أولويات الدول هي بديهياتها2-2
د. مينا ملاك عازر
١٩:
٠٦
م +02:00 EET
الأحد ١ ابريل ٢٠١٨
بقلم : د. مينا ملاك عازر
توقفت في المقال السابق، عند سؤال طرحته عن مدى إمكانية أن نتصور أن تقوم مصر وتنهض من ثباتها، وأكثر من ثلثي مواطنيها لا يتمتعون بخدمة الصرف الصحي؟ وهنا أعيد وأؤكد بالأرقام قائلاً للتذكرة وللتوضيح للناكرين، نعم، عدد الذين يتمتعون بخدمات الصرف الصح في مصر31 مليون نسمة فقط منهم 19.5 مليون مواطن في القاهرة والإسكندرية وحدهما مع ملاحظة الحال الذى تصبح عليه الإسكندرية حين تداهمها النوات! السؤال يذهب إلى ألم آخر مفجع، حين نسأل الحكومة المختالة بمشروعات تلهث لافتتاحها، هل تحركت قيد أنملة لوقف مهزلة ومأساة أن هناك خمسة آلاف حوض حكومي لتجميع مياه الصرف الصحي لقرى جنوب الصعيد تصب مباشرة في النيل؟! حكومة الباشمهندس شريف إسماعيل متعه الله بالصحة، تترك مثلا 129 مصنعاً مقامة على نهر النيل مباشرة منها 102 مصنع تصب سمومها القاتلة مباشرة في نهر النيل! (أعتمد هنا على دراسة للدكتور نادر نور الدين أستاذ الري في كلية الزراعة جامعة القاهرة، والذي يشير فيها إلى أن مصرف الرهاوي الذي يحمل مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي لجميع محافظات الصعيد ومصانع السكر والألمونيوم والأسمنت وغيرها تصب مباشرة في فرع رشيد بأمر الحكومة، ومن دون أية معالجة أو معاملة لتحسين مواصفاته السيئة والقاتلة للغاية! وأن مصرف كُتشنر القاتل يحمل جميع مياه مصانع محافظة الغربية خصوصاً نسيج المحلة وغيرها ويتجه إلى محافظة المنوفية، فيحمل مخلفاتها الزراعية والصناعية وصرفها الصحي، ثم إلى محافظة كفر الشيخ التي يضطر أهلها إلى استخدام مياهه في الري لقصور مياه الري هناك بسبب وقوعها في آخر الزمام، ثم يتجه بعد ذلك المصرف القاتل إلى بحيرة البرلس ليقتل أسماكها والتي انتهى الصيد بها تقريباً والباقي منها أصبح شديد التلوث! هذا في الوقت الذي نحتفل بتشييد مزارع سمكية بمساحات هائلة من الفدادين ونحن ندمر الثروة السمكية المتواجدة بالفعل، أن 44% من تعداد سكان محافظة كفر الشيخ مصابون بالفشل الكلوي والتليُّف الكبدي وكل أنواع السرطانات!). إذن، عفواً يا سيادة الرئيس، اسمح لي أن أعود مستغلاً تسامحك وثقتي في ديمقراطيتك ودعوتك لأن نتكلم بحرية شديدة، ما دمنا لا نقوم بأعمال تخرب البلاد، وأظن فيما أقوله ليس تخريب للبلاد بل هو كشف لحكومة تسكت على تخريب البلاد وصحة العباد للأسف، أكرر اسمح لي سيادة الرئيس أن أطلب منك بأن تبدؤوا بأول الأشياء أولا فالأولويات مفقودة تماماً.
ما تحتاج إليه مصر حالياً مؤجل، ومرحل ومهمل وما لا تحتاج إليه مصر الآن، وقد تحتاج إليه بعد سنوات وقد لا تحتاج إليه أصلاً، متصدر ومتعجل في عمله ومتسيّد!
فمصر تحتاج إلى أن يفتح المواطن الحنفية ويشرب منها مطمئناً إلى أن هذا الماء نظيف صالح للشرب، لو ركزنا كل مجهوداتنا في هذا الإنجاز وحده لتغيَّرت مصر تماماً صحياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. نعم مجرد أن نطهر مياهنا ونيلنا مجرد أن نشرب مياهاً غير ملوثة وأطعمة غير ملوثة، مجرد ما نحترم النيل ونقدره ونطهره سوف نجد بلداً آخر أو بالأحرى ستعيدنا إلى بلد أجمل، وحينها سيشعر المواطن بحجم الإنجاز وجمال المشروعات، اعملوا هذه ولا تتركوا تلك ولكن رتبوا أولوياتكم ليتمتع المواطن بما هو يسعده ويحتاجه عاجلاً ونافع له.
المختصر المفيد الإدارة السليمة والناجحة هي التي تبدأ بأول الأشياء أولا.