أوبر وكريم .. آخر حلقات تقاعس الحكومة عن تقنين الأوضاع في الشارع المصري!!
يوسف سيدهم
الأحد ١ ابريل ٢٠١٨
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (677)
بقلم يوسف سيدهم
حكم محكمة القضاء الإداري بوقف نشاط شركتي أوبر وكريم العاملتين في مجال نقل الأفراد فجر ردود أفعال غاضبة في الإعلام والرأي العام… فوسط حرص الجميع -وخاصة في الإعلام- علي التأكيد علي عدم التعرض لحكم القضاء انصب الغضب علي الحكومة لترك الشركتين تعملان في الشارع المصري منذ عدة أعوام دون العمل علي تقنين أوضاعهما وتوفيق الخدمة التي يقدمانها مع القوانين المنظمة لخدمات نقل الأفراد, وهذه واحدة من العجائب المسكوت عنها في بلادنا أن تدخل السوق سلعة أو خدمة جديدة ويتم ترويجها بين المواطنين وتعلن عن نفسها بكافة وسائل الإعلان المكفولة ويتعرف عليها الناس ويقبلون عليها ويألفونها ويشيع استخدامها حتي تصبح أمرا واقعا في حياتهم, ثم يصحون فجأة علي تجريم تلك الخدمة والدعوة لإيقافها لمخالفتها القانون!!!
مررنا بهذا الواقع العجيب من قبل مع دخول التوك توك إلي الشارع المصري وانضمامه إلي وسائل النقل العام لاحقا بسيارت الميكروباص التي سبقته في غزو الشارع وفرضت نفسها عليه بكل اندفاعها وانفلاتها وعشوائيتها!!… ومثلما حدث مع الميكروباص سكتت السلطة التنفيذية طويلا ثم استيقظت فجأة لتمارس حقها في ضبط المعوج ملوحة بعدم مشروعية التوك توك… لكن أيضا مثل الميكروباص كان وقت المنع أو الإيقاف قد فات حيث بات التوك توك وسيلة مواصلات عامة يعتمد عليها الكثير من الناس ولا يمكنهم الاستغناء عنها خاصة أنها تتميز بقدرتها علي الحركة عبر الحواري والأزقة الضيقة التي تستعصي علي السيارات الملاكي أو الأجرة أو الميكروباص… وهنا اضطرت السلطة إلي قبول الأمر الواقع ومحاولة تقنينه نزولا علي حاجة الناس وتفاديا لإثارتهم وتغطية لتقاعسها عن التدخل في الوقت المناسب والخدمة في مهدها… حدث ذلك مع الميكروباص, ثم تكرر مع التوك توك ويجري ذات السيناريو في شوارعنا عيانا جهارا مع السيارات الصغيرة التي تشابه الميكروباص ويطلقون عليها علب السردين لأنها ذات هيكل أصغر وسعة ركاب أقل وتعمل في نقل الأفراد لكن بدون لوحات أجرة أو نقل إنما بلوحات ملاكي ويسهل التعرف عليها من نفس ملامح الفوضي والانفلات في القيادة علي الطريق!!!
العجيب أن أحدا لم يعترض علي علب السردين -أوهكذا نعتقد حتي نصحو علي حكم محكمة يجرم نشاطها!!- لكن اعترض سائقو سيارات الأجرة علي نشاط أوبر وكريم بسبب عدم تكافؤ الفرص وعدم خضوعها للرسوم والضرائب المفروضة علي سيارات الأجرة… وفي ذلك لهم الحق في الاحتجاج بالرغم من ضرورة الاعتراف بأن الخدمة التي تقدمها أوبر وكريم منضبطة ومتميزة ومتحضرة واجتذبت المستهلكين إليها في زمن قياسي لأنهم رأوا فيها الخلاص من صلف وغطرسة وسطوة سيارات الأجرة وما بلغت به خدماتها من تدن وترد وسلوكيات فوضوية في القيادة وفي اغتصاب الأجرة بشكل جائر من الراكب.
إذا من المسئول عن هذا التناقض الصارخ في سوق سيارات نقل الأفراد؟… تناقض يجعل الخدمة المقننة منفلتة وكريهة وطاردة بينما يوصم الخدمة الراقية المنضبطة بعدم المشروعية؟… إنه نفس التقاعس الحكومي المعهود… تقاعس عن الإسراع في تقنين أوضاع أوبر وكريم وتركهما تعملان في الشارع دون مظلة شرعية حتي يأتي القضاء ليفصل في دعوي مرفوعة ضد نشاطهما ويحكم بموجب الأدوات القانونية السائدة لديه فيفجر موجات احتجاج وغضب ويحدث ارتباك في السوق كنا في أمس الحاجة إلي تلافيه ونحن نجتهد بأقصي ما في وسعنا لنقنع العالم بأن بلادنا تمتلك من التشريعات الجاذبة للمستثمرين والضامنة لعملهم بكل استقرار وأمان!!
الحقيقة أن نشاط أوبر وكريم لم يتوقف أو يتعثر لأن الشركتين سارعتا فور صدور حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بالاستشكال لإيقاف تنفيذ الحكم لحين الفصل في الطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا, وخاصة أنهما تمارسان نشاطهما في ظل موافقة مجلس الوزراء… وما يؤكد ذلك أن مجلس الوزراء أعلن في وقت متزامن مع اندلاع هذه الأزمة أنه أحال مشروع قانون تنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات إلي مجلس النواب بعد انتهاء مجلس الدولة من مراجعته واستيفاء مجلس الوزراء للملاحظات التي أبداها مجلس الدولة عليه… وهنا تبرز عدة ملاحظات: أن هناك بالفعل مشروع قانون لتقنين خدمة أوبر وكريم وافق عليه مجلس الوزراء كما أعلن منذ 22 نوفمبر من العام الماضي… وأن ملاحظات مجلس الدولة عليه لم يتم استيفاؤها إلا الأسبوع الماضي حيث بعثت به الحكومة إلي مجلس النواب لإقراره… فهل هي مجرد مصادفة أن يتزامن ذلك مع صدور حكم القضاء؟… أم أن الإسراع بإرسال مشروع القانون لمجلس النواب جاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم إراقة ماء الوجه؟!!!
تبقي ملاحظة أخيرة لا يمكن إغفالها: إن النظر إلي خدمة أوبر وكريم علي أنها خدمة ترفية مقصورة علي تلبية احتياجات الأغنياء وعلية القوم هو نظر قاصر يدل علي ضيق الأفق… ويجب أن يدرك الجميع أن تلك الخدمة أتاحت مئات الآلاف من فرص العمل لشبابنا وفتحت أمامهم سبل الرزق وقدمتهم مع سياراتهم في أفضل صورة منضبطة وآمنة لتدعيم خدمة نقل الركاب, كما أتاحت للكثير منهم الاندراج في مشروعات تملك السيارات التي يعملون عليها بالتقسيط بحيث يتم سداد الأقساط من عائد العمل في نقل الركاب… إذا ليس من السهل القضاء علي كل ذلك فجأة ويتحتم الإسراع بتقنينه.