الأقباط متحدون - بيريسترويكا كنسية (4): كهنوت لاوى؟.. أم كهنوت للعهد الجديد؟
  • ٠٧:٠٨
  • السبت , ٣١ مارس ٢٠١٨
English version

بيريسترويكا كنسية (4): كهنوت لاوى؟.. أم كهنوت للعهد الجديد؟

ماهر عزيز بدروس

مساحة رأي

١٣: ٠٦ م +02:00 EET

السبت ٣١ مارس ٢٠١٨

ماهر عزيز بدروس
ماهر عزيز بدروس

 بقلم : ماهر عزيز بدروس 

استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ

على نحو ما أعلن المقال السابق ثورته على السيادة المفتعلة للإكليروس والمغتصبة عنوة من المجد السماوى، متخذاً حجته من قولة يسوع الخالدة "... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي".. يتضح جلياً أن السيادة ترتبط بالإكليروس، والإكليروس بالكهنوت، والكهنوت بالكنيسة، والكنيسة بالمسيح.. فَتُرَد السيادة رأساً إلى المسيح بإدعاء أنه - جَلَّ جلاله - أعطاها للإكليروس فقط على وجه التخصيص، وهو ما يظهر منافياً للعهد الجديد على النحو الذى أرساه يسوع. 

فيثار السؤال عندئذ قوياً وملحاً: ما هى السيادة التى منحها المسيح للإكليروس؟ أهى سيادة "السلطان" أم سيادة "الخدمة"؟ وذلك ما يقود إلى فحص الجذور فى مسألة الكهنوت..  

تلقيت تحفظين على مقالى السابق المعنون: "... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي"..  

أشار التحفظ الأول إلى أن "الفقرة الأولى من المقال قد تفهم على أنها هجوم مباشر على الإكليروس والكهنوت فى الكنيسة"، "وربما يتصور من يقرأ المقال أن هنالك شخصنة للقضية رغم الثقة بأن الموضوع لا جوانب شخصية فيه"، كما "تؤمن الكنيسة القبطية بأن هنالك "كهنوت خاص" و"كهنوت عام": الكهنوت الخاص للمرسومين كهنة والكهنوت العام للمؤمنين كافة.. غير أن باب النهضة يُغْلَق فى وجه أى مصلح لحظة هجومه على الكنيسة وأسرارها أو النيل منها، وسريعاً ما يتهم بالبروتستانتية"..  

وكان التحفظ الثانى معنياً بالإشارة إلى أن المقال جِدُّ خطير "لأن بصراحة موقفك من الإكليروس غير واضح"، "وقد يقودنا ذلك إلى الاستخدام الخاطئ لآية " وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً لله" (رؤ 1: 6).. 

بيد أن الظاهر للعيان أن الخوف من التفسير الخاطئ الذى شاع فى البروتستانتية لآية " وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً لله" دَفَعَ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لتتحصن فى الكهنوت اللاوى.. وهو أبعد ما يكون عن كهنوت العهد الجديد.  

ألعلنى أحتاج أن أؤكد أرثوذكسيتى ضد اتهامات متعجلة بخروجى على الكنيسة؟ 

حاشا..

فإننى أؤكد أن الكهنوت جزء لا يتجزأ من الكنيسة.. أقبله وأعترف به وبدوره المهم للخدمة ورسالة المسيح.  

بعض غير الأرثوذكسيين يرفضون الكهنوت من أصله، لكننى وقد رَسَمَ بولس الرسول والرسل أساقفة وقسوساً وشمامسة فى مسيرة كرازتهم بالمسيح لوضع الرسالة على أكتافهم وتسليمهم الخدمة التى أوصى بها يسوع لا يمكننى أن أعاند الحق الكتابى..  

والحق كذلك أننا نتطلع إلى أرثوذكسية مبرأة من الضعف والوهن.. وأول معاول الإصلاح يتعين أن يتجه لإصحاح الكهنوت الأرثوذكسى.. بدءاً من رَدِّهِ إلى المفهوم الكتابى السليم، وانتهاء إلى معايير شرف الرسالة والخدمة..  

على أن الفيصل فى هذه القضية لابد وأن يكون الفهم الصحيح لآيات الكتاب المقدس الذى بمقتضاه "تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2 بط 1: 21).

 ولذلك فأنا أؤكد .. بادئ ذى بدء.. اعترافى بالكهنوت.. لأن " لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ عَظِيمٌ قَدِ اجْتَازَ السَّمَاوَاتِ، يَسُوعُ ابْنُ اللهِ،فَلْنَتَمَسَّكْ بِالإِقْرَارِ"(عب 4 : 14)، أى نتمسك بأن نُقِرّ ونعترف بالإيمان به.. والسيد المسيح أيضاً " لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ.. أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (عب 5 : 5-6) (أى رتبة الخبز والخمر وليس الذبائح.. رتبة الأفخارستيا وليس رتبة الكفارة والدموية.. رتبة الوكيل فى ذاته والنائب بنفسه ولنفسه.. وليس رتبة الوكيل الحاجب اللـه عن البشر والنائب الذى يفصل الناس عن اللـه).  

و" إِنْ كَانَ عَلَى شِبْهِ مَلْكِي صَادَقَ يَقُومُ كَاهِنٌ آخَرُ، قَدْ صَارَ لَيْسَ بِحَسَبِ نَامُوسِ وَصِيَّةٍ جَسَدِيَّةٍ، بَلْ بِحَسَبِ قُوَّةِ حَيَاةٍ لاَ تَزُولُ " (عب 7 : 16) (هى الحياة بالفداء بدم المسيح مرة واحدة وإلى الأبد).. وبهذا الانتقال من كهنوت الدم والذبائح إلى كهنوت رتبة ملكى صادق تغير وكيل الدم ونائب الذبائح إلى الوكيل فى ذاته والنائب بذاته ولذاته " لأَنَّهُ إِنْ تَغَيَّرَ الْكَهَنُوتُ، فَبِالضَّرُورَةِ يَصِيرُ تَغَيُّرٌ لِلنَّامُوسِ (أى التشريع والطقس والممارسة) أَيْضاً" (عب 7 : 12).  

أؤكد إيمانى بالكهنوت وبحلول الروح القدس بوضع الأيادى.. وفى المعمودية.. وبمسحة الزيت فى الميرون.. لأن الكتاب المقدس يؤكد " حِينَئِذٍ وَضَعَا الأَيَادِيَ عَلَيْهِمْ فَقَبِلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ " (أع 8 : 17). 

أؤكد إيمانى بالكهنوت لأن الكتاب المقدس تحدث عن الهرم الإكليروسى بدءاً من الأسقف: " فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ. صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ. وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ" (اتى 3 : 2-3) وانتهاء بالشمامسة: " كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ.. وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ" (اتى 3 : 8).

لكنى أؤكد كذلك أن وضع اليد ومسحة الزيت هى كذلك - بحسب الكتاب المقدس - خدمة للرب يسوع والروح القدس " الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ "(2كو 3: 6).. خدمة يؤديها الخدام (الإكليروس) لكنها ممنوحة للجميع بعهد الفداء بدم المسيح كأعضاء جسد الرب وهو الرأس وحده.. ولذلك فإن خدمة الأفخارستيا مقدمة للجميع للثبات فى الرب يسوع والاتحاد به: " كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا (نخدمها) (أى الإكليروس) أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ (نخدمه) 

(أى الإكليروس) أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ (الإكليروس والشعب) خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (أكو 10 : 16 و17). ويأتى التأكيد صريحاً فى موضع آخر: " هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ " (رو 12 : 5)، " أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ "(اكو 3 : 16)، "لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (اكو 3 : 17).  

وإذ يقول: " هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ. ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا" (اكو 4 : 1-2).. فالوكلاء هنا بمعنى "خُدَّامِ سَرَائِرِ اللهِ" بوصفهم "خدام المسيح" وهى سرائر لأنها بفعل الروح القدس غير المنظور، فهم "خدام المسيح والروح القدس".. ويجب أن يكونوا أناساً أمناء أى خداماً أمناء.. فهاهنا ينعدم معنى "الوكيل" أو "النائب" القديم الذى ساد فى العهد الدموى للذبائح الكفارية ويحل محله معنى "الخديم" أو "الموظف للخدمة"... "فَمَنْ هُوَ بُولُسُ؟ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا، وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ"(اكو3: 5).. " فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ، وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللهِ، بِنَاءُ اللهِ "(اكو3: 9).. "الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ 

عَهْدٍ جَدِيدٍ"(2اكو3: 6).. فلا وسطاء البتة بين الله والناس ولا وكلاء بين الناس ويسوع.. وهذا ما يتأكد مراراً وتكراراً: " وَلَسْنَا نَجْعَلُ عَثْرَةً فِي شَيْءٍ لِئَلاَّ تُلاَمَ الْخِدْمَةُ . بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ" (2اكو3 و4)، " وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ"(2اكو3 : 17).. فلا عبودية بعد ولا وسطاء أو نواب أو حواجز.  

بدم يسوع على الصليب بدأ العهد الجديد بكهنوت ملكى صادق الذى يُعْفى من ذبائح كانت تُقَدَّم كل يوم بتقديم ذبيحة ذاته الأبدية بجسده ودمه.. التى صارت تقدم كل يوم أيضاً ولكن على درجة الخبز والخمر التى توحِّد الجميع بيسوع وتثبتهم فيه على نقيض كهنوت العهد القديم الذى فصل الجميع عن الله خلف حاجز الذبائح الدموية..  

فى العهد القديم كان الكاهن اللاوى هو الوسيط وهو النائب الذى يتلقى خطايا المذنبين على رأس الذبيحة ليقدم هو عنهم الدم للـه كل حين دون اكتفاء. 

فى العهد الجديد يسوع وحده هو الوسيط وهو الرأس للجسد الذى أعضاؤه المؤمنون جميعاً به الذين قدم عنهم دمه مرة واحدة وإلى الأبد إلى الاكتفاء.. 

لكن الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر ألفى عام أنها حفظت كل مقاليد الكهنوت اللاوى وكل تقاليده للعهد الجديد، وصورت الإكليروس وسيطاً حيث يمتنع الوسطاء.. ونواباً حيث لا نواب للمسيح.. فاختلط الأمر اختلاطاً شديداً خرجت منه كل المثالب التى تتربص بالكنيسة الآن وتستدعى الإصلاح بلجاجة.. ولن يكون للكنيسة القبطية الأرثوذكسية صلاح إلا من مدخل الإصلاح الكهنوتى.  

والفهم الصحيح لآيات الكتاب المقدس يتعين أن يبدأ من هنا..  

يورد الوحى الإلهى فى إنجيل الرسول متى ما قاله يسوع لتلاميذه: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ"(مت 18: 18). 

فهل حقاً منحهم هذا السلطان الحصرى؟  

وهل حقاً ورثه عنهم إكليروس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟  

هذه بؤرة الإدعاء بالسلطان الحصرى والوكالة أو الإنابة عن الله.. ولذا يتعين أن نفهمها على وجهها الكتابى الصحيح لنتيقن من حقيقة السلطان الممنوح للإكليروس وحدهم – على نحو ما وعت واستوعبت الكنيسة الأرثوذكسية على مر العصور - أم هو لا يمكن أن يكون هكذا سلطاناً حصرياً أبداً؟ وما هو المقصود به حقاً؟  

ولكى ندركها على نحوها الصحيح علينا أن نتتبع بؤرة الإدعاء بالسلطان الحصرى فى السياق الذى ذكر فيه أولاً..  

قال يسوع مخاطباً تلاميذه الذين تقدموا يسألونه "...فمَنْ هُوَ الأَعْظَمُ في مَلَكُوتِ السَّمَاوَات "(مت 18: 1): " اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ " (مت 18 : 3).. 

فهل قال ذلك حصرياً لهم ؟ أم وجهه من خلالهم "كجزء" إلى جميع المؤمنين به عبر الدهور "ككل"؟  

واستمر يسوع يخاطب "الجميع".. "جميع الأجيال" من خلال "تلاميذه" حتى بلغ قوله: " وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا "(مت 18 : 15).. (لاحِظ أنه لم يقل لهم: وإن أخطأ "إليكم أخوكم".. بل عمم القول للجميع وليس للرسل وحدهم فقال مخاطباً أياً من يؤمن به: " وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ ").. ثم أكمل: " إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ".. فكانت تلك هى الخطوة التالية للمصالحة.. ولكنه أكمل محترزاً: " وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ " (أى أنهم سيشاركون فى نصحه كى يدرك الحق) " فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ ".. وكانت تلك هى الخطوة التالية باعتبار الكنيسة هى جميع المؤمنين الشاهدين الحارسين للحق.. ثم تجاوز للخطوة التالية: " وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ ".. هنا خرج الكلام تماماً عن التلاميذ وبدا مؤكداً أنه متجه لكل من يؤمن بيسوع.. وبلغ يسوع الذروة فقال: " اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ ".. فلمن قال هذا؟ للتلاميذ أم للكنيسة؟ للتلاميذ أم للمؤمنين بيسوع؟  

وإذا كان لا يزال هنالك ثمة شك فى أن يسوع قال بالحِلّ والربط للكنيسة.. أى للمؤمنين باسمه.. 

فقد أكمل بعدها ما يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك هذا الفهم، إذ أردف يسوع: " وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضاً: 

إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ (أى "اثنان منكم" يا كنيسة الله.. يا مؤمنون بيسوع) عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ" (متى 18: 19 – 20).. وجَلِىّ بما لا يدع مجالاً للشك أن يسوع لم يكن يوجِّه 

كلامه هنا للتلاميذ (ولا لخلفائهم من بعدهم إن فكرنا كمخبولين بوجود خلفاء).. بل وجه كلامه لكل من يؤمن به.. و"اثنان أو ثلاثة" هنا.. هما أى اثنين وأى ثلاثة من المؤمنين.. فهو يمنح السلطان للإيمان به وليس لأفراد!! ... .

والحق إن الحديث عن الإكليروس يضعنا جملة واحدة أمام الكهنوت، فلا حديث عن الإكليروس بمعزل عن الكهنوت، مما يحتم فحص الجذور لإعادة البناء الكنسى على أساس قويم.  

لكن الحديث عن الكهنوت لا يُقَدَّر له أن يَصَحّ أو يَكْمُل سوى بفحص أوجه الافتراق والاختلاف بين الكهنوت اللاوى وكهنوت العهد الجديد.  

ذلك أن الحديث عن الكهنوت هو الأصل فى الإصلاح الكنسى..  

فإسقاطات غريبة من الكهنوت اللاوى والممارسات القديمة التى انتهت ألقت بثقلها العاتى على كهنوت العهد الجديد كما مارسته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية منذ تأسيسها. ...

يوجد الإكليروس فى معظمهم وأغلب الأحوال لطفاء محبوبون متواضعون مملوءون محبة وبذلاً فينمحى الشعور عندئذ بأى مظهر من مظاهر التسلط أو السلطان.. ولذا فمعظم الذين أشاروا إلى وداعة الإكليروس وجمال عشرتهم وخدمتهم ووجودهم استهولوا الحديث عن التسلط الكهنوتى، أو الوساطة الكهنوتية، أو نيابة الإكليروس عن يسوع، أو السلطان الحصرى لهم بالحِلّ والربط والقبض على المفاتيح السماوية.. غير أن الإمكانية تظل قائمة طالما بقيت الأصول ثابتة دون تمحيص، ودون فحص كتابى وروحى، يقف على جوهرها المكنون كما هو على حقيقته فى مقاصد اللـه.  

فى العهد القديم تعامل اللـه مع البشر من وراء الحجب واختار له من بين الناس وسطاء بينه وبين باقى الناس.. " لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكَ قَدِ اخْتَارَهُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِكَ لِكَيْ يَقِفَ وَيَخْدِمَ بِاسْمِ الرَّبِّ، هُوَ وَبَنُوهُ كُلَّ الأَيَّامِ " (تث 18 : 5). 

وفى العهد الجديد ظهر اللـه فى الجسد.. ووَفَّى استحقاقات الدم فى صلبه وموته.. وصرنا أعضاء جسده فى المسيح يسوع القائم من الأموات، وهو الرأس وبكر بين إخوة كثيرين.. فيمتنع الوسطاء. 

فى العهد القديم قام الكهنة بدور الوسيط الدينى وكانت لهم كرامة المندوب الإلهى.. 

وفى العهد الجديد يقوم الكهنة بدور الوظيفة الدينية ولهم كرامة الوظيفة الدينية.. ولم يعودوا بعد وسطاء ولا نواب ليسوع.. 

فكل تعبير خاطئ يقول بأن هؤلاء هم نواب المسيح هو تعبير يرفضه اللـه.. 

لأنه لا نواب ليسوع.. 

يضع الإكليروس قواعداً خاصة لممارسة روحية معينة.. ويتشددون فى تطبيقها فيحرم من الممارسة الروحية كل من يفوته التقيد بالقواعد.. فتصبح القواعد الصماء المقصود بها أصلاً حسن الترتيب والتنظيم هى الأولى بالاعتبار وهى جوهر الممارسة بينما تتوارى الحقيقة الروحية حتى تضيع.. تضيع مع اهتمام الإكليروس الأعظم بالقواعد الموضوعة، والخطوات وتسلسلها وضبطها، والإجراءات وأحكامها، والممارسات وسلامتها.. ولا غرو أن تموت الروح وتسقط تحت سنابك هذه الفريسية المُرَّة. 

بينما فى جوهر الممارسة الحرة ليسوع.. كَسَرَ قواعد السبت ليفعل خيراً.. معطياً المثل الأعلى لسيادة الروح على القواعد الصماء!! 

فى العهد القديم وُجِدَ البشر على انفصال عن اللـه.. 

وفى العهد الجديد البشر المؤمنون بيسوع على اتصال جوهرى به.. كاتصال الأعضاء فى الجسد الواحد بالرأس..

فى العهد القديم كان الكاهن مفوضاً.. 

وفى العهد الجديد صار الكاهن خادماً.. 

فمن الكاهن المفوض إلى الكاهن الخديم.. 

ومن الكهنوت الحصرى إلى الكهنوت المشاع.. 

ومن لاوى تحديداً وحده إلى أى بشر مؤمن على وجه الأرض.. 

ومن طقوس غليظة إلى طقس بسيط.. 

فانتقل الكهنوت من خصوصية "الوكالة" إلى خصوصية "الخدمة".

" لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ " (مر 10: 45).  

ولم يعد الكهنوت اللاوى الخاص جداً لوكالة الدم.. 

بل صار الكهنوت الجديد للخدمة أى الكهنوت الخديم.  

فإذا كان الكهنوت الآن خاصاً وعاماً.. 

فالخصوصية تلبست بالخدمة وليس بالوكالة أو الإنابة عن يسوع أو بالسلطان الحصرى.  

ارتبط كهنوت العهد الجديد إذن بخدمة الإيمان وخدمة المؤمنين.. 

والمؤمنون أيضاً خدامٌ بوصفهم أعضاء جسد المسيح الواحد.. 

فلم تعد الخدمة للسيادة بل الخدمة لربح النفوس. 

ويُحَرِّر ذلك الكنيسة فى التخلص من الفساد فى أى وقت وأى مقام، بدلاً من أن يُسَيِّجها فلا يدعها تتخلص من الفساد إلا بالكارثة..  

فلقد حدث فى التاريخ أن أراد القساوسة مَرَّةً التخلص من البابا فدسوا له السم.. 

وحدث فى التاريخ أن وشى أساقفة ببعضهم البعض وبالبابا نفسه!!

وحدث فى التاريخ أن سيطرت المكاسب الدنيا على كثيرين من الإكليروس ففعلوا بالكنيسة وبالشعب الأفاعيل..

لأن الفهم المغلوط قادهم إلى وضع لا يمكن تغييره إلا بالكارثة.  

لقد رَفَعَ دم يسوع المسفوك كفارة وحيدة أبدية كل المؤمنين إلى بنوة اللـه رغم أنهم مجرد جبلته وصنعة يديه.. ولكن بالتجسد والفداء صاروا إخوة للمسيح وأبناء للـه.. فهل بعد ذلك يضع بينهم وبينه حائلاً؟ هل يقيم بينهم وبينه وسيطاً؟ هل يُمَلِّك أحداً سلطاناً بِحَلِّهِم وربطهم دونه؟ هل يُسَلِّم مفاتيح الملكوت لأحد يصدهم عنه؟  

فلمن سَلَّم المفاتيح إذن؟.. للإيمان به.. 

ولمن مَنَحَ السلطان للحَلّ والربط إذن؟.. للإيمان به.. 

ليس لشخص أبداً.. 

وليس لأشخاص أبداً..

بل للإيمان به لكل من يؤمن..  

فليسقط هذا الاعتقاد الخاطئ من التفسير كله.. وليطرح بديلاً عنه الفهم الصحيح لأحكام يسوع بحسب الإنجيل وكلمة اللـه المعلنة فيه.. وليس بحسب التواء مفرط مغلوط لكلمات الكتاب!!!  

وإذ توضع الأيدى عليهم لهبتهم عطية الروح القدس يضعون هم أيضاً أيديهم لهبة غيرهم عطية الروح القدس.. فهذا التسلم والتسليم يتواصل من صميم الخدمة التى دُعُوا إليها وليس بمقتضى سلطة أو وساطة حصرية يُعْطُونها كما أُعْطِى لكهنة لاوى العهد القديم.  

وإذ يستدعون الحلول السرائرى للروح القدس بالميرون فقد اسْتُدْعِىَ لهم سابقاً كذلك حلوله السرائرى لهم بالميرون.. وهذا التسلم والتسليم أيضاً يتواصل بدعوة الخدمة وليس من صميم سلطة أو إنابة حصرية يُعْطُونها كما أُعْطِىَ لكهنة لاوى العهد القديم.  

وإذ يخدمون الأفخارستيا بالتحول السرائرى للجسد والدم الأقدسين.. فليس لفضل يُعْطُونَه أسمى من البشر.. بل لخدمة دعاهم اللـه إليها ليؤتمنوا على عربون الثبات فى يسوع والاتحاد به.  

فهى إذن خدمة من صميم هبة اللـه وليس من صميم الوكالة.. 

وهى إذن رسالة من جوهر الواجب للدعوة من اللـه وليس من جوهر الوساطة.. 

وهى إذن من صُلْب الأمانة للتكريس أمام اللـه وليس من صُلْب السلطان أو التسلط.  

فلتسقط إذن تعبيرات عديدة خاطئة سادت فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر النقل الشفاهى والأدائى والعقيدى جيلاً بعد جيل..  

فتعبير مثل "خليفة مارمرقس الرسول" يجب أن يزول.. لأن مارمرقس لم يصنع له خليفة بل عَهَدَ برسالة تُسَلَّم عبر الأجيال حتى بلغت الإكليروس الحاليين..  

والمسيحية ليست ديانة خلفاء وليس بها خلفاء مطلقاً.  

وتعبير مثل "ممثل المسيح على الأرض" يجب أن يتلاشى.. 

فلم يَمْنَح السيد المسيح لأحد أن يمثله أبداً أمام الناس.. 

ولكنه أعطى رسالة الخدمة داعياً المُسَلَّمة إليه الرسالة بالخادم "...تَكُونُ خَادِمًا صَالِحًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ"(1تى 4 : 6) و" مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا "(مت 20 : 26).. وطالب الرئيس بأن يتواضع إلى مرتبة العبد " وَمَنْ أَرَاَدَّ أَنْ يَكُوُنَ فِيِّكُمْ أَوَلاً فَلِّيَكُنْ لَكُمْ عَبْدَّاً " (مت 20 : 27).. وأوصى الأول بأن يتراجع بين الصفوف ليصير آخراً، هذا هو التفسير الوحيد المقبول.. التفسير الوحيد الذى يتفق مع عدل اللـه وشركته المقدسة للمؤمنين بفدائه فى العهد الجديد، وما عداه هو لَىّ لذراع الآيات على غير استوائها.. وإفساد للقصد منها على خلاف غايتها. 

 فلينته هذا الاعتقاد الخاطئ من الكنيسة إلى الأبد بعدما لازمها قرابة عشرين قرناً عبر الزمان.. لأنه قد تسبب فى شرور كثيرة.. وهو الجذع الذى تخرج منه كل الضعفات التى تسقط بها دائماً إلى الانكسار والهوان. ...

...

منذ تفتحت عيناى على الكتاب المقدس وأنا أقف أمام آيات الحَلّ والربط برفض مطلق لأن يُمْنَح لأفراد ويكون هذا ما قصده يسوع.. وأُقَلِّب الآيات أمامى على كل معنى وكل تفسير فأجدها تأبى أن تنطبق هكذا على عالم الناس..  

فلا يمكن أن يُقلِّد اللـه مفاتيح السموات بشراً حتى لو كانوا الرُسُل أنفسهم.. ولا يُعقل أبداً أن يعطى جَلاَلُهُ أى بشر مهما كانوا- رسلاً أم غير رسل - سلطاناً يَحُلُّون به فى الأرض ما تتقيد به السماء، ويربطون كذلك فى الأرض ما تربطه لهم السماء..  

وأنا أهتف لنفسى منذ وعيت حين أقترب من هذه الآيات: حاشا للـه أن يكون ظالماً فيعطى مفاتيح السموات لبشر دون بشر، ويجعل من بشر معينين أن يتحكموا فى بشر آخرين بدعوى الحَلّ والربط.. 

حاشا أن يفعل اللـه ذلك فيدمر إله العدل عدله!!  

وزاد وعيى بأن هذه الآيات لا يمكن أن تُفَسَّر هكذا أبداً كلما بدا المدَّعون بهذا السلطان بشراً غارقين فى الإثم والخطية.. وعبثاً حاول أحد أن يُدْخِل فى روعى أن رسالة الكهنوت مفصولة عن شخص الكاهن.. يخطئ كيفما يشاء لكن هذا الخطأ لا ينعكس على رسالته.. فاللـه – كما درجوا على القول – يقدس كهنوته مفصولاً عن شخص الكاهن.. وكنت أجد ذلك أمراً لا يمكن لعقل سليم أن يقبله.. فالخطأ الشخصى شامل.. ويؤذى الرسالة فى الصميم.. ويطفئ الروح القدس.. ويشله عن العمل من الجذور!!  

لكن المذهل فى الأمر.. كان دائماً هذا السؤال: كيف أمكن أن يكون ذلك هو فهم الإكليروس والكنيسة للآيات عينها على مدى ألفى سنة؟ 

 كيف أمكن أن يستمر هذا التفسير الملتوى للآيات إلى ألفين من الأعوام؟ 

وحين أمعنت النظر فى الآيات وجدتها منزهة عن هذا الفهم الغريب الذى روجه الإكليروس على طول العصور على مدى مئات السنين حتى البابا 118 ومن سيأتى بعده.. لأن يسوع كان يمنح الإيمان السليم فقط سلطاناً استثنائياً فى الملكوت.. لا الأشخاص.. وما قاله لبطرس أو للتلاميذ بهذا الشأن لم يقله لشخوصهم بل للإيمان الذى يحملونه فى الصدور والقلوب.  

فإذا ادعى داع بأن هذا مُوَرَّث من الرسل للإكليروس.. فليسقط هذا الإرث فوراً ويمتنع تماماً أن يكون إرثاً..  

وأذهلنى أن 118 بابا رأسوا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية دون أن يفسرها أحدهم التفسير الذى يقبله عدل اللـه، ويقبله العقل السليم..  

ولعل ذلك راجع فى المقام الأول لمظنة نسج الكهنوت "الملكى صادقى".. الكهنوت "الأفخارستى".. على منوال الكهنوت اللاوى الذى منح الكهنة سلطاناً حصرياً بمقتضى وكالتهم الاستثنائية لذبائح الدم.. بينما هذا الكهنوت قد انتهى تماماً بكل سلطاته الحصرية ووكالته الاستثنائية بمقتضى الدم المهرق للمسيح على الصليب.. الذى صار بقيامته بكراً بين إخوة كثيرين.. ورأساً لجسد أعضاؤه المؤمنون جميعاً..  

فلماذا إذن تجاهلوا كل تأكيدات العهد الجديد عن وسيط واحد بين اللـه والناس هو رئيس كهنتنا يسوع على درجة ملكى صادق.. فتجاهلوا عن حق المؤمنين فى جسده ودمه اللذين منهحهما هو ذاته فى أفخارستيا العهد الجديد.. فكان بذاته وساطة لا تُوَرَّث ولا تُمنَح لأحد لأنه الوسيط الأوحد لذاته أمام ذاته والمؤمنون جميعاً أعضاء جسده.  

لماذا إذن تجاهلوا كل هذه الوضعيات الفريدة للعهد الجديد؟  

ذلك لأن مقاليد الكهنوت اللاوى والحفاظ عليها عادت بهم إلى تصورهم امتلاكهم السلطان الحصرى والوكالة الاستثنائية عن البشر أمام اللـه، وهو ما قد انتهى تماماً ولم يعد له أى وجود.  

ونسأل: لماذا لم يعد له أى وجود؟  

فنجيب: لأنه لو وُجِدَ هكذا على النحو المزعوم لكان اللـه ظالماً ومفتقراً للعدل والحب.. ولكان قد أسقط استحقاقات الفداء واحتفظ بالحجاب الصفيق بينه وبين البشر.. 

وحاشا للـه أن يكون هكذا..

وحاشا للـه أن يفعل هكذا.. 

كان الكاهن فى العهد القديم وسيطاً للدم ونائباً لنقل الخطية والتخلص منها..  

فصار المسيح فى العهد الجديد هو الوسيط بذاته الذى قدم جسده ودمه لتلاميذه فى صورة الأفخارستيا ليثبتوا فيه ويثبت فيهم وهو الغافر بنفسه للخطية..  

وصار الكاهن فى العهد الجديد خديم الأفخارستيا وليس وسيطها.. والمُصَلِّى لأجل مغفرة الخطايا وليس النائب لغفرانها.  

كان وضع اليد فى العهد القديم لتسليم الوكالة.. 

بينما فى العهد الجديد لتسليم الرسالة.  

كان وضع اليد فى العهد القديم لتسليم السلطان.. 

بينما فى العهد الجديد لتسليم الخدمة.  

كان وضع اليد فى العهد القديم لتسليم مهمة الوسيط والنائب.. 

بينما فى العهد الجديد لتسليم مهمة الأب والراعى.  

فلم تعد هناك وكالة أو وساطة أو من ينوب عن يسوع فى العهد الجديد..  

وإلا فإن دم يسوع على الصليب لم يكن لكل البشر.. وحاشا!!  

الأمر واضح وضوحاً ساطعاً لأن الاستناد إلى الاسقاطات اللاويئية يمنحهم سلطات جمة وهو ما تصوروه لازماً لأدائهم دورهم عبر العصور.. 

لقد تصرف الأتقياء من رجال الكنيسة على طول وجودها بمقدرات اللاهوت "الملكى صادقى" دون اللاهوت اللاوى.. ومن هنا كانت تقواهم وبركة أعمالهم. 

والآن.. هل يمكن الاكتفاء بذلك حتى نأتى إلى الختام؟ 

هذا المقال يتحدث - مرتكزاً على الجذور - عن الكهنوت..  

وهو يتناول الكهنوت من منظور جديد لم يقترب منه أحد بالكنيسة على مدى ألفى سنة مضت.. منظور يستند إلى حق كتابى تم تجاهله من كل من تعرضوا للتفسير الكتابى بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية على مدى ألفى عام..  

لأن الكنيسة حاولت بشتى الطرق الحفاظ على مقاليد الكهنوت اللاوى الذى يغلظ السلطان فى يد الكهنة.. بينما الأمر مختلف تماماً فى العهد الجديد.

هل يصبح ما يطرحه هذا المقال مغامرة كبرى..  

ربما.. لكنها مغامرة من أجل الحق.. والحرية.. 

الحق الذى صار لنا بالفداء بيسوع.. 

والحرية التى أعطاناها بكلمة الحياة فى الكتاب المقدس.  

أعلم أن هذا انقلاب لما درجت عليه الكنيسة منذ ألفى سنة مضت حتى اليوم.. وأنا مذهول أنها ظلت كذلك على هذا الفهم المغرض قسراً وعسفاً لآيات الكتاب التى هى واضحة كالشمس فى اتجاه آخر غير الاتجاه الذى ساقوها إليه.  

ساقوها لاتجاه يكرس سلطاناً ليس لهم.. ويغتصب سطوة ليست معهم.. ويمنحهم علواً وارتفاعاً على سائر البشر لم يَرِدْ أبداً فى مقاصد اللـه للعهد الجديد.. فكان ذلك أعظم سطو على المعنى حدث ربما فى التاريخ الإنسانى كله. 

فإذا تراءى لأحد أن يفسر آيات الكتاب بما يعطى وساطة لفئة من البشر مهما كانوا بينهم وبين اللـه.. أو بما يمنحهم سلطاناً للحَلّ أو الربط أو المنع أو القرب أو الإقصاء أو فتح السبيل.. فهو ينسب للـه ظلماً.. وحاشا للـه أن يكون ظالماً.  

إن التفرقة بين الكهنوت اللاوى والكهنوت "الملكى صادقى" هو الفارق بين كهنوت الذبائح المتعددة والدم.. وبين كهنوت الذبيحة الواحدة الأبدية غير الدموية..  

تخصيص سبط لاوى للمهمة الدموية كان حصرياً بسلطان مفوض لهم من اللـه لأجل الوساطة المجعولة لهم كوكلاء الدم، لكن كهنوت العهد الجديد لا تخصيص فيه مطلقاً لفئة بعينها لأن السلطان المفوض لم يعد مفوضاً، والوساطة المجعولة لوكلاء الدم أنهاها يسوع بدمه على الصليب، وجَمَعَ الكل أعضاءً لجسده وهو الرأس.. فلا تفويض يمنح لأعضاء فى الجسد الواحد بسلطان على أعضاء أخرى فى ذات الجسد، ولا وكالة لأعضاء على أعضاء فى الكيان الواحد.  

كان الكهنة كلهم أبناء لفرد واحد اختير لهذه المهمة وحدها هو لاوى بحسب التقسيم الوظيفى والسلطوى للعهد القديم.. واكتسب هذا التقسيم الوظيفى سلطته من الدم.. وعلت سطوته بالذبائح.  

بينما كهنة العهد الجديد قد يخرجون من الصعيد، أو وجه بحرى، أو الحواضر الكبرى، أو بنجلاديش، أو زيمبابوى، أو توجو، أو بكين، أو شيلى، أو بيرو، أو جواتيمالا، أو أى مكان على وجه الأرض.. لأن السلطان الحصرى قد انتهى فى يسوع.. والوساطة الاحتكارية للإكليروس أزالها بوساطته الأبدية لكل من يؤمن.  

نعم.. هم خدام الكلمة.. 

خدام الروح.. 

خدام الأفخارستيا.. 

خدام كهنوت العهد الجديد.. 

خدام ملكى صادق ملك ساليم أى ملك السلام..  

فكما يكون الأطباء خدام الإنسانية المعذبة لرفع آلام الجسد..  

وكما يكون المهندسون خدام الحياة لتطويع قوانينها فى تطبيقات تيسر على جموع البشر طرائق عيشهم.. 

وكما يكون المُعلِّمُونْ خدام العقل البشرى والتربية العقلية والنفسية لصالح حياة الناس والمجتمع..  

وكما يكون كل صاحب مهنة خادماً للإنسانية فى احتياجاتها لفنون وعلوم وتطبيقات مهنته..  

هكذا الإكليروس.. خدام الكلمة والروح والأفخارستيا والناس..  

خدام اللـه لأجل المؤمنين به مسيحاً ظاهراً فى الجسد.. 

خدام السرائر المقدسة للثبات فى المسيح....

ذلك هو حجر الزاوية فى الإصلاح الكنسى المُرتَجَى لأن التفسير الذى جانب الصواب طويلاً لآيات الحَلّ والربط ومفاتيح السموات خَلَّفَ بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية تراجعاً كبيراً عن روح الإنجيل وجوهره.. وعَقَّبَ إنحداراً كارثياً فى روحانيتها وسمو وجودها كجسد واحد للمسيح الرب.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع