كده هتمشى يا شريف..
مقالات مختارة | حمدي رزق
السبت ١٧ مارس ٢٠١٨
رنة هاتف الكابتن محمد عمر، والد الشهيد مقدم «شريف»، مضبوطة على أغنية شيرين عبدالوهاب «كده هتمشى» ينادى ولده، يناجى طيفه، يتفطر قلبه مع كل رنة، يتشوق إلى صوته إلى لقاء حبه الكبير، يسأله «كده هتمشى يا شريف» وينساب صوت شيرين الحزين أنات يقطع القلوب:
«كده.. كده يا قلبى يا حتة منى يا كل حاجة حلوة فيا.. كده.. كده هتمشى وتسبنى وحدى فى الحياة والدنيا ديا.. كده.. كده يا قلبى يا حتة منى يا كل حاجة حلوة فيا.. كده.. كده هتمشى وتسبنى وحدى فى الحياة والدنيا ديا.. يعنى إيه.. يعنى خلاص أنا مش هشوفك تانى.. مش هلمسك مش هحكى ليك عن حاجة تعبانى.. يعنى إيه.. يعنى خلاص أنا مش هشوفك تانى.. مش هلمسك مش هحكى ليك عن حاجة تعبانى.. كنت روحى لما كان جوايا روح.. عمرى ما اتخيلت انك يوم تروح.. مش فاضلى منى غير حبة جروح.. مع السلامة يا حبيبى وفى أمان.. عمرى ما هقول يوم عليك ماضى وكان.. عمرى ما أنسى مهما طال بيا الزمان».
لقد فاضت دموع العين منى، والمقدم هلال يحتضن أم الشهيد شريف عمر ويقبل رأسها ويديها، والقاعة تصفق وقوفا، والقلوب تنزف دمعاً، ورغم الألم والحزن الذى يعتصر القلوب، كانا، المقدم هلال وأم الشهيد، السيدة إيمان، محلقين فى السحاب، التقيا فى جنازة الشهيد مجددا، فى يوم الشهيد يلتقى الأحبة، يا قلب أمك.
لتعرف وجع أم الشهيد تملى فى وجه السيدة «إيمان» والدة الشهيد الشريف شريف محمد عمر، ولتعرف معنى فقد الأحباب تلفحك زفرات المقدم هلال الحارة، قائد مجموعة شريف القتالية، ولتعرف معنى الشهادة ليتك كنت حاضرا يوم الشهيد فى رحاب القوات المسلحة المصرية نبع الوفاء.
توقفا هنا وبعيدا عن الألم والحزن والدموع، ليس لأن الشهيد شريف ابن السكندرى الخلوق الكابتن محمد عمر، ولكنه ابن مصر كلها، ويوم هتفت الجماهير لأبوالشهيد تزلزل المدرجات، أبوالشهيد آهه.. أبوالشهيد آهه، ووقفت احتراما وتبجيلا، تقف عرفانا لوالدته فى قاعة «المنارة» تبكيه وتواسى أمه، مصر كلها كانت بالأمس تضمه إلى قلبها المحزون على خير الشباب.
رواية المقدم أركان حرب محمود عبده هلال عن استشهاد المقدم شريف لعبرة لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ، يردّ فى شهادته على المتخرصين المتقولين على خير أجناد الأرض «مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا» (الكهف: 5).
المقدم شهيد شريف عمر ابن نجم (محمد عمر) وخاله نجم (شوقى غريب) وكان يخدم فى سيناء والنجوم تتلألأ على أكتافه، لا التجأ إلى واسطة تجنبه حربا، ولا تؤخره عن الواجب، ولم يطلب لنفسه ولأهله إلا الشهادة، طلبها راضيا مرضيا، جند مصر يتسابقون إلى الشهادة، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون.
المقدم شريف ليس استثناءً بل تأكيداً على أن جيش مصر لا يفرق بين أبنائه فى الخدمة الوطنية، مصر ولّادة، تربى أسوداً على الفداء، وهم فى رباط إلى يوم الدين، لا فارق بينهم، صف واحد، القادة يتقدمون الصف، يسابقون جنودهم نحو الشهادة، ويا لها من شهادة مخضبة بدماء برائحة الجنة، دم شريف وإخوته فى الجبهة مسك يعطر الوجود.
دم الشهداء أصدق أنباء من الكتب، دم الشهيد عنوان للصادقين، صفحات الفيس العقورة عنوان الكاذبين، اخجلوا.. ألا تخجلون؟ لو فى وجوهكم حياء، ما عندهم حياء، اللى اختشوا ماتوا من الخجل، وهؤلاء لا حياء ولا يخجلون، قبر يلمكم، قبركم قبر جبناء ليسوا شهداء، هذه الروح التواقة إلى الشهادة لا تسكن إلا نفوس خير أجناد الأرض.. مع السلامة يا شريف والقلب داعيلك.
نقلا عن المصري اليوم