قراءة فى اشكاليات الكنيسة والأقباط والسياسة
كمال زاخر موسى
الاربعاء ٧ مارس ٢٠١٨
: كمال زاخر
1 ـ الكنيسة .. صراع أم مخاض ميلاد؟ (1 / 2 ) ـ نؤمن الكنيسة هى كائن متأصل ومتجدد يحمل مهمة إعلان المسيح، وهى ممتدة باتساع الجغرافيا، ووتعمقة وقائمة بامتداد التاريخ، بحسب توجيه المسيح لها "اذهبوا الى العالم اجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها" (مرقس .16 : 15)، بل ويمتد وجودها باعتبارها جسد المسيح، وهو رأسها، إلى ما بعد الحياة الأرضية، منذ اليوم الأول لتأسيسها. وهى بهذا "جسد المسيح الحى الكائن وسط عالم البشر وبهم"، يتشكل هيكلها الفكرى الإيمانى من ما أعلنه الإنجيل لها، وحفظته عبر ليتورجيتها، التى تؤكد على ادراكها للحقائق الإيمانية الأساسية، عن الله والخلق، والسقوط وتدبير الخلاص عبر التجسد والفداء، وانتظار المجئ الثانى، وحياة الدهر الآتى. وقد استوعدته الكنيسة فى وثيقة الأيمان النيقاوى القسطنطينى، فيما قبل الإنشقاق، وتلتف حوله بغير اختلاف كل كنائس العالم. وتعتمد الكنيسة ـ خاصة فى جناحها التقليدى ـ على التواتر الجيلى، التسليم، وهو ما قال به القديس بولس الرسول فى اكثر من اشارة بامتداد رسائله : ـ وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ. (فيلبى 9:4) ـ لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا
شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ..(1 كو 11 : 23 ـ 27) ـ فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. (1 كو 15 : 3 ـ 5) ـ فَأَمْدَحُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنَّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. (1 كو 11 : 2) ـ فمن ثم ايها الاخوة نسالكم ونطلب اليكم في الرب يسوع، انكم كما تسلمتم منا كيف يجب ان تسلكوا وترضوا الله، تزدادون اكثر، لانكم تعلمون اية وصايا اعطيناكم بالرب يسوع. لان هذه هي ارادة الله: قداستكم. . (1 تس 4 : 1 ـ 2) ـ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ (2 تس 2 : 13 ) ـ وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا. (2 تى2:2) وقد استقر فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، المصادر الأساسية للتعليم : ـ الكتاب المقدس ـ التسليم الآبائى (المحقق) ـ قوانين وقرارات المجامع المسكونية التى أقرتها الكنيسة. ـ الليتورجيا ومنظومة صلوات الكنيسة. التأصيل الإيمانى ودور التسليم الآبائى: نؤكد مجدداً على أن الكنيسة لها
قواعدها الإيمانية، التى تقوم عليها، والتى تتأسس على ما سبق الإشارة إليه، وهذه القواعد إيمانية، (العقائد)، لا تقبل الجدل حولها، لكن هذا لا يصادر الحق فى تعدد الآراء ومدارس التفسير، باختلاف الثقافات والتنوع المجتمعى والجيلى، فى اطار الإقرار بالمحاور الإيمانية الأساسية، كما بينا سلفاً. فالعقيدة لا تقبل الإختلاف بينما يبقى الرأى والتفسير قابلان للتنوع والتعدد، دون أن يتبادل الفرقاء اتهامات الهرطقة والتشكيك، وتبقى الليتورجيا، وفى مقدمتها القداس الإلهى والتسبحة وصلوات الأجبية، المعيار الذى يقاس عليه الرأى والتفسير. ويعد الكتاب المقدس نفسه دليلاً على أهمية ودور التسليم الآبائى، إذ كيف استقرت الكنيسة على اعتماد الأناجيل الأربعة دون غيرها من الأناجيل والكتب المنحولة التى ظهرت فى توقيتات مختلفة؟، فلولا ما استقر فى الكنيسة من تسليم استودِع أناس أمناء، بحسب بولس الرسول، لما امتلكت الكنيسة آلية تقنين هذه الأناجيل دون غيرها، وهو ما يشير إليه القديس لوقا البشير فى مقدمة إنجيله (اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا، كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق ان اكتب على التوالي اليك ايها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به." (لوقا 1 : 1 ـ 4) حتى أننا يمكن ان نقول بثقة أن الكتاب المقدس نفسه وثيقة آبائية، وقد كتبه أناس مسوقين من الروح القدس. بحسب القديس بطرس الرسول فى رسالته الثانية (1 : 21). اختلفوا فى الرأى وبقوا قديسين ويحتفظ لنا التاريخ بنماذج عديدة لمعلمين كنسيين ثقاة اختلفوا فى قضايا كنسية وكتابية مهمة، الى درجة التضاد، ولم يقل احدهم بأن الأخر "هرطوقى"، لا فى عصره ولا فى العصور اللاحقة، لسلامة الأرضية الإيمانية التى يقفون عليها
