن والسنة النبوية وتعاليم الفقهاء لا يتناسب مع هذا العصر ويجب لفظه بل والتبرؤ منه.
 
فأحكام القطع والجلد والرجم وقتل المرتد وإعدام المثليين هي تعاليم إسلامية لكن عفا عليها الزمن، ولا يسعى نحو تطبيقها سوى الإرهابيون من جماعة تنظيم القاعدة والدواعش من أمثال جماعة بوكو حرام التي قتلت مئات المواطنين في تشاد في هجمات مسلحة وعمليات انتحارية.
 
كما أن تهديد الإمام باستغلال منبر الجمعة للتحريض ضد عمليات تطوير واقع المرأة يعد أمرا خطيرا يرتقي إلى مرتبة تهديد الأمن القومي وعلى السلطات تشريع قوانين تمنع استغلال المنابر الدينية للتحريض ضد الدولة.
 
إن تشاد دولة علمانية بنص الدستور وهذا يعني فصل الدين عن الدولة وليس لأحد الحق في ادعاء تمثيل الدين والحديث باسم الله والتدخل في الشؤون الشخصية للآخرين. لقد حان الوقت لأن ندرك خطورة الخطاب الديني المتشدد وأن نتصدى لكل من يستغل الدين لحرمان المرأة من حقوقها الأساسية وإعاقة تحقيق المساواة بين الجنسين.
 
أما أولئك الذين احتفوا بمداخلة الإمام واعتبروها ملحمية فإن عليهم مراجعة أنفسهم والتفكير بعقول متفتحة ومقارنة ما جاء فيها بواقع المرأة في المجتمعات الإسلامية، فالذين يقفون حجر عثرة أمام تقدم المجتمعات الإسلامية هم أئمة الضلال المتشددين الذي تحجرت عقولهم وتوقف تفكيرهم وعميت أبصارهم عن رؤية التطور والتقدم الذي وصلت إليه المجتمعات التي اعترفت بظلمها للمرأة وسنت القوانين وتبنت المعاهدات الدولية لتحسين وضع المرأة على كافة الأصعدة وفي جميع المجالات، بعكس المتشددين الذين كلما تم طرح موضوع المرأة أرغوا وأزبدوا واتهموا أنصار حقوق المرأة بالإساءة إلى الإسلام وأعادوا عقارب الساعة إلى الوراء وكرروا على أسماعنا ما حفظوه من كلمات عن تكريم الإسلام للمرأة قبل 14 قرنا وكأننا لا زلنا نعيش في القرن السابع الميلادي وليس الحادي والعشرين.
نقلا عن الحرة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع