الأقباط متحدون - سوريا في مرمى الصراع الأمريكي – الروسي (2)
  • ١٨:٣٣
  • الثلاثاء , ١٧ ابريل ٢٠١٨
English version

سوريا في مرمى الصراع الأمريكي – الروسي (2)

د. عايدة نصيف

مساحة رأي

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٧ ابريل ٢٠١٨

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

د/ عايدة نصيف
"سوريا في مرمى الصراع "الأمريكي –الروسي" عنوان مقال كتبته ونشرته من نحو سنة، وبصورة دقيقة يوم 9 أبريل 2017، ومن يتابع ما كُتب من بعض الأقلام في هذا التوقيت يجد أن مقالي كان مختلفًا لما كُتب، وكان مضمونه الآتي:

"كنت أراقب باهتمام شديد مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام خطوات زيارة الرئيس لأمريكا، وأثناء متابعتي وفى منتصف الزيارة ونهايتها وجدت بعض الأقلام والتعليقات على "فيس بوك" تتحدث عن نجاح الزيارة، بل وجدتُ في جريدة "الأهرام" بعض الكُتاب يتحدثون عن نجاح الزيارة بصورة مستفيضة ودعوت في نفسى أن تكون هناك ثمار جيدة من هذه الزيارة التاريخية مساندة للرئيس ولمصر، ولكن كان الشك ينتابنى بأن يكون بالفعل هناك صدق نوايا من الجانب الأمريكى؛ لأنه ببساطة من يقرأ التاريخ ويُحلل الوقائع المهمة في تاريخ مصر والمنطقة العربية يعلم جيدًا هدف النظام الأمريكى.

يُدرك المحللون جيدًا أن سياسات الدول العظمى لا تتغير بتغير الرئيس ولا سيما أمريكا فهى تعمل بصورة مؤسسية ولن تتنازل عن منهجها من بوش وأوباما إلى ترامب، وفى المقابل هناك صدق في نوايا مصر والرئيس عبد الفتاح السيسي في محاربة الإرهاب وبصورة جادة؛ فقد حمل الرئيس السيسي هذا الهدف في عقله عند زيارته لترامب وقد أكد ترامب ذلك من جهة الشكل دون المضمون؛ ولعل حجتي في ذلك ما حدث لسوريا عقب انتهاء زيارة الرئيس السيسي.

فما تفعله مصر من علاقات دولية وإقليمية يمثل حراكًا سياسيًّا تاريخيًّا، وخاصة بعد أن فقدت مصر السنوات السابقة علاقاتها بكثير من الدول؛ بسبب عدم الاستقرار الداخلى بداية من 25 يناير وحتى 30 يونيو، وما كادت أن تستعيد علاقاتها مرة أخرى بصورة كبيرة على الصعيد الإقليمى والدولى، بدأت تنظر إلى قضية السلام في المنطقة وبدأت تخطو إليها خطوات في تقديرى صائبة..

بل لقد حمل الرئيس السيسي أيضًا هذه القضية معه في الحوار المصرى الأمريكي، ولكن للأسف قد شكلت الضربة الأمريكية إحراجًا كبيرًا للرئيس السيسي ولمصر؛ فقد عُوّل على هذه الزيارة من تقريب وجهات النظر بين واشنطن والقاهرة تجاه قضايا محلية وإقليمية لعل أهمها رؤية النظام المصري بضرورة الحفاظ على النظام السوري ودعم الجيش السوري لتأتي الضربة لتؤكد الفشل التام لهذه الجزئية.

ومصر الآن بين موقفين في غاية الصعوبة بين روسيا وأمريكا فإذا أيدت طرفًا خسرت الآخر، ولكن موقف مصر وموقف شعب مصر هو القضاء على الإرهاب والوقوف ضده وتأكيد الحل السياسي، وما حدث من الضربة الأمريكية لسوريا في حقيقة الأمر لم تكن مفاجأة أو لم تشكل هذه الضربة وثبة بما تنطوي على مساندتها الجماعات الإرهابية..

بالرغم من تحفظي على بعض من ممارسات بشار الأسد، ولكن في كل الأحوال فإنه بهذه الضربة تؤكد أمريكا سياساتها لدعم الإرهاب فهى تتحدث بما لا تُبطن وهذه هي سياسات بعض الدول العظمى التي تريد أن تتحكم في المنطقة؛ والتاريخ يشهد على ذلك، ولعله لا ننسى ما حدث للعراق من جانب النظام الأمريكى فقد استمرت السياسة الأمريكية ولم تعد هناك عراق، بوش في العراق بحجة النووى، وترامب في سوريا بحجة الكيماوى.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل النظام السورى هو من قام بهذه المجزرة الكيماوية أم المجموعات الإرهابية هي من قامت بذلك؟ وهل هذا يُعد مبررًا لضربة أمريكا لسوريا والتي تعتبر بالأساس هي ضربة لروسيا ومن ثم تقسيم التورتة، وفى الحقيقة من المتابعة للقضية السورية نجد أن الغرب قد قام خلال عامي 2013، 2014 بنزع كل الأسلحة الكيماوية السورية..

ومن خلال قراءتى السياسية والمتابعة وجدتُ أن المجموعات الإرهابية بمسمياتها المُختلفة في المنطقة قد سبق لها واستخدمت أسلحة كيماوية وفقًا لبعض المعلومات التي نُشرت على صحف دولية، وهذا يعنى أن لديهم بعض من هذه الأسلحة، وإذا نظرنا إلى تاريخ الحربين العالميتين، نجد أن الغرب هو أكثر من استخدم الأسلحة الكيماوية لا سيما في الحرب العالمية الأولى.

وما يهمنى الآن موقف مصر تجاه هذه الممارسات، بل موقف العرب في ظل تأييد السعودية الولايات المتحدة والإمارات أيضًا، الوضع يختنق والتاريخ يكرر نفسه مرة أخرى، ولكن في نهاية مقالى أود أن أقول إن من يساند مصر هي (مصر بشعبها وجيشها وقياداتها الحكيمة الواعية الوطنية بل والقوى الوطنية الحقيقية البعيدة عن الكراسى والمناصب)، فلا حسابات لهؤلاء سوى تراب هذا الوطن".

ما سبق هو مقالى الذي كتبته من نحو عام، واللحظة التاريخية الآن تكشف لنا وللعالم أن الأزمة السورية وأرض سوريا تحولت إلى مسرح للصراع الدولى والإقليمي، صراع بين القوى العظمى لإظهار النفوذ ومدى التأثير في الميزان الدولى بعيدًا عن معايير حقوق الإنسانالتى تتغنى بها هذه الدول، فسوريا الجريحة تعانى منذ سبع سنوات وتنزف ألَّمًا بل تحصد مئات والآلاف من أرواح الشهداء بل عددًا لا يحصى من الجرحى والمصابين؛ والنتيجة الآن ضرب سوريا بصورة بعيدة عن الإنسانية ومزيد من الدمار وتفتيت وطن له حضارة وتاريخ أبعد وأرقى من تلك الدول التي تقوم بهذا العمل الغاشم، والضمير الدولي يقف شاهدًا صامتًا وكأنه يشاهد فيلمًا دراميًا للتسلية.

فضرب سوريا فجر السبت من قبل العدوان الثلاثى المُكوَّن من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، ضربة هدفها تدمير مقدرات الدولة السورية وهى بمثابة إنهاك للمؤسسات القائمة التي تحافظ على سيادة سوريا وأراضيها، بل يؤكد المشهد أن التحرك الأمريكي المدعوم من باريس ولندن يؤكد أن تلك الدول تأوى وترعى الإرهاب لمحاولة ليس تفتيت سوريا فحسب، بل تفتيت المنطقة العربية بهدف السيطرة الاقتصادية والسياسية، وكأن التاريخ يعيد نفسه ويذكرنا بأيديولوجية تلك الدول وأن ما فعله جورج بوش لضرب العراق، ونجح في ذلك بحجة امتلاك العراق الأسلحة النووية، ويفعله الآن ترامب بعدوان ثلاثي؛ بحجة وجود الكيماوي فى سوريا.

وقبل هذا التاريخ نتذكر الزحف التتارى والصليبى فى المنطقة، وفى العصر الحديث شعار من النيل إلى الفرات شعارًا إسرائيليًّا بدأ من الأراضي الفلسطينية وتأسيس دولة إسرائيل في فلسطين، واضعين أمامهم نظرية ضرب القاهرة يبدأ أولا من بغداد ثم دمشق، وفى اللحظة التي أكتب فيها مقالي هذا عن العدوان الثلاثى على دمشق يتصدى الجيش السوري له في نفس الوقت قال المتحدث العسكري في مصر في بيان له:

"إن 14 فردًا تكفيريًّا منهم أربعة يرتدون أحزمة ناسفة، حاولوا اقتحام أحد معسكرات القوات المسلحة في وسط سيناء، مستغلين حالة الظلام فجر اليوم، ونجح رجال الجيش المصري في التصدي للهجوم الإرهابي، مما أدى إلى مقتل جميع العناصر الإرهابية وعددهم 14 فردًا، حيث أسرعت العناصر التي ترتدي الأحزمة الناسفة بتفجير أنفسهم بمحيط المعسكر".

هكذا التاريخ يخبرنا والواقع يؤكد لنا نوايا تلك الدول، وفى المقابل نجد مصر صامدة تحمى الأرض والعرض، والجيش هو الأيقونة التي تتحرك دائمًا على مدى التاريخ لحماية وطن من أطماع دول لا هوية لها، فمصر تدرك حجم المخاطر في المنطقة العربية، ويكفى ما حدث للعراق.. ولكنها تدرك بصورة كبيرة وخطيرة ما يحدث في سوريا وليبيا بل تعمل على حماية الأمن القومي للوطن وآخرها في سيناء "العملية الشاملة 2018"، للقضاء على الثعالب الصغيرة والكبيرة أيضًا، ولعل المشهد العام وتميز مصر بجيش قوي وشعب واعٍ يرد على كل الأفواه الضالة التي تتساءل: "ما فائدة تسليح الجيش ورفع قدراته ومهاراته بصورة دائمة؟".

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع