الأقباط متحدون - خرافة الحضارة الأوروبية (4)
  • ١٦:١٩
  • السبت , ٣١ مارس ٢٠١٨
English version

خرافة الحضارة الأوروبية (4)

مقالات مختارة | بقلم مجدي يوسف

٤٢: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ٣١ مارس ٢٠١٨

مجدي يوسف
مجدي يوسف

ليست صورة ما يُدعى «الحضارة الأوروبية» بهامشية بالنسبة لنا، نحن المصريين والعرب المحدثين، فهى تمثل بالنسبة لأغلبنا كل ما نُسقطه على ذلك الآخر الأوروبى من «تقدم» يقابل ما نعانيه من «تأخر» فى إشباع احتياجاتنا الأساسية. ومن ثَمَّ، فالمثل «الأعلى» لما نصبو إليه، أو لما يُدعى «المعايير العالمية» فى أجهزتنا «الإعلامية»، هو ذلك الآخر الأوروبى، وما يمثله من «تحضر». بينما لا يعى معظمنا أن ما خضناه، ولاسيما فى تاريخنا الحديث، من انقطاعات بسبب التدخلات الأوروبية، ومن ثَمَّ الأمريكية الشمالية فى حياتنا العامة، قد ولّد لدينا صوراً مشوهة عن الذات وعن الآخر.

ومع ذلك، فصورة الحضارة «الأوروبية» بالمفرد وليدة التطورات الحديثة نسبياً فى القارة الأوروبية. وإن كانت قد تأسست على نحو جلى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أنها كانت لها إرهاصات سابقة على ذلك فى التأريخ للفن التشكيلى لدى «هاينريخ فولفلين» (1864- 1945)، خاصة فى كتابه: المفاهيم الأساسية لتاريخ الفن «الأوروبى» (1915)، حيث سعى للتحقيب لتطور الفنون البصرية فى القارة الأوروبية من الرسم إلى التصوير مثلاً لدى مختلف فنانى تلك القارة فى القرنين السابع عشر والثامن عشر. كما صدر «هربرت ريد» (1893- 1968 فى كتابه الشهير: معنى الفن 1931) عن الفنون البصرية الإغريقية، باعتبارها فى نظره «مثلاً أعلى لقواعد الفن»، وإن اعترف بما للفنون غير الأوروبية من قيمة ما، وإن ظلت الإغريقية عنده هى الأساس «التقعيدى» للفن.

وفى فن المسرح، صارت نظرية «إتين دريوتون» (1889- 1961) عن المسرح المصرى القديم، فى كتابه الذى صدر فى عام 1942 تحت هذا العنوان، والتى ينفى فيها وجود «المسرح» فى مصر القديمة، نظراً لأنه يقتصر عنده على الطقوس الدينية فى معابد أجدادنا القدماء، وهو ما أشعل النقاش حول «الهوية المسرحية لمصر القديمة» بين كل من لويس عوض، بتنظيراته المركزية الأوروبية فى هذا المجال، ومحمد مندور، الذى اعتمد بدوره على النظريات الأوروبية فى تعريف المسرح، إلى أن أتى «هربرت والتر فيرمان»، المتخصص البريطانى فى المصريات القديمة، بكتابه «نصرة حورس»، الذى أحدث فى عام 1974 انقلاباً فى صورة المسرح المصرى القديم كما كان يروج لها «دريوتون»، والتى أثرت سلباً على محاولات التأصيل للمسرح المصرى عند كل من يوسف إدريس وعلى الراعى، إذ توقف الأخير عند «بابات ابن دانيال» فى القرن الثالث عشر، ولم يجرؤ أى منهما على أن يتطرق إلى المسرح المصرى القديم، فى محاولتهما للتأصيل للمسرح الحديث فى مصر. لكن الطريف أن «بابات ابن دانيال» لم تُنشر بالعربية، نظراً لما كانت تحويه من مشاهد «مخلة بالآداب العامة»، بينما قام بترجمتها إلى الإنجليزية واحتفى بها المؤرخ الأمريكى المعاصر «مارفن كارلسون» (من مواليد 1935)، أستاذ كرسى الدراسات المسرحية فى جامعة مدينة نيويورك، مؤسس موقع «خشبات المسرح العربى» بالإنجليزية فى الإنترنت:

www.arabstages.org

أثبت «فيرمان» قراءة مختلفة عن تلك التى لجأ إليها أسلافه من المختصين فى المصريات القديمة، وهى التى كانت تفصل بين النص والصورة، بينما اعتبر كليهما نصاً مكملاً للآخر، ومن ثَمَّ توصل إلى ترجمة مناقضة لقراءة «دريوتون» الفرنسى و«سيته» الألمانى للمسرح المصرى القديم، فقد تبين له أنه لم يكن يقتصر على الطقوس الدينية فى المعابد المصرية القديمة، وإنما كان يُعقد فى الهواء الطلق على ضفاف بحيرة معبد إدفو. وهو ما رتبت عليه فى كتابى: «التحليل الاجتماعى لاستيعاب مسرح برخت فى مصر» (بالألمانية، فى 1975)، تحرير الهوية المسرحية المصرية من تبعيتها لما يُدعى المسرح الأوروبى لدى منظرينا المحدثين، وعلى رأسهم لويس عوض، والذين لم يكفوا عن الدعوة إلى اقتفاء أثر المسرح «الأوروبى»، لأنه صدر عنده فى مجتمع «دينامى تجارى»، بينما لم تنتج فى رأيه حضارتنا «الاستاتيكية» الزراعية مسرحاً يقوم على الحوار بين المتناقضات!.

وقد ذهب بعض الأوروبيين إلى اتخاذ المسرح ظاهرة محض «أوروبية»، ومن بين هؤلاء «جيؤرجى فويدا»، الرئيس السابق للجمعية الدولية للأدب المقارن فى دراسته (بالألمانية): «هل يوجد مسرح أوروبى إلى جانب مختلف المسارح القومية للأقطار الأوروبية؟» (1992). إلا أن أكثر المؤلفات ترويجاً لفكرة «الأدب الأوروبى»، ومن ثَمَّ ما يُدعى «الحضارة الأوروبية»، كتاب: إرنست روبرت كورتيوس: «الأدب الأوروبى والعصور الوسطى اللاتينية»، الذى صدر بالألمانية فى 1948، والذى تُرجم إلى الإنجليزية، ليصدر عن دار نشر جامعة برنستون فى الولايات المتحدة، فى عام 1953، ثم من بعد فى سائر اللغات الأوروبية، حيث بلغ عدد الإشارات إليه فى الكتب الغربية حتى عام 1982 أربعمائة وستة وثلاثين مرة، مما يبين مدى أثره فى الفكر الغربى المعاصر. وهو ما سنتناوله بالعرض والنقد المنهجى فى حلقتنا القادمة.

* أستاذ مناهج البحث، وفلسفة المعرفة، رئيس «الرابطة الدولية لدراسات التداخل الحضارى»
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع