إدارة " أون لاين" وموظف " على ماتفرج " !!
مدحت بشاي
٥٨:
١٢
م +02:00 EET
السبت ٣ مارس ٢٠١٨
مدحت شاي
هناك عشرات الأسئلة التي تُلقي بظلالها ، والتي تكشف حدة علل وأمراض الإدارة رغم محاولات الدولة الصادقة للتطوير ..
لقد تعالت أصوات النخبة في الفترة الأخيرة مطالبة بالتغيير والإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير والنهضة والصحوة والثورة وإعادة الهندسة وإعادة البناء.. وغيرها من عشرات المصطلحات الفكرية والعلمية وأيضاً " الحنجورية " التي تطالعنا عبر كل وسائل الإعلام تستصرخ أولي الأمر أن افعلوا أي شيء وكل شيء من أجل إحداث تغيير حقيقي ملموس في واقع الحياة والأهم في واقع البشر..
والبشر كأحياء خلقها المولى سبحانه وتعالى تتحرك وتنمو وتسعى وتعمل وتكد وتتقلد المواقع والمناصب وتتبادلها وتسلمها عبر الأجيال .. وهذه كلها أفعال وأنشطة متغيرة تتبدل حالها من آن إلى آن ومن مكان إلى آخر ومن واقع إنساني وحضاري إلى واقع مغاير ومن بيئة نوعية إلى أخرى لا تشبهها .. وهكذا فالتغيير سمة حياتية فطرية لا تغادرنا مادمنا أحياء .. وهو أيضاً ضرورة حتمية للأفراد والمجتمعات فرضتها ظروف تغير وتبدل الأزمنة والأوقات والأحوال نظراً لتنامي احتياجات الناس وأعدادهم وطموحاتهم المتنوعة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتفاعلهم مع حضارات وثقافات شعوب الدنيا بعد أن صار العالم قرية كونية صغيرة.
هناك إجماع من جانب الناس والنخبة والحكومة على أهمية الانطلاق بالمجتمع المصري إلى عصر تلعب فيه التقنية المعلوماتية دوراً بارزاً للتحول إلى تطبيقات الحكومة الإلكترونية وتطوير الأداء الحكومي والتيسير على الناس من خلال إيجاد صيغ بسيطة للتفاهم بين الموظف رمز السلطة وبين المواطن طالب الخدمة ..ولكن ماذا عن الموظف المصري المسكين الجبار ، والمكسور الشامخ ، والتابع الديكتاتور الذي يجمع في شخصيته كل تناقضات المجتمع وسلبياته في مخزون تراثه وقيمه السلبية والإيجابية ؟.. إن هذا الموظف بتركيبة شخصيته المصرية قد أثرت عليه عدد من الموروثات بعضها يعود إلى ظروف تاريخية وأخرى إلى جانب فولكلوري ؟ .. ففي أمثالنا الشعبية ــ على سبيل المثال ــ ما يدعو الموظف للاستكانة والخضوع والخنوع للسلطات الأعلى [ العين ما تعلاش على الحاجب ـ اتمسكن لما تتمكن ، طاطي لها لما تفوت .. الخ ] وهناك أيضاً ما يدعوه إلى عدم المخاطرة وتحمل نتائج الفكرة الجديدة [ الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح ـ ما تفتحش فتحة ما تعرفش تلمها .. الخ ] وما يدعو إلى التسليم بالنتائج والقهر مهما كانت [ يا بخت من بات مغلوب ـ آخر خدمة الغز علقة ـ وليك يوم يا ظالم .. الخ ] والحل في الفهلوة [ اللي تغلب به العب به .. الخ ] والدعوة إلى النفاق [ إن عبدو العجل حش وارمي له .. الخ ] ونحو السلبية في الأداء [ ياكل ويشرب ووقت الشغل يهرب .. الخ ] .. إذاً كيف يمكن تغيير واقع وأحوال الموظف الحكومي الذي يشكل هو وأقرانه عُشر سكان مصر تقريباً .. إن سلوكياته والمناخ الذي اعتاد العمل فيه والتقاليد المصلحية والخبرات التي ينقلها من جيل إلى جيل صارت تشكل معضلة ، بالإضافة إلى كمْ هائل من التشريعات واللوائح التي تكبله و لم تعد تتناسب مع توجهات بشر يودون بث رسالة إلى المستقبل .. هذه كلها ظروف تجعل لدينا العديد من التحفظات التي يجب مراعاتها عندما نُقدم على إحداث أي نقلة في سبل وآليات عمله لتحقيق التطوير المأمول حتى يجدي تطبيق نظم الإدارة الإلكترونية في الإدارة المعاصرة ..
الناس في بلادي لا يحتاجون في هذه المرحلة وبأولوية عاجلة ميكنة الإدارة نظراً لأن ما يقارب نصفهم يقعون تحت نير الأمية الأبجدية ونسبة كبيرة من النصف الثاني تشملهم أمية تعليمية وثقافية وكمبيوترية ، وعليه أسرع الموظف المصري إلى تغيير شعاره الخالد " فوت علينا بكره يا سيد " إلى " يا أستاذ سيستم الجهاز وقع أعملك إيه ؟ "
فلنبدأ في تفعيل والاستفادة بتكنولوجيا المعلومات المتجددة في مواقع بحثية في كل القطاعات الحكومية ليفيد منها صانع ومتخذ القرار لتحقيق النمو الاقتصادي .. فلنحقق الإفادة بإنجازات تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مواقع الإدارة العليا لجهات التخطيط الاستراتيجي والأمني والعلمي والسياسي ، ففي مجال التعليم من بُعد والتعليم المستمر على سبيل المثال فإن الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات تحقق درجة من التواصل الجغرافي المذهل بأكبر أعداد من طالبي التعلم والباحثين عن المعرفة في كل صورها وعلينا في هذا الصدد إعداد القوى البشرية وإعلاء قدراتها من خلال نظم غير تقليدية في التدريب ونقل المهارات والخبرات .. إن المواطن أمام مخبز رغيف العيش لا يعنيه أمر تكنولوجيا المعلومات ولا حتى تكنولوجيا صناعة الرغيف .. الناس في مترو عزبة النخل وقد تلاحمت أجسادهم حتى لم يعد هناك موضع لقدم أو متسع لهواء بعد أن غابت المراوح وأجهزة التكييف لا يهمهم قطعاً تطبيقات الحكومة الإلكترونية وقد وقع منهم ما وقع مختنقاً بعد أن عجزت هيئة المترو أن تهبهم نسمة الهواء مكتفية بتشييد المحطات الفاخرة ورفع قيمة التذاكر والاشتراكات ثمناً لتطبيقات تكنولوجيا الغد ..الناس بالفعل تحتاج إلى حكومة " أون لاين " تخلق حالة من التواصل السريع والساخن والحاني مع المواطن ذو الأحلام البسيطة والممكنة في هذا البلد العظيم ولكن مع إدارة محكمة وبنظم تتسم بالشفافية وإعمال نظم الحساب الفوري والعقاب الرادع .. وعندما تتحقق تلك النظم سيكون المواطن جاهزاً للحكومة " أون لاين " ومشاريعها الطموحة ..