اللغة القبطية
مقالات مختارة | بقلم: فتحي سيد فرج
الاثنين ٢٦ فبراير ٢٠١٨
بمناسبة اليوم العالمى “للغة الأم” عقدت لجنة “بعث الهوية” بالتعاون مع “لاتليه” الإسكندرية وجماعة “تحوتى” للدراسات المصرية. يوم الجمعة 16 أمشير 6269 الموافق 23 فبراير 2018 ندوة ثقافية بعنوان “لغتنا الأم هويتنا” بدأت بترحيب د / محمد رفيق خليل رئيس مجلس ادارة اتليه الإسكندرية بالحضور والمتحدثين، ثم عرض أ/ محمود فرحات كلمة مختصرة عن اليوم العالمى للغة الأم.
وتضمنت الندوة المحاور التالية:
نشأت اللغة المصرية القديمة وخطوطها الثلاثة: تحدث عنها أ / محمود فرحات. منسق بعث الهوية.
تطور اللغة المصرية فى المرحلة المسيحية: تحدث فيها أ / فتحى سيد فرج. احد مؤسسى جماعة تحوتى.
اللغة المصرية الحديثة: تحدث عنها أ / عبد العزيز جمال. المؤرخ ومحقق التراث المصرى.
بنتكلم مصرى “اللغة والهوية “: تحدث فيها أ / سامى حرك. الباحث فى الحضارة المصرية وعلومها.
وقد حضر هذه الندوة باتليه الإسكندرية عدد كبير من مثقفى المدينة ورموز المجتمع المدنى الذين شاركوا فى تقديم مداخلات ومناقشات حول محاور الندوة. وفيما يلى كلمة أ / فتحى سيد فرج.
تطور اللغة المصرية إلى القبطية
تنقسم اللغة المصرية إلى قسمين: اللغة المنطوقة – اللغة المكتوبة. وقد بدأ اللسان المصري، وهو اللغة المنطوقة من قبل الأسرات (أكثر من 7000ق.م) ولم يتغير حتى اليوم،بمعنى أن المصريون يتحدثون الآن مثلما كان أجدادهم القدماء يتحدثون. وقداستعملت الهيرغليفية كنمط كتابة رسمي لتسجيل الأحداث على المعالم والنصوص الدينية علي جدران المعابد والمقابر وأسطح التماثيل والألوح الحجرية المنقوشة والألواح الخشبية الملونة. وتعد الإشارة إلى لغة مصر القديمة باسم “اللغة الهيروغليفية” بين العوام ووسائل الإعلام خطأ شائع، لأن الهيروغليفية هي نظام للكتابة.
لكن هناك رأيا لـ ”أبيه ماريوس” يقول أن اللغة الوطنية لمصر القديمة، كانت متداخله بين الهيروغليفية والقبطية، ويقدم دراسة لقواعد اللغتين يستخلص منها أن لغةالتخاطب كانت القبطية، ولكن الهيروغليفية كان يستخدمها الكهنة والكتبة فقط. وظلت بعيدة عن عامة الشعب، فلم نجد مخطوطة هيروغليفية شعبيه، فاللغة القبطية هي التي تكلم بها الشعب حتى القرن الثاني عشر، وفى الحقيقة فإن المصرية القبطية هي أصل الهيروغليفية ويوجد بها جميع النطق الهيروغليفي إذ يوجد بها العين والحاء.
أقدم بردية بالقبطية: هي بردية هايدلبرج ترجع إلى منتصف القرن الثالث ق ـ م، تشتمل على قائمة مفردات قبطية بحروف يونانية مع ما يقابلها في المعنى باللغة اليونانية.
دور الكنيسة في تعميم استخدام اللغة القبطية: يعود الفضل في تثبيت الأبجدية القبطية للكنيسة المصرية في عهد البابا ديمتريوس البطريرك الثاني عشر 189 – 232 م وخلفائه. وتتكون الأبجدية القبطية من 32 حرفاً، 7 منهم من أصل ديموطيقي، بالإضافة إلى الحرف السادس الذي لا يدخل في تكوين الكلمات ويستعمل كرقم 6.
