غدًا " أحد الشعانين "
مدحت بشاي
٤٦:
٠٩
م +02:00 EET
السبت ٣١ مارس ٢٠١٨
كتب : مدحت بشاي
عن " أحد الشعانين " قال المقريزى المؤرخ " أما فى أحد الشعانين ( السعف) كان القبط يخرجون من الكنائس حاملين الشموع والمجامر والصلبان خلف كهنتهم ويسير معهم المسلمون أيضاً ويطوفون الشوارع وهم يرتلون وكانوا يفعلون هذا أيضاً فى خميس العهد , وكان الفاطميون يضربون ( سك عمله ذهبية لتوزيعها) خمسمائة دينار على شكل خراريب ويوزعونها على الناس وكان يباع فى أسواق القاهرة من البيض المصبوغ ألوان ما يتجاوز حد الكثرة فيقامر به العبيد والصبيان والغوغاء , وكان القبط يتبادلون الهدايا من البيض الملون والعدس المصفى وانواع السمك المختلفة كما يقدمون منها لإخوانهم المسلمين .
أحد الشعانين هو مدخلنا إلى أسبوع الآلام. إنه اليوم الذي نقبل فيه سيدنا كمصلوب وندخله إلى حياتنا لنشاركه آلامه. إنه اليوم الذي نسير فيه مع الملك الآتي على درب القيامة التي رسمها هو لنمشي فيها معه، أي درب الصليب. يوم الشعانين عيد نعلن فيه عن قبولنا بمثل هذا الملك الذي لم يعدنا بالراحة لكن بالشهادة. نقبل هذا السيد الذي يمر بنا بالموت أولاً ومن ثمَّ يهبنا القيامة. عيد الشعانين دعوة نخرج على أثرها من مصاف الناس المتأرجحين إلى مصاف مريم. دعوة نتحول عند سماعها من تلاميذ يحبون أنفسهم إلى تلاميذ يحبون سيدهم فقط.
لما أراد السيد المسيح أن يعلن عن حقيقته وما يريده منا وهو أن يملك على قلوبنا طلب من تلاميذه أن يحضروا جحشا وأتان وقال لهم عن مكانهم وما سيقول الناس لهم . وعندما أحضروا الجحش فرشوه التلاميذ بقمصانهم وجلس السيد المسيح عليه ودخل أورشليم كملك ولكنه ملك متواضع حقا وقيل أنه عند دخوله أرتجت المدينة كلها وتجمع كل من أمن به فى صورة غريبة لفد فهموا ما يريده منهم فعبر كل واحد بصورة مختلفة فنر الجموع قد خلعت قمصانها وفرشت بها الأرض لكى يدوسها الرب ونرى مجموعة أخرى قطعت سعفا من النخيل وأستقبلته به ونرى الكل فى سيمفونية فريدة من نوعها تسبح الله قائلا : أوصنا فى الأعالى أوصنا لأبن داود . ولكل هذا رمزا فى داخل كل أنسان .
فالذين قدموا قمصانهم كأنهم يتنازلون عن برهم الذاتى الذين يتوشحون به يتنازلون عنه ويقذفونه إلى الأرض ليدوسه شمس البر ذاته كأنهم يقدمون نفوسهم عريانة أمام الله ليظهر لهم كل ما فعلوه من خطية . لقد خلعوا أنسانهم الخارجى وأظهروا ضعف الإنسان الداخلى لفد تخلصوا من المظاهر الخادعة الذين يقفون بها أما الناس لكى يروهم أبرارا . لقد تنازلوا للسيد المسيح عن هذا البر سواء كانوا فعلوه حقا أم أنهم يتوشحون بالبر الزائف كى يقولون له مهما فعلنا فنحن عبيد بطالون
هؤلاء هم الذين قدموا له قمصانهم . وماذا عن الذين قدموا له سعف النخيل ؟
عندما ننظر إلى سعف النخيل نجد أنه أعلى جميع المزروعات على وجه الأرض ولكى تثبت النخلة فلابد لها من جذر قوى يضرب أعماق الأرض ثابتا فيه مغروسا فى ثرى الأرض يأخذ منها ما يبقيه حيا . وعند تأملنا فى النخلة نجدها تشبه تماما الإنسان العالمى ذو الشهوات القوية لدرجة أنه أنغرس فى وحل الشهوات وعمق جذوره لكى لا ينزعه أحد ولا يقدر هو نفسه أن ينزع جذره منها . لقد نما فى الخطية شيئا فشيئا كالنبتة الصغيرة إلى أن أصبح عملاقا كالنخلة وأفرخ ثمارا للخطية كما تفرخ النخلة ورقا .
وأثناء دخول السيد المسيح أورشليم نرى الجموع تقدم له سعف النخيل كأنها تقدم له شهواتها بكل أنواعها المختلفة كأنها تقدم له تقريرا عن حالة الإنسان وروحه قبل عملية الفداء.وبنظرة أخرى إلى سعف النخيل نجد أنه يمثل الخطية المحبوبة التى تتملك على القلب يرفعها الإنسان إلى أعلى المراتب حتى نفسه وكأن الإنسان يقدم للسيد المسيح هذه الخطية المحبوبة التى فشل فى أنتزاعها من القلب ولكن كل محاولة كانت تتحول إلي فشل يرجع بعده الإنسان إلى أعماق الخطية –يقدمها له ليصلحها هو –نعم لقد عرف الإنسان أن يسوع المسيح هو الطبيب الحقيقى الذى يستطيع أن يعالج أى شئ فى النفس البشرية حتى هذه الخطية المحبوبة التى فشل فى أنتزاعها يقدمها ليقول له أنت القادر أن تنتزعها من قلبى وتضع مكانها حبا يفوق حب هذه الخطية ألا وهو حبك المقدس الذى إذا حل فى القلب حوله إلى أتون مستعر وقوده حبك أيها الإله القادر الطبيب الشافى لنفوسنا وأجسادنا وأرواحنا .