الأقباط متحدون - لماذا احتاج عالم الرياضيات بيرتراند راسل لأكثر من 350 صفحة ليثبت صحّة الحقيقة الرياضية: 1+1 = 2؟
  • ٠١:٠٢
  • الخميس , ١ مارس ٢٠١٨
English version

لماذا احتاج عالم الرياضيات بيرتراند راسل لأكثر من 350 صفحة ليثبت صحّة الحقيقة الرياضية: 1+1 = 2؟

منوعات | ibelieveinsci

١٧: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ١ مارس ٢٠١٨

صورة أرشفية
صورة أرشفية

 ما هو الدّافع من وراء شروعِهِ، بالتّعاون مع أستاذِهِ ألفرد نورث وايتهيد، لإشتقاق جميع أسس علم الرّياضيّات من مجموعة صغيرة من الفرضيّات المنطقيّة؟ وهل حقّق الأستاذان أهداف مشروعهما الإستثنائي؟

في المؤتمر الدّولي للرّياضيّات سنة 1900، وقف عالم الرّياضيّات الشّهير دافيد هيلبرت (David Hilbert) أمام الملأ وصرّح بكلّ ثقة بأنّه في علم الرّياضيّات لا يوجد “لا نعرف ولن نعرف”، منتقدًا الرّؤية التي تقدّم بها الفيزيولوجي الألماني إميل ريموند (Emil du Bois-Reymond) والتي تنصّ أنّ العلم محدود وأنّ قدراتنا البشريّة ستقف عاجزة أمام بعض المسائل العلميّة.

 
في نفس الفترة، كان عالم الرّياضيّات والفيلسوف البريطاني بيرتراند راسل (Bertrand Russell) عاكفًا على دراسة علم المنطق الرّياضي وأصولِهِ، تحت إشراف أستاذِهِ ألفرد نورث وايتهيد (Alfred North Whitehead) في جامعة كامبريدج في إنجلترا.
ولكن الفترة التي عاش فيها راسل لم تكن فترة زمنيّة إعتياديّة – على الأقلّ من منظور علميّ الرّياضيّات والمنطق.
 
فقبل ذلك بـ 20 سنة فقط، تقدّم الفيلسوف وعالم الرّياضيّات الألماني جوتلوب فريجة (Gottlob Frege) بتعديلات وإضافات ثوريّة على علم المنطق الذي بقي جامدًا لأكثر من 2000 عام.
 
كما أنّ نفس الفترة الزّمنيّة شهدت تطوير نظريّة المجموعات (Set Theory)، على يد جورج كانتور وغيرِهِ، وهي النّظريّة التي احتلّت وتحتلّ مكانةً مركزيّة في علم الرّياضيّات وعلم المنطق الرّياضيّ حتّى يومنا هذا.
 
ولكنّ جهود فريجة وكانتور لم تكن كاملة متكاملة، بل على العكس، فكما أظهرت مراجعات راسل وغيره تبيّن أنّ هنالك عددًا من المشكلات المنطقيّة والمفارقات (Paradoxes) في أعمال الرّجلين.
 
أحد هذه المشكلات عرفت لاحقًا بإسم مفارقة راسل – Russell’s Paradox، نسبة إلى راسل نفسه.
 
هذه المفارقة وغيرها حفّزت راسل ليشرع، بالتّعاون مع أستاذِهِ ألفرد نورث وايتهيد، بالعمل على مشروعٍ إستثنائيّ يهدف إلى إشتقاق جميع الحقائق الرّياضيّة من مجموعة محدّدة من الفرضيّات المنطقيّة (Axioms)، بالإضافة إلى قواعد الإستدلال والإستنباط المنطقيّ (Inference rules).
 
هذا المشروع تتوّج في سنة 1910 بنشر كتاب “مبادئ الرّياضيّات – Principia Mathematica” في ثلاثة مجلّدات.
 
الكتاب يُعتبرُ من قبل كثيرٍ من المختصّين أحد أهمّ الكتب في علم المنطق الرّياضي والفلسفة منذ كتاب المنطق الأرسطيّ – Organon.
 
إذا كنت متلهّفًا لقراءة الكتاب وفهم أسس أحد أجمل العلوم البشريّة، فعليك أن تقلّب أكثر من 350 صفحة من الرّموز الرّياضيّة الغامضة والمعقّدة حتّى تصل إلى أبسط الحقائق الرّياضيّة التي نلقّنها أطفالنا، حيث يخبرنا راسل في الصّفحة 362 من المجلّد الأوّل، الطّبعة الأولى باللّغة الإنجليزيّة:
 
“من هذه الفرضيّة، سيتبع، عندما نعرّف معنى الجمع العددي، أنّ 1 + 1 = 2.”
 
مع أنّ جهود راسل ووايتهيد تثير فينا مشاعر مختلطة من الدّهشة والإعجاب، إلاّ أنّ السّؤال المركزيّ الذي سيبقى عالقًا في أذهاننا هو: يا هل ترى ماذا حقّق مشروعهما فعليًّا؟ هل نجحا ببناء صرح شامل لعلم الرّياضيّات، كما حَلُمَ دافيد هيلبرت؟
للأسف، على الرّغم من الطّموح الجامح الذي ميّز مسيرتهما، إلاّ أنّ المشروع لم يحقّق الكثير فعليًّا.
 
بحسب البروفيسور إيفور جراتين-جينس (Ivor Grattan-Guinness)، باحث في تاريخ علم الرّياضيّات والمنطق، “إنّ الذي حقّقه راسل ووايتهيد في كتاب مبادئ الرّياضيّات كان نوعًا ما مجرّد التّحضير لإستعمال الرّياضيّات، بدون أن ينجزا ما قد يؤهّلنا لممارسة الرّياضيّات الحقيقيّة. وبشكلٍ أو بآخر، الكتاب يشبه التّمهيد الموسيقيّ الضّخم لقطعة أوبرا لم تُكتَب أبدًا.”
 
ولكن المفاجأة الحقيقيّة التي كانت تنتظر راسل، وايتهيد، وحتّى هيلبرت لم تكن سارّةً أبدًا.
 
ففي الثّلاثينات من القرن العشرين (أي بعد قرابة الـ 20 سنة على إصدار الطّبعة الأولى لكتاب مبادئ الرّياضيّات) تقدّم عالم المنطق والرّياضيّات النّمساوي كورت جوديل (Kurt Gödel) بمبرهنات عدم الإكتمال، ساحبًا البساط من تحت أرجل هيلبرت ومحطّمًا أهداف مشروع راسل ووايتهيد إلى شذرات.
 
المبرهنات أثبتت، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ إيجاد مجموعة متكاملة ومتناسقة من الفرضيّات المنطقيّة التي من الممكن إستخدامها لإثبات صحّة جميع الحقائق الرّياضيّة هو ضربٌ من المستحيل.
 
بعد هذهِ الصّدمة الشّديدة التي وجّهتها مبرهنات عدم الإكتمال نحو مشروعِهِ الشّخصيّ، كتب راسل: “لقد أردتُّ أن أتحصّل على يقين مشابه لليقين الذي يطلبه النّاس الذي يودّون التحصّل على الإيمان الدّينيّ.
 
 
لقد ظننت أنّ اليقين من المحتمل أن يكون موجودًا في علم الرّياضيّات أكثر من أيّ مكانٍ آخر. ولكن بعد قرابة العشرين سنة من الكدح، المشقّة، والتّعب، توصّلت للنّتيجة أنّه ليس بإستطاعتي أن أقدّم أكثر من ذلك.”