وينطلقون منها. تطبيق : نقف أمام ثلاث وقائع خلافية فى دائرة الرأى 1 ـ شاول الملك وتحضير روح صموئيل (عرافة عين دور) ـ هل كانت روح صموئيل ؟ كثير من الاباء رفضوا فكرة روح صموئيل ؛ منهم هيبوليتس وترتليانوس وباسيليوس الكبير، بينما يؤكد يشوع بن سيراخ فى سفره أنها روح صموئيل، وقد رفع من الارض صوته : "صموئيل المحبوب عند الرب نبي الرب سن الملك ومسح رؤساء شعبه ... ومن بعد رقاده تنبأ واخبر الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة لمحو إثم الشعب." (يشوع بن سيراخ 46 : 16 و 23) ولم يقل أحد بهرطقة هؤلاء، ولم يشكك أحد فى صحة ما قاله كاتب السفر، بل قُرأ الأمر على أنه رأى لأصحابه. 2 ـ النجم الذى ظهر للمجوس : نجم حقيقى أم ملاك؟ ـ يوحنا ذهبى الفم يقول بأنه ملاك، ووكذلك الأب بولس البوشى الأسقف وهو عالم مصرى من القرن الثالث عشر ـ بينما العلامة اوريجانوس أبو التفسير الرمزى يرى أنه نجم حقيقى ـ ولم يهرطق أى منهما لا فى عصره ولا فى العصور اللاحقة. 3 ـ هل تناول يهوذا؟ ـ ذهبى الفم واغسطينوس قالا بأنه تناول ـ قداس القديس باسيليوس عند البيزنطيين يقول بأن يهوذا قد تناول (ان يهوذا هو ابن الافاعى الذين اكلوا المن فى القفر وتذمروا على المغذى .. إذ كان الطعام بعد فى افواههم كانوا يتذمرون على الله فى قلوبهم، وكذلك هذا الردئ العبادة المتسلسل منهم إذ كان الخبز السماوى بعد فى فمه أسلم المخلص). ولم يكل أحد تهمة الهرطقة لأي منهم ولم يعتبروا خارجين عن الإيمان اباء قالوا رأياً واباء قالوا عكسهم، وكلهم محسوبين من معلمى الكنيسة الجامعة. ننتهى من هذا إلى أن الرأى يقبل الإختلاف ولا ينتهى بهرطقة قائله، طالما هو يؤمن بإيمان الكنيسة الذى قال به قانون الإيمان. الإختلاف فى الرأى محكوم بعدم خروجه عن العقيدة العامة للكنيسة الرأى عند بولس الرسول غير ملزم واما العذارى فليس عندي امر من الرب فيهن ولكنني اعطي رايا كمن رحمه الرب ان يكون امينا. فاظن ان هذا حسن لسبب الضيق الحاضر انه حسن للانسان ان يكون هكذا. انت مرتبط بامراة فلا تطلب الانفصال.انت منفصل عن امراة فلا تطلب امراة. لكنك وان
تزوجت لم تخطئ. وان تزوجت العذراء لم تخطئ. ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد.واما انا فاني اشفق عليكم. (1 كو 7: 25 ). ورغم أنه من أعمدة الكنيسة، بل هو أحد "هامتا الرسل" ، وربما لهذا، نجده يملك أمانة التفريق بين العقيدة (الترتيب الإلهى) وبين الرأى الشخصى له. ليؤكد على المساحة المتاحة لتعدد الرؤى وحرية القرار. وبحسب أحد علماء اللاهوت الأرثوذكس السكندريين الأكاديميين، فإن من يقترب من منهج الكنيسة فى الشرح والتفسير يجده يلتزم بثلاثة عناصر أساسية : ـ تفسير وشرح أى عقيدة فى الإطار اللاهوتى الشامل الذى يضم فى تكامل كل العقائد. ـ تفسير وشرح العقيدة على اساس ما يحدث فى الليتورجية. ـ تفسير وشرح العقيدة على أساس ما استقر فى التقليد الكنسى نفسه. ويقول فى هذا : "هذه العناصر الثلاثة ذات دلالة روحية فى الأرثوذكسية لأن الإطار الشامل ـ أى العنصر الأول ـ إنما يعنى الإحتفاظ بنظرة شاملة وكلية، وعدم تجزىء العقائد إلى وحدات منفصلة. أما الخبرة الليتورجية والممارسة الكنسية والأسرار ـ العنصر الثانى ـ فهى تعنى أن يصب الشرح والتفسير فيما يٌمَارس فى الحياة اليومية وإلا أُعتُبر هذا الشرح شرحاً عقلياً أجوف لا قيمة له.، وهذا يعنى بدوره ضرورة العودة إلى التقليد الكنسى ـ العنصر الثالث ـ لأن الشرح العقلى ، مجرداً، يفصل بين الكنيسة والتقليد (التسليم)، ويباعد بين المؤمن وبين الممارسة فى الليتورجية، ويخلق فجوة روحية تسمح بالآراء الشخصية
والتفسيرات الذاتية، والتى تأتى فى بعضها متأثرة بالظروف والمناسبات." (انتهى الإقتباس). ولعل هذا يدفعنا مجدداً لإعادة الدعوة للشروع فى تأسيس مركز ابحاث كنسى عند أعلى نقطة فى الكنيسة يعكف على وضع المحددات التى تفصل بين العقيدة والرأى والتفسير. وعلى الكنيسة أن تؤسس لقنوات تواصل تطرح فيها الأمور التى تستوجب حواراً موضوعياً راقياً بين جنباتها. والسؤال للفرقاء : لمصلحة من هذا التراشق وإلى متى؟ وللحديث بقية.