الأقباط متحدون - بئر يعقوب العجيب!
  • ٠٨:٠٤
  • الأحد , ١١ مارس ٢٠١٨
English version

بئر يعقوب العجيب!

أندرو اشعياء

مساحة رأي

٤٧: ٠١ م +02:00 EET

الأحد ١١ مارس ٢٠١٨

صور_أرشيفية
صور_أرشيفية

 بقلم: أندرو أشعياء

 
أتعجب كثيرًا جدًا كلما قرأت في قصة ديرنا العامر عن هذا البئر الذي شق الصخور وأفرخت ينابيعه كمراحم الرب، ووهب الله لنا منه ماءًا عابرًا إلينا من حيث لا نعرف! مِن هذا البئر العميق إستقى أباؤنا من ميائه مُسبحين مُرتلين بعظمة الله وسمو عطفه على بني البشر! 
 
سماه الأباء بئر يعقوب! ربما لأنهم شعروا بإنسحاق أن الله أشعل فيهم ومضة الحب الإلهي فإجتذبهم الي هنا وأعطاهم - ولازال - ماءًا حيًا صانعًا بهم عملًا جليلًا في كرمه! .. إعتبروا أنفسهم مرذولين ومرفوضين ومنبوذين بسبب خطاياهم؛ فراحوا يجتروا آلامهم بجوار البئر قارعين على صدورهم عل الله يقبلهم ويتراءف فيضمهم مثلما قبل المراة السامرية وتعامل معها وهو يهودي! فخرجت صلواتهم عميقه نقيه تمامًا مثلها مثل البئر في عمقه ونقاء ميائه! 
 
أتذكر أن أب الدير - وهو شيخًا مُجربًا - لا يفوته غروب شمس الظهيرة إلا وأجده جالسًا بجوار البئر! وكثيرًا ما كنا نجده بصومعته!  ولا حتى بمكان عمله؛ فندرك تمامًا أنه بجوار البئر! لسنا نعرف حتى الآن ما هو سره وسر البئر في حياته!! ..
 
كتب مرة في ورقةٍ كنا قد عثرنا عليها بجوار البئر، وربما كان قد كتبها ونسيها! شارحًا فيها عن مدينة السامرة التي أحتلها الآشوريين؛ فقام الملك أشور بنيبال بنقل أُناس من السامرة كسبايا، وجاء بأناس أخرون من الآشوريين والبابليين وأسكنهم السامرة؛ فحصل تزاوج بين اليهود وهؤلاء الإغراب الجدد فنتج عن ذلك جنس خليط وليس يهود أصليين. أما أهالي أورشليم ظلوا أمناء لتقاليدهم ولم يختلطوا بهؤلاء الأغراب لذلك قامت عداوة بينهم وبين أهل السامرة حيث قطع أهل أورشليم صلتهم بأهل السامرة. لذلك بنى أهل أورشليم الهيكل في أورشليم أما أهل السامرة فقاموا ببناء هيكل على جبل جرزيم وسط السامرة. فأي مسافر يريد أن يعبر السامرة ليذهب الى أورشليم للعبادة في الهيكل يمنعه أهل السامرة طالبين أن تكون العبادة على جبل جرزيم، وأهل أورشليم لا يعترفون بالعبادة على ذلك الجبل في السامرة .. 
 
أتذكر أن يومًا كانت درجة الحرارة تكاد تبلغ أعلى قسوتها ( أكثر من 56 درجة) حتى إمتنعت الرحلات، وأغلقت منافذ البيع بالدير، وإمتنع الأباء والعمال عن التجوال والتحرك في طرقات الدير، ومكث كلٍ في مكانه إلا هو الذي ظل أيضًا بجوار البئر! ..
 