فيما يلى جدول للحروف القبطية مع التوضيح باللغة العربية يحتوي على: -اسم الحرف، أوضاع النطق المختلفة، الحروف المتحركة،الحروف الحلقية، الحروف الشفهية،الحروف ذات الأصل المصري- الحروف ذات الأصل اليوناني.
أقدم بردية بالقبطية: هي بردية هايدلبرج ترجع إلى منتصف القرن الثالث ق ـ م، تشتمل على قائمة مفردات قبطية بحروف يونانية مع ما يقابلها في المعنى باللغة اليونانية.
دور الكنيسة في تعميم استخدام اللغة القبطية: يعود الفضل في تثبيت الأبجدية القبطية للكنيسة المصرية في عهد البابا ديمتريوس البطريرك الثاني عشر 189 – 232 م وخلفائه. تتكون الأبجدية القبطية من 32 حرفاً، 7 منهم من أصل ديموطيقي، بالإضافة إلى الحرف السادس الذي لا يدخل في تكوين الكلمات ويستعمل كرقم 6. فيما يلى جدول للحروف القبطية مع التوضيح باللغة العربية يحتوي على: -اسم الحرف، أوضاع النطق المختلفة، الحروف المتحركة،الحروف الحلقية، الحروف الشفهية، الحروف ذات الأصل المصري- الحروف ذات الأصل اليوناني.
كلمات قبطية ما تزال مستخدمة حاليا:- (زيطا) تعني الوحل، (البعبع) تعني العفريت (بخ) بمعنى شيطان، (هنثور) حصان ونحن نقول عربية حنطور أي عربة تجر بواسطة حصان (شوم إن نيسيم) بساتين الزروع، (شوم) بساتين (نيسيم) زروع، (موؤو) ماء وقد تطورت لتصبح أمبو دلاله علي العطش، (كين أو كِن) كفي، يستخدمها الفلاحون بكثرة بمعني أهدئ، )واحا (واحة، بمعنى نجع أو مكان ذو ماء و بساتين وسط الصحراء.
اللغة القبطية عبر العصور: كانت القبطية- هي لغة البلاد الرسمية يتعلمها الكل بالكتاتيب واستمرت إلى أن تَم تعميم المدارس على النظام الحديث. عندما غزا اليونانين مصر اهتموا بأن تكون اللغة الرسمية هي اليونانية، وترجموا إليها كتب عديدة أهمها التوراة، وبقيت اللغة القبطية هي لغة الشعب. ثم جاءت دولة الرومان، واستمرت اللغة اليونانية سائدة.وعندما دخلت المسيحية مصر على يد مارمرقس الرسول، استمر الكلام باللغة القبطية مع اللغة اليونانية، إلى القرن السابع الميلادي، وكانت القبطية هي لغة الشعب والدولة.
في (706 م) تم قهر المصريين بصدور مرسوم تعريب الدواوين في عهد الوالي عبد الله بن عبد الملك، مما اجبرهم على استبدال القبطية بالعربية فى المعاملات الرسمية. وفى (849م) صدر منشور من الخليفة المتوكل، يدعو اليهود والنصارى لتعلم العربية، ولكن الشعب المصري استمر يتكلم بالقبطية فيما بينهم. وفى عهد الحاكم بأمر الله (996-1020م) تم منع استخدام اللغة القبطية في الطرق والمنازل
فى القرن الثاني عشر الميلادي، كان هناك أقباط لا يعرفون سوى القبطية، وأقباط لا يعرفون غير العربية، وأقباط يعرفون القبطية والعربية. وما كان من البابا غبريال بن تريك (1131-1146 م) عندما وجد غالبية الشعب لم تعد تفهم القبطية، فقد أصدر أوامره بقراءة الأناجيل والعظات باللغة العربية بعد قراءتها بالقبطية، حتى يتسنّى لجمهور المصلين فَهْم ما يسمعونه، ما أدى لاستهانة القبط بلغتهم الأصلية. وفى القرنين الثالث عشر والرابع عشر، تراجعت القبطية أمام العربية، خصوصًا في الوجه البحري. كما بدأت تظهر كتب الصلوات وفيها نهرين، الأيسر للنص القبطي، والأيمن للترجمة العربية. أما في الصعيد فقد استمرت القبطية إلى القرن الخامس عشر، حيث يشهد المقريزي (1364-1441 م) أن هناك من يتكلمون بالقبطية في صعيد مصر في أيامه.
إصلاح اللغة القبطية: قام البابا كيرلس الرابع(1861 – 1854) بأصلاح اللغة القبطية نتيجة لإجحام اللسان العربي فى اللغة القبطية فظهرت حروف جديدة بلسان المصريين كحرف الضاد الظاء، وتسبب هذا في تغيير نطق بعض الكلمات مما أدي إلي ضرورة التدخل لإصلاح اللغة، بعد اختفاء حروف مثل الدال (الدلتا (.
فى رواية أخرى تقول أن البابا كيرلس عرف أن المعلم عريان جرجس غَيَّرْ النطق القبطي للنطق باليونانية اعتبارا من 1858م ومنذ ذلك واللغة القبطية في محنة فقد أصبح أبناؤها لا يعرفون نطقها الأصيل، فمثلاً شنودة ينطق حالياً شينوتي وبسطوروس أصبح بيإستافورس ودانيال أصبح ذانيئيل وتاداروس أصبح ثيذيؤس وتواضروس أصبح ثيؤذورس، مما استوجب ضرورة الإصلاح. مما جعل البابا كيرلس يوجه اهتمامًا بالغًا، فقد كتب منشورًا يحث فيه الأقباط على التبرع لبناء معهد علمي، وعقد مقارنة بين اهتمام الأجانب بإتقان القبطية، وبين عدم قدرة الأقباط على فهمها. كما أمر بتدريس اللغة القبطية في المدارس القبطية التي أنشأها. وكان يقاوم أي تقصير في استخدامها في الصلوات الكنسية بمنتهى الحزم والشدة.
وفى أواخر القرن التاسع عشر، بدأ بعض الكهنة، ومنهم الإيغومانس إبراهيم المتوفى (1904م) بتلاوة بعض صلوات القداس بالعربية بعد تلاوتها أولًا بالقبطية، دون اعتراض من الرؤساء الدينيين. فى القرن الثامن عشر الميلادي، بدأ الأقباط كتابة لغتهم القبطية بحروف عربية، وفى القرن العشرون (1936، 1937م) اكتشفا عالما القبطيات ”فيرنر فيسكل“ و“وليم وورل“ عددًا من الأشخاص في عائلات معينة بقرية الزينية بالقرب من الأقصر، لا يزالون يتحدثون باللغة القبطية في حياتهم اليومية. وقد نشر الباحثين أبحاثهم عن ذلك في المجلات العلمية.
اللغة العامية: تعتبر اللغة المصرية الحديثة ” العامية“ ذات أصل حامي، وليست سامية كالعربية، وكذلك لها قواعد مختلفة عن قواعد اللغة العربية. فالمصريون منذ فرض اللغة العربية عليهم يضطرون للحديث والكتابة بلغة غير لغتهم ”الأم“ هذا ما يجعلهم في مشقة دائمة بدأ من دخولهم المدرسة لتعليمهم لغة غير لغتهم القومية، وهذا ما يؤكد أيضا ازدواجية اللغة في مصر. فمن الصعب إنكار أن غالبية المصريون لا يجيدون استخدام اللغة العربية / الفصحى في النطق أو الكتابة، فبعد سنوات بالتعليم يعجزالكثير منهم عن نطق حروف ( ث، ذ، ض ) بإخراج اللسان، مثلما ينطقها المتحدثون بها، كما لا يستطيعون فهم حذف (ى) فى أخر الكلمات وفقا لقواعد النحو( موازي/ مواز،خالي/ خال).
