مفاجآت ليست مذهلة
مقالات مختارة | يقلم: أحمد المسلمانى
السبت ٢١ ابريل ٢٠١٨
فى العادة لا يتحدّث السفراء عن تفاصيل مهامهم، ولا الأسرار السياسية المتعلقة بمكان عملهم.. إلا بعد سنوات طويلة.
وفى العادة أيضاً.. فإنهم -وتلك من طبيعة وظائفهم- يناورون ولا يشتبكون.. ويلمحون ولا يُفصحون.. ويشيرون ولا يحدّدون.
لكن سفير روسيا لدى قطر الدكتور «فلاديمير تيتورينكو» قد اختار طريقاً آخر فى حديثه إلى قناة «روسيا اليوم» هذا الأسبوع.
تغلّب «أستاذ العلوم السياسية» على «سيادة السفير».. وتحدث «تيتورينكو» عن بعضٍ مما رأى فى قطر.. قُبيل وبعد «الربيع العربى».. وهنا أبرز ما قال:
أولاً: ملف الغاز.. كانت سياسة قطر.. تصدير الغاز إلى أوروبا ومزاحمة روسيا هناك، وجرى الإعداد لمشروع خط أنابيب (قطر - إيران - السعودية - الأردن - سوريا - لبنان).. ومن الأردن إلى إسرائيل، ومن سوريا إلى تركيا، ومن لبنان إلى قبرص.
اعترضت السعودية بسبب إيران.. فكان البديل.. إيران وقطر وتركيا وسوريا.. وأخذ القطريون بشار الأسد إلى تركيا وإيران.. وتم الاتفاق التامّ.
أدركت روسيا أن مشروعات قطر خطر عليها.. فقام السفير الروسى فى قطر بإرسال أسرار تلك اللقاءات بين الشيخ حمد آل ثانى والرئيس بشار الأسد والرئيس أردوغان والقادة الإيرانيين إلى موسكو.
جرى التفاهم بين روسيا وقطر.. حتى لا يدوس أحد على قدم الآخر. جرى الاتفاق على استثمارات روسية كبرى فى الغاز القطرى.. ووجود كبير لعمالقة الغاز الروسى فى الدوحة.. وعلى استثمارات قطرية فى روسيا.. تشمل عقارات عديدة، ومنها ناطحات سحاب فى حى موسكو سيتى الشهير.. كان ذلك قبل الربيع العربى.
ثانياً: الربيع العربى.. قال السفير: كل شىء فى قطر تغيّر بعد الربيع العربى. لقد تعالت الدوحة وأصابها الغرور الشديد.. والتفاهمات التى كانت لم تعد كما كانت.. والاتفاقات والترتيبات السابقة قبل الربيع العربى اختلفت كثيراً بعد ذلك. كان المسئول هو نفس المسئول، لكن التعامل أصبح شيئاً آخر. إن وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم قد تغيّر كثيراً هو الآخر.. لقد كان وقحاً للغاية.. وقد تجرّأ على تهديد روسيا.. ولم أفهم كيف يمكن لدولة صغيرة مثل قطر أن تُهدّد قوة عظمى.
استضافت قطر أشباه المعارضين، وقدّمت المتطرّفين الإسلاميين باعتبارهم قادة المستقبل. وقد طلب وزير الخارجية لافروف ألا يتصل به حمد بن جاسم مرة أخرى.. وأن يكون مستوى الاتصال مع سفير روسيا فى قطر.
ثالثاً: الشيخ يوسف القرضاوى.. قال السفير: إن قطر استخدمت خطاباً مزدوجاً.. عزمى بشارة للعلمانيين، والقرضاوى للإسلاميين. وقد اتصل القرضاوى أمامى بالديوان الملكى، وطلب أن تعرض «الجزيرة» صور الدم باستمرار.. وكان ذلك جزءاً من الحرب الإعلامية التى أدارها «القرضاوى».
إن «القرضاوى» -حسب السفير- لم يقم بإدارة الحرب الإعلامية فقط، بل كان يطلب الدعم المالى لقوى المعارضة التى يؤيدها.
ثم يصل السفير إلى القول: إن الشيخ القرضاوى تحدث معه عن ضرورة الديمقراطية.. فلمّا سأله: هل قطر دولة ديمقراطية؟ قال: لا.. لكن دورها سيأتى أيضاً. إن شيوخ قطر يجب أن يقوموا بدورهم فى البداية.. وبعد ذلك سيقوم الشعب بالإطاحة بهم. المرحلة الثانية هى الإطاحة بالذين يدعمون المرحلة الأولى.
هكذا تحدّث سفير روسيا فى قطر.. وهكذا كانت بعض السياسات تجرى وتدور. إن حديث السفير لا يحتاج إلى تحليل.. ذلك أن الوقائع تكفى عن أى تحليل. إن الكثير مما قال يمثّل مفاجآت بالطبع.. لكنها ليست مفاجآت مذهلة.
إن الكثير من العلاقات الدولية المعاصرة لم تعد سراً، والتحولات المروّعة من أقصى الاتجاه إلى أقصى الاتجاه المضاد تجرى دون تردّد أو حياء. كما أن طعن حلفاء الأمس، وتمزيق العهود والاتفاقات قبل أن تجف أحبارها.. وإلقاء صور المصافحات والابتسامات بعد قليل من نشرها.. لم يعد ممكناً وصفه بالصدمة أو غرابة الأطوار.
إن اعتماد (نظرية الاستحمار) بتعبير المفكر الإيرانى الراحل على شريعتى.. بات واسع النطاق كما أنه امتد إلى حالة من (الاستحمار المتبادل).. حيث يعتمد كل طرف على غباء الآخر لتمرير اللحظة، ثم الانقلاب عليه فى اللحظة التالية. وكل طرف يتصور أن الطرف الآخر مجرد أداة تؤدى دورها ثم تغادر.
سيأتى يوم يعرف فيه العالم العربى جوانب أكبر من نظريات الاستحمار.. سوف تكون الصدمة كبيرة للغاية.. لكنها لن تنفع سوى نخبة من المؤرخين والباحثين.. أما الأرواح التى زهقت والحضارة التى رحلت.. فإنها لن تبرح حاجز الرواية، ومساحات الحكى.. ببساطة: لا شىء يعود.
ما بعد الحطام.. تاريخ بلا مؤرخين، ومؤرخون بلا تاريخ.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر..
نقلا عن الوطن