شارل فؤاد المصري

 لكل شعب من الشعوب ثقافته التي ترتبط بمخزونه الحضاري وتراثه الفكري.. وتختلف طبيعة الثقافة من مجتمع لآخر تبعًا لاختلاف واقع الأمم، ومدى ارتباطها بتراثها ومخزونها الحضاري.
 
والثقافة كائن حي ينمو ويشتد مع النمو الحضاري لأي دولة، وأيضا يضمحل ويتراجع إذا لم يتم الاهتمام به وقد يشكل أزمة للمجتمعات.
 
ولأن الثقافة هي النسيج الكلي من تلك الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والتوجهات والسلوكيات في مجتمع ما سنجد أن السلوكيات الثقافية للشعوب والمجتمعات،  وخاصة العربية تغيرت في الآونة الأخيرة، وتحديدًا مع انتشار ما يُعرف بالسوشيال ميديا أو ما أُطلق عليه الإعلام البديل، واعتمدت ما يعرف في الثقافة واصطلح عليه بثقافة القطيع أو سلوك القطيع. 
 
سلوك القطيع هو مصطلح يطلق على سلوك الأشخاص في الجماعة– أي جماعة- عندما يقومون بالتصرف بسلوك الجماعة التي ينتمون لها دون تفكير .
 
ومصطلح سلوك القطيع يطلق على تصرف الحيوانات في القطيع أو الأسراب أيضا. كما يطلق أيضا على سلوك طلاب المدارس عند هروبهم من حادثة حريق مثلا، و يمكن أن نصنف المظاهرات كذلك ضمن هذا النوع من السلوك.
 
المثير للعجب أن سلوك القطيع هذا يظهر جليا وواضحا في مجاميع مختلفة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو دينية على مواقع السوشيال ميديا، خاصة موقع التواصل الأشهر فيس بوك .
 
القطيع أي قطيع حتى لو كان بشريا.. وهنا أقصد المجموعات التي يمكن توجيهها أو استدراجها بـ«بوست» أو صورة أو تعليق لتبدأ حربا دون تفكير أو تمحيص من جانب واحد ثقافيًا ليس إلا أن كاتبها انتمى ومارس ثقافة القطيع.
 
ومع تطور حروب المعلومات سواء كانت حروب الجيل الرابع أو الخامس أو حتى ما بعد ذلك سنجد أن إحد اها ارتكازاتها هي ازكاء ثقافة القطيع في المجتمعات ليسهل السيطرة عليها وإشغالها واستنزاف مواردها العقلية والفكرية لتبقى شعوبا متخلفة أطول فترة ممكنة .
 
ورغم مساوئ ثقافة القطيع التي تنعكس على سلوك الأفراد والتي سنذكرها لاحقا إلا أن لها فوائد يحصل عليها الشخص الذي مارس هذا السلوك وتلك الثقافة وأهمها:
 
حصول هذا الشخص على تأييد لقراره مهما كانت النتائج وبالقطع يأتي من هم على شاكلته، وأيضا تحقيق مصالحه الشخصية مستندا تفكير على الآخرين لدرجة أنه يتخذ قرارته اليومية معتمدا على خبراتهم.. وعلى سبيل المثال والجميع يطالع مثل تلك البوستات مثل «يا جماعة ما رأيكم في إني سافعل كذا وكذا»، وتجد تفاعلا كبيرا بكتابة أفكار ونصائح وغيرها ومقترحات وغيرها.
 
والسؤال الذي يطرح نفسه ما مساوئ سلوك القطيع أو ثقافة القطيع التي تفشت في الآونة الأخيرة في المجتمعات العربية عبر السوشيال ميديا؟
 
أولا: ينصهر الشخص في الجماعة أو الاخرين ويفقد قدرته على التفكير، وبالتالي لا يستطيع اتخاذ قرارته الشخصية.
 
ثانيا: قد يعرض سلامته الشخصية للخطر ومثال ذلك الانخراط في المظاهرات.
 
ثالثا: ربما يفقد فرصة الحصول على حياة أفضل لأنه تنازل عن اتخاذ قراره منفصلا وفضل اتباع الجماعة.
 
إن العقل الجمعي العربي الذي تربي على التهويل والمبالغة، وتمجيد الماضي بشكل يعطل الحاضر، ويهدم المستقبل أكثر تقبلا لانتشار ثقافة القطيع من خلال السوشيال ميديا لأنها الأسرع والأكثر تاثيرًا والأرخص من حيث الاستخدام.
 
وما يفعله الاعلام الغربي ويشارك فيه جزء من الإعلام العربي بدرجة أو بأخرى، ما هو إلا تكريس لثقافة القطيع لتنفيذ أجندات معينة.
 
احذروا الوقوع في فخ ثقافة القطيع..