اللغة المصرية القديمة لم تندثر بل انها باقية الى يومنا، فمئات الكلمات لاتزال مستعملة كل يوم فى اللغة العامية، مثل “مم” وتعني الأكل والطعام. و”إمبو” وتعني الشرب.وسوف ندلل على أن اللغة العربية ليست لغتنا، بل هي لغة أجنبية. لغتنا هي العامية. هذا هو الرأي السائد عند أغلب العلماء والباحثين الثقاة. فاللغة العربية فرضت على المصريين، وهي بالتأكيد ليست لغتهم القومية أو لغة الأم وفقا للتعريف العلمي، فاللغة الأم هي التي يكتسبها الكائن البشرى في مراحل عمره الأولى، والأطفال منذ لحظة الميلاد مزودين بنسق متخصص للتعامل مع الأصوات البشرية (الكلام) وإدراك خصائصه نتيجة التعرض بشكل متواتر لمبادىء وقواعد تساعد على نطق الكلمات من خلال التوافق مع جهازهم الصوتي ومحيطهم المعرفي، وبالتالي يكون اكتساب لغة الأم بتفاعل مقتضيات معرفية مع جهاز تشريحي عصبي نفسي ينتج في النهاية لغة خاصة مكتسبة من البيئة المحيطة.
ويقول ” رونالد لانجلر ” في كتابه “اللغة وبنيتها” أن اللغات تتغير ولا تتدهور كسائر ما في الكون، فسائر الشعوب التي تنطق إذاعاتها وتلفزيوناتها بالعربية تخلت عن حرف ” القاف ” لصالح ” الهمزة ” ( قال ـ أل ) أو ”الجاف) “ قويدر ـ جويدر) أو ” الغين ” عند السودانيين ( قادر ـ غادر) كما أن ” الضاد ” اختفى بعد أن تحول إلى ” دال ” رغم أنها لغة الضاد، والعرب فى العصور الوسطى تخلصوا من ”الهمزة“ لصالح ”الواو (نأى – نوى) أو لصالح ”الياء“ (ذئب / ذيب ) أو حذفوها ( سماء / سما )
ومما لا شك فيه أن بيومى قنديل بذل جهدا علميا غير مسبوق، وفتح أرضا فى مجالات تاريخ اللغة، وكمدخل لتوضيح رؤيته يشير إلى انقسام المتعلمون المصريون اذاء قضية اللغة المصرية إلى قسمين كبيرين. هم:
بيومي قنديل
الأثريون: الذين ينظرون إلى اللغة المصرية باعتبارها لغة وميتة.
•اللغويون: الذين يدافعون عن اللغة العربية / الفصحى، ويعتقدون اعتقادا أرسخ من الجبال، أن ” العامية ” ليست سوى لهجة تنتسب للعربية.
وبيومى يطرح فرضياته العلمية على شكل مجموعة من الأسئلة:
ما هو السر فى أننا نقول بالعامية( أقعد /همسة – جبنة / حلوم – بنها / العسل ) أتكون اللغتان المصرية والعربية، قد بلغتا فى وقت مرحلة التوازن على المستوى الدلالى،وأصبح المصرى يقول الكلمة بلغة ومرادفها بلغة أخرى ؟ فأقعد بالعربية تعنى كفعل أمر بالقبطية ” همسا ” وجبنة بالعربية تعنى ” حلوم ” بالقبطية، وهكذا. وكان المتكلم خشية أن يكون المخاطب يجهل أحد اللغتين ينطق الكلمة باللغة العربية وأيضا بالقبطية ليفهم هؤلاء وأولئك.
