الأقباط متحدون - محمد عبدالوهاب
  • ١١:٥٧
  • السبت , ١٧ مارس ٢٠١٨
English version

محمد عبدالوهاب

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٢٨: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ١٧ مارس ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

لا أظن أن شباب هذا الجيل يسترعى انتباههم عنوان هذا المقال، فالشباب يفتش عن اهتماماته ومحمد عبدالوهاب موسيقار، الأجيال ليس من اهتمام حفيدى مثلاً، لكنه يعرف محمد صلاح جيداً، ومن العيب أن تمر ذكرى ميلاد محمد عبدالوهاب دون الإشارة إليها. ولعل جيلى هو المعنى بذكرى عبدالوهاب الذى أسعدهم موسيقياً وغناء وتحليناً. لقد كان محمد عبدالوهاب فى جيلى هو «الأستاذ» كبير أهل الفن، وكانت أم كلثوم هى «الست» بكل ما تحمل الكلمة من الهيبة والمقام، وكان تعاون محمد عبدالوهاب مع أم كلثوم يطلقون عليه «لقاء السحاب»، وليس غريباً أن يجهل حفيدى وجيله محمد عبدالوهاب، بعد أن خلت الساحة من الكبار باستثناء وجود عادل أمام وفاتن حمامة وماجدة ومديحة يسرى ومحمد صلاح، الذى بزغ نجمه وصار اهتمام حفيدى وجيله..!

وكان محمد عبدالوهاب صاحب عقل راجح، تربى على يد أحمد شوقى ونفر من السياسيين جذبهم صوته وصيته، ثم صادق الدكتور مصطفى محمود، وكان بينهما حوارات طويلة عبر التليفون الأرضى ساعات طويلة فى نقاش وجدل حول الله والوجود والحياة والموت. التقى الفنان والأديب فى فضيلة السؤال والتساؤل والشك واليقين، وكان يصف لى عبدالوهاب عقل مصطفى محمود «الموسوعى». وذات مرة قلت للموسيقار: تؤثر مصطفى محمود بأسئلتك ولا تؤثر د. حسين فوزى، سندباد المعرفة؟ ورد عبدالوهاب: أنا أسأل أديباً وصاحب تجربة عائداً لتوه من رحلة الشك إلى اليقين! فاقترحت مرة تسجيل حوارات «عوبد ودرش»، كما كان كل منهما ينادى الآخر، وراقت الفكرة للسيدة نهلة القدسى، لكنه رفض وقال «النقاش بينى وبين درش بلا ضفاف والأذن الثالثة هى الجحيم».

■ ■ ■

نهلة القدسى زوجة الموسيقار عبدالوهاب هى الزوجة الثالثة فى حياته التى «استراح» لها، لأنها كانت تفهمه، لقد قابلتها قبل رحيلها بشهور قليلة، وكنا فى العاصمة الأردنية عمان، حيث دبر ابنها السفير عمر الرفاعى اللقاء الذى كان فى بيته فى حى هادىء. من أهم ما قالت لى نهلة هانم كما أناديها: «لما يدندن وحده، أفهم أن لحظة الولادة قادمة.. فأنصرف» و«كنت أم عبدالوهاب وحبيبته وزوجته» و«شقة الزمالك كانت بالإيجار» و«تربطه علاقة متحضره بأبو عمر الشاعر الرفاعى». و«أم كلثوم وعبدالوهاب كانوا بيغيروا من بعض»، كانت نهلة القدسى فى حياة محمد عبدالوهاب «الواحة والراحة»، أتذكر أن نهلة والموسيقار احتفلا بالشاعر نزار قبانى وزوجته بلقيس الراوى على طريقتيهما الهادئة والمحدودة. فقد كان المدعوون جلال معوض وزوجته ليلى فوزى، والكاتب يوسف إدريس وزوجته رجاء إدريس ومفيد فوزى وزوجته آمال العمدة. كان العشاء بسيطاً وكان النقاش طويلاً ومتشعباً، لاحظت صمت الموسيقار وكأنه يحتفظ بما يسمعه ويفهمه، لاحظت أنه يخاطب السيدات بعبارة «يا فندم»، وحين اختلى عبدالوهاب بنزار ويوسف إدريس كان الحوار حول الوحى والإلهام والخاطرة، كان نزار يقول لنا إن القصيدة هى التى تكتبه، ويوسف إدريس قال لنا إن الفكرة تزوره فى زحام الناس، وقال لنا الموسيقار إن الخاطرة تدق على بابه بلا موعد! هكذا كان مناخ الأمس الفنى والأدبى ثراء الحوار والمعرفة، وكان عبدالوهاب يتزود بأخبار البلد وتياراته من الأستاذ موسى صبرى، وعندما يتحدث عبدالوهاب فى السياسة تجده خبيراً، فهو يضيف نكهته الخاصة على ما التقطه من الآخرين، ومن الممكن القول إن عبدالوهاب «مكتبة سمعية» أرففها داخل عقله وفى نبرة صوته المميزة ثقة ومصداقية. كان كبير الفن عبدالوهاب يذهب إليه جمهوره، بينما كان عبدالحليم يذهب إلى جمهوره. وكان عبدالوهاب يصف لى عبدالحليم حافظ بأنه «ذكى إلى حد الخبث ومجادل إلى حد المراوغة»! فى زمن عبدالوهاب اعترف نجيب محفوظ عبر حوار معه عن أم كلثوم عصر من الفن أن «أحمد عدوية هو مغنى الحارة» وأحدث الرأى صدمة، قال عنها صلاح طاهر «إن محفوظ يجامل عدوية باعتبار مسرح رواياته الداعم الحارة الشعبية»!

■ ■ ■

أحببت أغانى عبدالوهاب القديم واستفدت من تكنولوحيا العصر بتسجيل «فلاشا» تحمل 100أغنية لعبدالوهاب من أول كيلوباترة وخايف أقول ويا مسافر وحدك إلى من غير ليه؟ وفى الليالى القمرية يحلو لى صوت عبدالوهاب وكأنى أشم شذى عطور فواحة الرائحة أن محمد عبدالوهاب فى كتاب الموسيقى يمثل «المقدمة والفصول العشرة والهوامش والأداء يسبقه سيد درويش بكل عبق الماضى، واعترف أنى انبسطت من ألحان عبدالوهاب لأم كلثوم من بداية أنت عمرى، لكنى «تسلطنت» مع أم كلثوم والسنباطى والقصبحى وزكريا فى أعمالهم الفنية التى كتب لها الخلود.

إن محمد عبدالوهاب كان قليل الظهور فى المجتمعات وغير متاح، وكانت هذه فلسفة لديه «ما تبقاش مرطرط» وهو إذا تكلم اختار محاوره! عبدالوهاب لم يلبس فى حياته الجينز، وكان دائم الظهور بالبدلة وربطة العنق منتقاه، وكانت له غرفة صغيرة يدخلها ليكتب نوتة وليس فيها سوى ريكوردر قديم يسجل المذهب بصوته عليه، ولا تليفون داخل غرفة الشغل..!

محمد عبدالوهاب يسمع جيداً ويمضغ طعامه جيداً وعلى مهل ويحب بروفات من قبل الغناء ويحب مونتاج أغانيه بنفسه قبل الإذاعة ولا يذهب لحفلات أم كلثوم ليلة غناء ألحانه. وحتى آخر أيامه كان يقول عن العربية «الأوتومبيل».

■ ■ ■

«الموسيقار وأنا»، حوارى التليفزيونى مع الموسيقار الذى سمح لى فيه بتسجيل مقطع من بروفة «من غير ليه» وكانت أول مرة يسمح فيها بدخول كاميرات إلى استديو بروفات ما قبل التسجيل! من يتأمل عطاء محمد عبدالوهاب العاطفى والوطنى يشعر بضحالة هذا الزمان. من يتأمل الكوكبة التى لازمت زمن محمد عبدالوهاب من أدباء وفلاسفة ومفكرين يتحسر على فقد الفكر.. الآن.. ويا وابور قول لى رايح على فين وبعد عبدالوهاب هتاخدنا لفين؟!
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع