حمدي الاسيوطي بطل من زماننا
سليمان شفيق
الاثنين ٢ ابريل ٢٠١٨
سليمان شفيق
تلقيت علي فراش المرض بالمستشفي الايطالي نبأ انتقال رفيقي النبيل حمدي الاسيوطي ، الانسان النبيل الذي عرفتة منذ خمس وثلاثين عاما ، مناضل مصري أصيل في صفوف اليسار المصري بحزب التجمع ، وابن بلد حقيقي وعائلة تعد امتدادا لابناء الصعيد المنسي الذين حضروا الي حي امبابة والوراق دفاعا عن الوطن ابان الحملة الفرنسية ، واتذكر كيف اختار حمدي كلية الحقوق بحثا عن العدالة الانسانية علي غرار اساتذة اليسار في زمن الحضور التقدمي، واتباعا لتقاليد عظيمة توارثها حمدي من نبيل الهلالي وذكي مراد وعبدلله الزغبي وحكيم يني وحسين عبد ربة واخرين ، ورضع حمدي حليب الانسانية اليسارية ، ونما خادم العدالة للفقراء فكان المثقف المهني العضوي علي طريقة الفليسوف اليساري الايطالي "جرامشي" ، يعطي بمجانية ، ولا يسأل المظلوم عن اتجاهة ولا عن الاتعاب ، ورايت حمدي بأم عيني يدفع كل ما يملك من أجل السفر للدفاع عن من يختلف معهم سياسيا او يختلفون معة في الدين ، وحينما رقد الفارس التف حولة الفقراء والزاهدين والنبلاء وتناساه من دافع عنهم قبل ان يستظلوا بالسلطة اويتلحفوا بملايين التمويل او بعض من اصبحوا من بارونات الاعلام .
(مات المناضل المثال
يا ميت خسارة ع الرجال
ما رايكم دام عزكم .. يا انتيكات
يا غرقانين ف الماكولات والملبوسات
يا دفيانين ومولعين الدفايات
يا محفلطين يا ملمعين يا جمسينات
يا بتوع نضال اخر زمن ف العومات)
يرتعش قلبي حينما اقرأ من يتمسحون في جسدة الطاهر وروحة النقية ، وفوجئت ان صورة حمدي تصدرت صفحات كثيرة سقطت منذ زمن مثل اوراق الخريف ، وتذكرت محمود درويش وهو يكتب في مجلة "الجديد بحيفا 1970 مقالتة الشهيرة "انقذونا من هذا الحب القاسي" ؟!!
نعم كان حمدي صوت صارخ في البرية : أعدوا طريق الحرية ، الان سوف انقل لكم جزء من واحدة من أعظم مرافعات حمدي والتي تطوع فيها للدفاع عن الشاب الازهري عبد الكريم سليمان الذي اتهم بهانة الرئيس الاسبق مبارك وكيف كان بارونات الاعلام حينذاك وجنرالات الداخلية الذين وقفوا بعدها خلف القضبان بتهم مختلفة يمارسون كل التخويف لمن يدافع عن هذا الشاب ولكن حمدي الفارس تقدم دون اي خوف ، وكنت من استقبله بالمحكمة وبعد ان استمعت اليها مارست ضغوطي علية كي يسجلها ومنها :
(سيدي الرئيس :إذا كان المتهم وهو شاب في مقتبل العمر 22عاما طالب بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر اعتقد وآمن بأنه في بلد ديمقراطي حر يحترم حرية الرأي ويقدس الحرية ويحترم الأخر، صدق كريم ما اخذ رجالات الحكم في مصر وإعلامها المزيف بأننا في أزهى عصور الحرية
والديمقراطية
وأنا أتساءل عن أي حرية يتكلمون ؟
وكان قد امتلأت شوارع مصر بلافتات تعلن عن بدء الحملة الانتخابية لانتخاب رئيسا للجمهورية وما إن بدأت الحملة إلا وقرأ كريم وشاهد زفة الانتخابات
الحرة النزيهة تليفزيون وإذاعة وجرائد بيانات كلها تزف إلينا عرس الحرية وأي حرية ؟
خرج كريم عامر مصدقا وبحسن نية ما يطنطون به ليل نهار متفائلا بوطن أكثر حرية
خرج في يومه وفى طريقة إلى جامعته وشاهد في الطريق ما استنفره واستفزه لافتات بعرض الريح مزيلة بتوقيع جماعة أنصار السنة المحمدية تنادى بأن بايعوا الرئيس مبارك أميرا للمؤمنين وتؤكد على حرمانية اى معارضة للرئيس..الناس وهو أولهم في الخلافات المختلقة والمفتعلة بين التيارات الدينية وبين السلطة، فكتب خواطره وانطباعاته عن يوم رأى في عامر والملايين من أبناء مصر الوجه الحقيقي والقبيح للحكومة التي أدمنت التزوير والتزييف والتضييق
بالقهر وأمنها الذي هو في كل حارة وفى كل شق
وتحدث سيدي الرئيس عن هذا التحالف المشبوه ما بين رجال الدين والسلطة السياسية واعتبر أنها الصورة المثلي للاستبداد الذي يستند إلى فكرة التفويض الإلهي والذي يعد الدعاية الرئيسية لنظم الحكم الثيوقراطى على مر العصور وأكد على أن الملوك الفراعنة أاستغلوا صلتهم الوهمية بالإله لممارسة الاستبداد على محكوميهم فالحاكم هو المفوض من قبل الإله بالإشراف على شئون الخلق
سيدي الرئيس
هنا يقرر كريم عامر بفرضية انه إذا كان الأمر كذلك وسادت موضة النفاق السياسي والتمسح في الدين لتأييد الحاكم فأنني أنأى بنفسي عن السباحة ضد التيار وابتعد عن الوقوف في وجه القطار وادعوكم معي الى مبايعة حسنى مبارك --- أميرا للمؤمنين ورمزا للاستبداد
سيدي الرئيس حضرات السادة القضاء
هذه هي مقالة كريم عامر التي استندت إليها النيابة العامة الموقرة ومن قبلها كليته التي ينتسب إليها، ولو إنني افترضت أن كريم باعتباره شابا في مقتبل العمر ارتجل هذه العبارات وكان منفعلا مستفزا ثائرا وبروح الشباب مندفعا فجمح لسانه وذل بيانه فانحرف كلامه وانزلق، أليس لعدلكم الكريم أن تلتمسوا له
العذر لهذا الانفعال وهذا الجموح الذي أصاب قلمه
لكننا سيدي الرئيس حضرات السادة القضاة لو أمعنا النظر فيما كتبه كريم عامر وحللناه كي نستنبط معانية لانجد سوى حديثا لشاب توهم انه في بلد ديمقراطي يؤمن بحرية الرأي والتعبير
أن كريم عامر لم يقصد المساس بشخص الرئيس مبارك ، فانتقاد القائمين بالعمل العام بيانا لحقيقة الأمر في شأن الكيفية التي يصرفون بها عملهم هو في حقيقته حق مباح هو حق النقد
سيدي الرئييس
النقد امتداد للنبوة
ولولا النقاد كما يقول ببرم التونسي لولا النقاد لهلك الناس ولطغى الباطل على الحق
وبقدر ما يخفض صوت الناقد يرتفع صوت الدجال
وانتقاد جوانب الحكم السلبية وتعرية نواحي التقصير فيها وبيان أوجه مخالفة القانون في مجال ممارستها حق لكل مواطن
التمس من حضراتكم القضاء ببراءة المتهم عبد الكريم سليمان والذي يقف بين أيديكم اليوم متهما بجريمة إهانة الرئيس وفقا لما ورد بقيد ووصف النيابة العامة وهى الجريمة التي تصدت لها المادة 179 من قانون العقوبات)
انتهي هذا الجزء من مرافعة حمدي الاسيوطي .
لكن الذي لم ينتهي هو الدجالين ومدعي الثورية ، ولكن حمدي الاسيوطي الفارس الزاهد سيظل بطل من اعظم ابطال زماننا حينما كان النضال لا يرتبط بسعر الصرف او مولاة حكام المال او التدين او الحكام .