ما السر فى انتشار النفى بالعامية علىمنوال الـقـبطية، وليس على منوال العربية ( مـا ـ أعرف ـ هو ـ ش ) بينما تجرى بنية النفى فى اللغة العربية على نحو آخر ( لا ـ أعرف ـ هـ ).
ما السر فى أن العاميةتثبت العدد ولا تغيره بتغير المعدود ( تلات بنات، تلات صبيان ) بينما العربية تعكس العدد مع الجنس ( ثلاث بنات، ثلاثة صبيان ) وفـقا لقاعدة التوافق العكسى التى تميز اللغات السامية.
كما يتساءل بيومى: هل تنطوى الهيروغليفية على أبجدية أى علاما تشير إلى صوت متفرد؟، واقع الأمر أن المصريين استمروا يكتبون بالهيروغليفية لما يزيد عن أربعة آلاف سنة، و لم يكن أن تظل تلك الحقب دون تطوير، فإذا كانت الكتابة بدأت بنسق بدائى ( علامة = معنى، أو صورة = معنى ) إلا أنها ارتقت إلى النسق المقطعى، ثم إلى النسق الأبجدى / الألفـبائى، بالتوصل إلى حروفها الـ 24 التى تبدأ بحرف ( الألفا، الذى = a ) المشتق من صورة الصقر المصرى، والذى تبدأ به أبجديات الكتابة فى اللغات الحية العديدة فى أرجاء القارات الخمسة. فاللغة القبطية هى نفس اللغة المصرية القديمة مكتوبة بحروف يونانية، ويكون ” بيومى قنديل ” هو أول من اطلق عليها أسم ” اللغة المصرية الحديثة ” دون سائر التسميات السائدة.
فى البداية يشير إلى تعريفات ” كارول ريد ” لما هى اللغة ؟ وما هى اللهجة ؟ حيث يقول ” اللغة عبارة عن نسق من الرموز الصوتية، يستطيع البشر عن طريقها أن يتفاعلوا بعضهم مع البعض الآخر ”
ليس هناك سوى ” التغيير” الذى يعتبر القانون الطبيعى للكون، فكل اللغات تبدأ كلهجات، فالإنجليزية والألمانية والهولندية بدأت كلهجات مشنقة من الجرمانية القديمة،والإيطالية والفرنسية والأسبانية وأصلها المشترك هو من اللاتينية. فيما يتعلق الفارق بين اللغة العربية / الفـصحى، وما يتكلمه المصريون، فليس الأمر مجرد لغة وما يتفرع عنها من لهجات، بل أكثر من ذلك فالأصل بينهما مختلف، والقواعد أيضا مختلفة، وهذا ما سيوضحه بيومى من خلال مجالات علم اللغة وهى:
النحو:كيفية تركيب الجملة (الإعراب).
الصرف: كيفية بناء الكلمة (الصيغ).
الصوتيات: وحدة الصوت وعلاقتها بالكلمة ( طريقة نطق الكلمة).
ففي النحو، تنتمي العربية مثل اللاتينية إلى اللغات التركيبية التي لا تتغير فيها معنى الجملة بتغير ترتيب الكلمات) تحب البنت الوردة / تحب الوردة البنت / الوردة تحب البنت) فالبنت فاعل في كل الأحوال، بينما المصرية تنتمي إلى اللغات التحليلية مثل الإنجليزية والفرنسية ( البنت بتحب الوردة / الوردة بتحب البنت) هنا يظهر الوضوح فالبنت فاعل في الجملة الأولي، والوردة فاعل في الجملة الثانية.
في الصرفيات يشير بيومي إلى أن هناك ميل فطرى لدى النوع البشرى نحو إسباغ النظام على الفوضى، والتحول من التعقيد إلى البساطة، هذا ما نجده في اللغات الراقية مثل الإنجليزية والفرنسية، وهو أيضا ما نجده في المصرية الحديثة ”العامية“ مقارنة مع اللغة العربية الفصحى، وهذا ما توضحه الأمثلة الآتية:
كما أن النوع البشرى في سبيله إلى الرقى بما يتوافق مع الطبيعة التي تسلك أسهل وأبسط الطرق في الوصول إلى الهدف، فأنه ينحو نحو الاقتصاد في بذل الطاقة، هذا ما توضحه الأمثلة الآتية:
وهكذا نرى أن صيغة ” فعالة ” إضافة إلى توحيدها للأمثلة، فأنها تعتبر صيغة أسهل وأبسط من الصيغ العربية المتعددة وكثيرة التغير
كما حققت المصرية الحديثة، قفزة هائلة وهو إسقاطها التصريف عن الاسم الموصول، بينما تحتفظ العربية بست صيغ مختلفة لهذا الاسم
) الذي ـ التي ـ اللذان – اللذين ـ اللتان – اللتين ـ الذين ـ اللواتي )
نجد المصرية الحديثة تستعيض عن ذلك كله بصيغة واحدة هي ” اللى ” وبذلك فأنها لخصت وبسطت الأمر، ووفرت الطاقة المبذولة إلى أدنى حد، هذا مستوى من الرقى والتطور لم تبلغه كثير من اللغات التي تسبغ عليها القداسة وتتسم بقدر كبير من الثبات.
كما يجد المصريون فروقا واسعة بين نطق وكتابة كلمات، مثل نطق “طاها” وكتابتها “طه” وفي كثير من الاختبارات يعجز بعض خريجي الجامعات عن كتابة جمل بالعربية وفقا لقواعدها، والشكوى لا تنقطع حتى من بعض محترفي القول والكتابة من الأذاعيين أو الصحافيين وغيرهم.
هناك تعدد رسم الحرف الواحد وفقا لترتيب وقوعه فى الكلمة ( عـ، ـعـ، ـع،ع )وكذلك ( ح، حـ ).
والافتقار إلى صوائت مستقلة، فالمعروف أن الصوائت الثلاثة ( أ، و، ى ) هى سواكن فى نفس الوقت
من أجل ذلك يقدم بيومى قنديل اقتراح يتضمن شقين.الأول: كتابة اللغة المصرية الحديثة اعتمادا على الحروف القبaطية وخصوصا حروفها السبعة الديموطيقية كأساس لأبجدية جديدة. والشق الثانى: طريقة الكتابة من خلال الأسلوب الذى يكتب به ثلاثة من شعراء العامية المبدعين ( عبد الله النديم، بيرم التونسى، وأحمد فؤاد نجم ) نظرا لتوغلهم فى الإنصات للأميين المصريين باعتبارهم الأكثر اتصالا بالحضارة المصرية القديمة، والانصهار بوجدانهم وروحهم فى تشرب لغتهم المصرية والتفكير بها، وهى اللغة التى تعتبر استمرارا للغة المصرية القديمة.
مهمة بهذه الجسامة تحتاج الى فرق من العلماء والمتخصصين،وكذلك قرار سياسى سيادى من أجهزة الدولة، وبدء تدريس المناهج بهذه اللغة كما فعلت السلطات الأسرائيلية لإستعادة أحياء اللغة العبرية، ويجب أن تتم داخل المعامل الصوتية و بالأساليب العلمية الحديثة، كى تكون لغة أكثر وضوحا فى الذهن وأسرع فى الفهم، يتطابق مكـتوبها مع النطق السليم للكلمات.
لغتنا الجميلة ومين ياخد باله منها ؟: أستكمالا لرسالة جمعية “تحوتى” كلفنى د / السيد نصر الدين لعرض الأفكار الرئيسية لمقالته ” لغتنا الجميلة ومين ياخد باله منها ؟فهو يعتبر أن اللغة العربية هى اللغة الثانية ! فاللغة الأولى لكل المصريين هى “لغة الأم” التى يستخدمونها فى حياتهم اليومية ويعبرون بها عن أفكارهم ومشاعرهم بسلاسة وتلقائية. إنها “العامية المصرية” التى تعتبر جزء من الهوية المصرية والإنتقاص من قدرها إنتقاص من هويتنا ذاتها. ورغم ذلك لاتجد من يرعاها …!؟.