عثرنا على ورقة بعدها ايضًا مدّون فيها تاريخ ذلك اليوم كاتبًا وواصفًا حرارة هذا اليوم وكيف إنتصف نهاره متذكرًا ذلك اليوم الذي قابل فيه المسيح المراة السامرية .. وبعد فترة ليست بقليلة تمكن أحد أباء الدير من تفسير ما هو مكتوب بالورقة نظرًا لبهتان الحبر! وكان مدونًا فيها: "اليوم شبيه بيوم السامرية! .. في يوم شبيه بهذا نشرت الشمس أشعتها بقسوة وكأنها أرادت أن تحمل البشرية ثقل حرٍ علاوة علي أتعابها العاديه. فرجل القي بفاسه مفكرًا في عرقه المتصبب وشقائه المتذايد، ورجل إختلس ساعه من نهاره ليستريح من أتعاب تجارته ويفكر في أكله وشربه وفي مكسبه وخسارته. وصانع في دكانه يطفئ النار ليرتاح لحظة ولكنه لا يستطيع أن يطفئ شعلة الإضطراب المتقده داخل قلبه. وإمراة تلقي بتدبير منزلها جانبًا لتقلب بين أحلام اليقظه أو مرارة الحقيقه. كلٍ يفكر بعد كد، ويحلم بعد تعب، ويترجي بعد جهاد ... إلا قرويه نظرت الي جمالها فإعتبرته وسيلة لصيد الرجال؛ فخرجت من دارها وكأنها شيطان الظهيره خرج يتهادي ويختال! ..او ربما خرجت في توقيت مثل هذا والخجل يكسوها!..  هكذا ربي أنا خرجت اليك مثلها تماما تائهًا حتى أجد راحتي فيك .. هي خرجت تحمل وعاء فارغاً ووعاء داخلها مثقل بجيوش من الذكريات المؤلمه وأنا أيضًا مثلها تمامًا خرجت أحمل اليك ماضي اثيم وحياة غير مرضيه. هي قابلت عن يمينها جبل السامره الذي تناطح قمته سحب السماء فغضت البصر في خجل وحياء، وشعرت بالحقارة إزاء عظمة هذا الجبل الذي سجد علي سطحه اباؤها القدماء.. وها أنا أيضًا خارج أليك حتى البئر ولكن عن يميني جبل يحكي كيف عاشوا أبائي وسط جيل ملتو! أتذكر في مسيرتي اليك عبق حياتهم وإخلاصهم وسكينتهم ورائحة ناردين سيرتهم فأشعر بخجل وحياء! 
 
قديمًا وصلت السامرية حتى البئر وإنحنت لتدلي بدلوها وربما فكرت متأنبه "لماذا يانفسي كان نصيبي من الدين مجرد الاماني ومن السجود مجرد المعاني!" وفيما هي تفكر قاطعها صوتك الحنون: إعطيني لأشرب.. "احكي لي أيتها الكارزة! عن صوته وإشعاع حبه نحوك!" ..
 
وعند هذه النقطه تغير حبر القلم الذي يكتب به الأب؛ بل وتغير الخط! لسنا ندري هل بالحق كتبت السامريه هنا عندما سألها أم ماذا ؟! 
 
كان المكتوب بلسانها: "قال لي اعطيني لأشرب.. صوته جذبني.. إشعاع حنان خرج إتجاهي بل عجبًا لإشراق قداسته التي تعيد الي ذهني كل ميل الي البر .. إنه لم يبدأ بأكثر من الكلمات التي يبدأ بها غاو أو اثيم ولكني فتشت قلبي فلم اجد فيه اثرًا للغواية او الشهوه ونظرت الي شياطين الشر التي تعودت ان تتكاثر حولي في مثل هذه الاوقات لكنها هذه المره ولت وهربت .. عجباً فليس في رجلي نعلان لاخلعهما وليس علي وجهي نقاب لاتحجب به لان الحجر الجالس عليه له هيبة المذبح او رهبة سفح الجبل ، ولجمال وجهه بريق كبريق وجه موسي النبي المبجل .. حدثني صوته في دعةٍ وبساطه طالباً مني ليشرب. فأخذتني دعه علي حين غرة فلم اجد جواباً .. حدثني صوته في أخاء ومودة فأزال كل كلفة، ورفع كل حجاب وأخذتني جرأته التي تجلت في حياء.. 
 
فكيف يسمح يهودي لنفسه أن يخاطب سامريه!، كيف يرتضي مساواته بامميه، حقاً يا إبني (ربما كانت بالحق تناشد الراهب!) رأيت فيه منظره المندد بالعنصريه والمؤيد بالاخاء ..
 
وهكذا قابلني وهو عطشان الي ماء البئر الراكد، ويقابلكم كل يوم وهو محتاج الي الشراب الفاني والطعام البائد، فيقابلكم في هيئة سائل مسكين او مريض ذاد عليه الانين، ويواجهكم في وداعة وهو الغني، وفي بساطة وهو اللي ، يحدثكم فقد تعود الحديث العملي ، انكم تتطلعون اليه لتكونوا امام عرش النعمه مصليين راكعين .. ولكنكم عبثاً تحاولون فلن يستطع ان يرتفع اليه إلا من اتضع. إنه يختفي من حضرة المتكبر ويظهر امام المتواضع الوديع ، يبرر العشار المنكسر القلب ويترك الفريسي مزهوا بنفسه ، وهكذا يخلو مخدع الصلاه من حضرته إذا حل فكر الكبرياء.. 
 
تذكرت لقائي هذا وقارنت هذا اللقاء برفقة وراحيل وابنة يثرون كيف تزوجن خلال اللقاء عند البئر بزيجات مباركة باسحق ويعقوب وموسى ... هكذا وجدت عريس نفسي عند بئر يعقوب. وانتم تجدون مسيحنا عريسًا عند جرن المعمودية..
 
إنتهت الورقه. وها قد عهد أحد الأباء بتفريغ كل الأوراق التي وجدت لتُنشر في فرصةٍ اخرى!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد