مسرحية «ضرب سوريا»
مقالات مختارة | بقلم : د. محمود خليل
١٩:
١٠
م +02:00 EET
الأحد ١٥ ابريل ٢٠١٨
من الواضح أن الضربة الصاروخية المحدودة والمركزة التى وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا إلى سوريا تمت باتفاق مسبق بين كل أطراف الصراع، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا. لقد كنا بصدد مسرحية مدتها ساعة، كان لها سيناريو مكتوب تم التوافق عليه بين أطراف الصراع، وقام بإخراجها مجموعة من المخرجين الرئيسيين وعدد من المخرجين المساعدين، أما الإنتاج فقد كان عربياً أصيلاً.
الضربة الثلاثية جاءت رمزية إلى حد كبير، وأغلب الظن أن روسيا كانت على علم كامل بها، ومررتها، فرغم التهديدات التى خرجت عن «الكرملين» تعِد بالتصدى للصواريخ المزمع إطلاقها على سوريا، وتتوعد بالتحرك ضد مصادر النيران، فإن القوات الروسية غضت الطرف مدة ساعة كاملة عن الضربة التى حملت أكثر من 100 صاروخ وُجهت إلى مواقع محددة فى سوريا. أمريكا وحلفاؤها أيضاً تحركوا على الأرض بصورة لا تتناسب مطلقاً مع الزفة الإعلامية التى سبقت الضربة، وكذلك مع القطع الحربية التى تحركت إلى سواحل سوريا، ما يعنى أنها كانت تعمل فى الإطار الرمزى، دون محاولة لتغيير الأوضاع على الأرض داخل سوريا. فما زال كل شىء على ما هو عليه هناك.
آثرت الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضاً عدم إغضاب إيران، رغم ما زعمته بأن أحد أهداف الضربة تطويق الوجود الإيرانى فى سوريا. إيران -بعد الضربة- لم تزل المسئولة عن إدارة دولاب الدولة السورية. ومن الواضح أيضاً أن «طهران» مررت الضربة ولم ترد عليها، وأغلب الظن أيضاً أنها كانت على علم بها، وبمحدوديتها، وبأنها لن تغير على أرض الواقع شيئاً، وبالتالى أدت دورها فى المسرحية بما يتناسب مع السيناريو المكتوب. أما العرب فليس ثمة ما يقال عنهم، فقد اكتفى أغنياؤهم بدفع ثمن الضربة، ونفذتها أمريكا على «أد فلوسهم». ومن لم يدفع لاذ بالصمت. النظام السورى أدى دوره أيضاً فزعم أنه أسقط أكثر من 70 صاروخاً من الـ100 صاروخ التى أطلقت على دمشق وما حولها، وهو ما أكده عسكريون روس، ولم يقدم أى من الأطراف الأدلة التى تثبت أو تنفى هذا الزعم.
الكل أدى دوره فى المسرحية الرمزية على أكمل وجه، بما فى ذلك بشار الأسد الذى أصبح وجوده هو الآخر رمزياً، لأنه عملياً لا يحكم ولا يدير مؤسسات دولته بعد أن سلمها تسليم أهالى للأجنبى، وهو الأمر الذى يثير الشفقة على المؤيدين له والمدافعين عن استمراره فى الحكم، ولست أدرى عن أى حكم يتحدثون!
عسكرياً، روسيا أصبحت تحتل سوريا ومعها قوات الحرس الثورى الإيرانى وحزب الله. أما مؤسسات الدولة السورية وشئون العاصمة دمشق فتدار بمعرفة إيران. الوضع فى سوريا سيظل على ما هو عليه. كل الأطراف المنخرطة وكذلك المتفرجة على ما يحدث فى هذا القطر -كما حدثتك بالأمس- ستواصل حالة استمتاعها السادى بامتصاص وهدر دماء شعبها المنكوب الذى رضى فى يوم من الأيام بمسرحية توريث الحكم لـ«بشار»!
نقلا عن الوطن