والدعوة لرعاية لغتنا الأولى والحفاظ عليها وتأصيلها ليست ترف فكرى بل هو أمر لازم تفرضه علينا عدة إعتبارات سنعرض لبعضها فيما يلى:-
حقوق الملكية: فلقد نشأت “العامية المصرية” فى رحم المجتمع منذ نشأته الأولى وتطورت على أيدى أفراده فى إستجابة خلاقة لمتغيرات الواقع ومستجداته، أى أننا“أصحابها” و”ملاكها” ملكيتنا لها تمنحها القدرة على التنامى والتطور والتكيف الدائمين. فهى فى إثراء رصيد كلماتها من لغات أجنبية، رأيناها تأخذ من الآرامية “سمسار” و”كشكول” و”بردعة”، ومن العبرية “شاش” و”كاهن” و”مرقة”، ومن التركية “تنبل” و”ترزى” و”كرباج”، ومن الإيطالية “فاتورة” و”صالة” و”أوسطى”. وهى قادرة على “تمصير” تكنولوجيات العصر، فوجدناها تمصر أفعالا من اللغة الإنجليزية مثل:
To Save “يسيف”(يحفظ) و To Hang(يبقى معلّقاً أو غير منجَز) و”يهنج“، لوصف حالته عندما “يعصلج” ويتوقف عن العمل. أما ثانى الإعتبارات فيتمثل فى كون عاميتنا هى التجسيد الحى لإستمرارية ووحدة التاريخ المصرى، فتتبع نشأتها وتطورها مر بستة مراحل هى: مرحلة العصر القديم، مرحلة العصر الوسيط، مرحلة العصر المتأخر، المرحلة الديموطيقة، المرحلة القبطية وأخيرا المرحلة العربية. فالخطوط الهيروغلفية بدأت من (4000 ق.م – 30 ب.م) و الهيراطقية من (2000 ق.م – 100 ب.م) والديموطقية (500 ق.م – 100 ب.م) والقبطية من (100 ب.م – 1100 ب.م)، التى إستخدمت الحروف اليونانية، كما استخدمت حروف اللغة العربية من 800) ب.م). ويمكن رصد كتابات العامية عند إبن دانيال المتوفى سنة 1311م وإبن سودون المتوفى سنة 1457م. و فى القرن السابع عشر بظهور كتاب “دفع العسر عن كلام أهل مصر” الذى يعتبر أول قاموس للعامية لصاحبه يوسف المغربى المتوفى سنة 1610م. كما كتب العالم المصرى / مصطفى مشرفة رواية كاملة باللغة العامية ”قنطرة الذى كفر“ ويمثل رصيد كلمات العامية وتراكيبها اللغوية أبرز دلائل “الإستمرارية التاريخية” ففى مرحلتها القبطية نجد عندما يحبو صغيرنا ويبدأ المشى نقول له “تاتا ”عندما يعطش يقول“النونو” “إمبو” يجوع يطلب الـ “مم” وعندما يشبع يقول “بح” ونكفى على الخبر “ماجور“ ولا تسرنا “كلكعة” الأمور. ونغنى لمولودنا فى سبوعه “حلا آتك، برجا لاتك”و”برجالاتك” مكونة من كلمتين: “برج” وتعنى يفرشح أو يفرد، وكلمة “لاتك” وتعنى قدميك. والقائمة تشمل “بتاو” و”شونه” و”مشنه” و”خٌن” و”شأشأ” و”عنتيل” و”كانى” و”مانى“. وتمتد لتشمل الحوار بين الانسان والحيوان: “حا“.. “عا”.. “شى” … “هس”.. “بس” … “هش“.
ولا يقتصر الأمر على الكلمات بلفظها بل يمتد إلى تراكيبها اللغوية فنحن نقول “راح مصر إمتى؟“ بدلا من “متى ذهب إلى مصر؟”
ونقول “راح مصر ليه؟” بدلا من “لماذا ذهب إلى مصر؟ ”
الشيزوفرنيا اللغوية: نصل إلى الإعتبار الثالث المتعلق بالنظرة المتعالية لموقف “حفاظ” اللغة العربية تجاه لغتنا، الذى يأخذ أشكالا متعددة بدءا من إهمال دراسة صوتياتها وصرفها ونحوها ومرورا بتجنب إستخدامها فى المناسبات الرسمية وإنتهاءا بحرمان طلاب المرحلة قبل الجامعية من دراسة منتجاتها الأدبية التى من أبرز أمثلتها إنتاج شعرائها الكبار بدءا من بيرم التونسى وإبن عروس وإنتهاءا بعبد الرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم ومرورا بصلاح جاهين وفؤاد قاعود، وفؤاد حداد، بديع خيرى. وهم بذلك يخلقون “عالمين لغويين” هما “عالم الفصحى” و”عالم العامية” ليتشتت بينهما فكر وضمير المصريين وتزداد الهوة بين “ثقافة النخبة” و”ثقافة العامة”. ويؤدى هذا كله إلى إنفصام بين عالم القول (اللغة) وعالم الفعل (الواقع) فنتحول إلى “ظواهر صوتية” تستغنى عن الأفعال بالأقوال.
العلاقة بين اللغة والاستبداد: يطرح عالم النفس المصري الشهير مصطفي صفوان اهمية التأصيل للكتابة بالعامية دفاعا عن لغة الشعب، معتبرا ان استعمال الفصحى يمثل رقابة علي التعبير الشعبي العفوي والاصيل , مشددا علي ان العربية لغة نخبوية تقتصر علي الخاصة الذين يكتبون بها في عزلة عن الشعب وقضاياه المعيشية، فهى لغة تخدم حفاظ السلطة علي استبدادها وسيطرتها علي الجماهير لأنها لغة النصوص الرسمية, فالفصحي تعزز الاغتراب عن فضاء الحياة اليومية من ناحية ومن ناحية اخري هي لغة فوقية بل واكثر من ذلك يري ان استخدام العامية هو خطوة باتجاه’ علمنة الدولة’ بالقياس الي ما عاشته اللاتينية في الغرب، مؤكدا أنه لم يكن ممكنا قيام الديموقراطية في أوروبا الا بعد حسم المعركة بين اللاتينية ولغة الكلام الفعلي.
وكان صفوان قد ترجمة ‘عطيل’ لشكسبير للعامية المصرية ضمن مشروعه لكسر احتكار اللغة الفصحي وكان غايته في ذلك رد حق القول الي الجماهير والكلام بلغتها’ وبالتالي استرداد كيانها, لان تبخيس اللغة هو تبخيس للكيان ذاته، كما يؤكد صفوان ان الاستبداد الديني بتحالفه مع الاستبداد السياسي عبر الفتاوي الدينية بما يعززالحاكم يخلق ما يسمي ب’ المستبد العادل ‘.
ويدعوا إلى أهمية توعية المواطنين بمخاطر الخلط بين الدين والسياسة ووتقليل الفجوة بين مواطني المدن ومواطني الارياف وهو دور يتعلق بالتعليم، فالقضية الرئيسية عنده هي محو الامية في كافة مستوياتها سواء كانت امية القراءة او الامية السياسية وهي اهم خطوة لانهاء ثقافة الاستبداد سواء كان باسم السياسة او باسم الدين وترسيخ حق المحكومين في محاسبة الحاكم وكلها امور لا تنفصل عن قضية تحرير المرأة كما لا تنفصل كذلك عن مهمة اكبر لابد ان يتكفل الشباب الثوري بانجازها وهي احترام حق الاختلاف والاتفاق علي قواعد عامة تحكم المجال العام.
نقلا عن مصر المدنية