المعلم إبراهيم الجوهري
مدحت بشاي
١٩:
٠١
م +02:00 EET
السبت ٢٤ مارس ٢٠١٨
مدحت بشاي
لعله من الأمور الطيبة والمأمولة استثمار كل الفرص لعرض تماذج من رواد عظام أعطوا مصر الكثير ، وهنا أعرض ملخص لماتم نشره عن المعلم ابراهيم الجوهري و حكايته دونته دورية " نوابغ الأقباط في القرن 19 " عام 1910 ..
خُلق الرجل عالماً مؤكداً لتشاهد خيراته الكثيرة بالأدلة لا تزعزعه محاربات العدو ، من هو الرجل الذي يمر عليه جيل وجيلان وثلاثة وذكره الطيب يفوح عبيراً مع أنه لم يشتهر بالفتوحات أو الحروب ، بل لم يتميز إلا بحبه الخالص لفعل الخير وسيظل ذكره إلى الأبد باقياً مصداقاً لقول المرتل " ذكرى الصديق تدوم للأبد " .
عليك أن تمر في أغلب كنائس القطر شرقاً وغرباً ترى هناك آثاره الجليلة لاتزال قائمة منصوبة أمام العيون ناطقة بأفصح عبارة ومشيرة بأوضح بيان بفضله وحبه للكنيسة التي أحبها سيده من قبله واختارها عروساً له فاقتدى به وخدمها متبعاً وصاياه ونواهيه في حبه لأعدائه وبركته للاعنيه فضلاً عن أمته واخوته واحترامه لبلاده وميله لوطنه ومحبة الخير أكثر من كل شيء لجميع الطبقات والناس .
هذه الكنائس التي شيدها والديارات التي أصلحها من عبث المفسدين وكرور الأيام والسنين هذه محلات العبادة التي يصعد منها البخور الطيب صلاة مقبولة لدى خالق الدنيا .
رحمة على منشئها وهذه الأوقاف التي خصص ريعها للصرف عليها حتى تستمر نامية يصرف منها على اليتيم والفقير ، بل حول نظرك شطر بيت المقدس ترى دلائل همته ، وفي الأديرة إلى الآن تشاهد خيراته الجزيلة بالأدلة .
لا شك أنك تُجبر بالنطق بعد ذلك بالاعتراف بأنه عديم المثال في العصور المتأخرة على ما رؤي وروي عنه وما أصدق من الأرقام برهاناً في الأديرة الأربعة بالجبل الغربي فيها من الترمس المخزون لشدائد الأيام حينما تنقطع عن ساكنيها القوافل وحاجات الرهبان فكانوا يقتاتون منه وهو من زمنه إتقاء هجوم ونهب وسلب وعدم وجود ما يأكلون .. كما أنه منقوش على أحجبة أديرة أنبا بولا بالجبل الشرقي وأنبا أنطونيوس والبرموس وأنبا بيشوي أنه أصلحها الفقيد ، كما أنه قام بترميم وبناء وإصلاح وتجديد ما يحتاج إليه الأمر ، ولقد قال صاحب الكرمة بأن رسم الُجج التي أوقف أعيانها بلغت 80 ألف ريال وموقوف على كل دير ثمانين كيساً والكيس اصطلحوا على قيمته خمسة جنيهات فكم تكون كمية الأعيان الموقوفة ؟
ألا فاحكم برسلك وأبيك من مر من المتقدمين والمتأخرين قد يبلغ اهتمامه بأمر أمته وقلته هذا المبلغ الخارق للعادة ، يوجد في زماننا عدد ليس بالقليل ممن يُعد إيرادهم الشهري مئات فما فوق من الجنيهات فمن منهم يتبرع بإيراده سنة واحدة أو شهراً واحد للكنائس من تشييد وتعمير ، أو للمدارس أو للمستشفيات من تأسيس أو استعمال ضروريات إلا من ندر ولن ينتظر من غيرته الحقيقية البعيدة طلباً للمديح وإنكاراً مثال المترجم .
ألا ترى أن من يتولى نظارة وقف لا يتوسم فيه على الأكثر إلا الانتباه لصالحه وأن صرف في شؤون الوقف الضرورية فلا يخلو الأمر من شيئين لا ثالث لهما ، فإذا اتقى الله في نفسه وولده وصرف ما يحتاجه من عمارة وضروريات قد يطالب بما صرفه وليس منهم من يتجاوز عنه إلا النادر وقليل من يقوم بهذه الخدمة خالصة لوجهه تعالى ويسترد ما خرج من جيبه بلا زيادة على أن هناك من لا يراعي الله ولكنه لا يدري أنه يأكل ناراً وسعيراً حيث البكاء وصرير الأسنان وحيث لا ينفع مال ولا بنون .
ولا نبعد كثيراً فهذه الكنيسة الكبرى الكاتدرائية منسوب إليه تأسيسها وإلى أخيه المعلم جرجس بناها لأن الأقباط كانوا في الأزمنة الأخيرة أيام الاضطهادات المتوالية لا يمكنهم إقامة المعابد وتشييد الكنائس أو إصلاح شيء فيها إلا بإذن من الحكومة بعد شق الأنفس فاتفق أن إحدى السيدات المحترمات السلطانية قدمت من الدولة العلية إلى مصر لقضاء مناسك الحج لأنها طريقه ولما كان صاحب الترجمة ذا الكلمة النافذة والقول المسموع والمقام الرفيع والشهرة الأولى بين موظفي الحكومة باشر بنفسه أداء الخدمات لهذه الأميرة وأدى لها جميع الواجبات في ذهابها وبعد رجوعها وحظي بأن قبلت منه هدايا فاخرة قدمها إليها فازدادت مكافئته بما يليق بمقامها الرفيع مع تحققها أمانته وشهرة صداقته في خدمة الحكومة وظهور اسمه في دار السلطنة ، ولما سألته رغباته التمس منها السعي لإصدار فرمان سلطاني بالرخصة في إنشاء كنيسة بالأزبكية حيث مقر سكنه .
والتمس منها أشياء أخرى كرفع الجزية عن الرهبان وغير ذلك فقُبل رجاؤه وسعت حتى صدرت الإرادة السلطانية مع المحظوظية من خدماته وحاز الالتفات الشاهاني ، ولكن قبل الشروع في البناء عاجلته المنون