الأقباط متحدون - أمي الحبيبة الطيبة- والصوم المقدس (الكبير)!!
  • ١٩:٠٧
  • الخميس , ٢٢ فبراير ٢٠١٨
English version

أمي الحبيبة الطيبة- والصوم المقدس (الكبير)!!

د. ماجد عزت اسرائيل

مساحة رأي

٥١: ٠٨ ص +02:00 EET

الخميس ٢٢ فبراير ٢٠١٨

أمي الحبيبة الطيبة- والصوم المقدس (الكبير)!!
أمي الحبيبة الطيبة- والصوم المقدس (الكبير)!!

 د.ماجد عزت إسرائيل

     هذا المقال بمناسبة الذكرى التاسعة على رحيل أمي الحبيبة الطيبة(1931-2009م)،التى تنيحت(توفيت) فى 23 فبراير2009م،فى ليلة بدء الصوم المقدس،  وللعائلة ذكريات من الأحزان مع هذا الشهر مع العلم أن هذا الشهر يحتفل العالم كله بعيد الحب،ولكننى دائما أحب أن انتظر ما بعد الحب،فقد توفى أخى جمال في 10 فبراير 1991م عن عمر 34 عاماً،وأمى وخالتى صابرة محروس يوسف وأبنها عاطف عبد الشهيد،وفي  21 فبراير2017م أيضًا توفى ابن خالتى فخري عبدالله،وكذلك توفى الصديق العزيز سمير سامى معوض فى الخميس 8 فبراير2018م.
 
 الصوم هو أقدم وصية عرفتها البشرية.فقد كانت الوصية التى أعطاها لله لأبينا آدم،هى أن يمتنع عن الأكل من صنف معين بالذات،من شجرة معينة،بينما يمكن أن يأكل من باقى الأصناف،أى أن الصوم هو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن بغرض الاقتراب إلى الله في توبة وإيمان،  وبالإمتناع عن الأكل،يرتفع الإنسان فوق مستوى الجسد،ويرتفع أيضًا فوق مستوى المادة.وهذه هى حكمة الصوم.ولو نجح الإنسان في هذه التجربة،لكان ذلك برهاناً على روحه قد غلبت شهوات جسده،وحينئذ كان يستحق أن يأكل من شجرة الحياة.. ولكنه انهزم أما الجسد.فأخذ سلطاناً عليه.وظل الإنسان يقع في خطايا عديدة من خطايا الجسد،واحدة تلو الأخرى،حتى أصبحت دينونة له أن يسلك حسب الجسد وليس الروح،وجاء السيد المسيح،ليرد الإنسان لإلى رتبته الأولى، لذلك بدأ السيد المسيح خدمته بالصوم،ورفض إغراء الشيطان بالأكل لحياة الجسد،أظهر له السيد المسيح أن الإنسان ليس مجرد جسد،إنما فيه عنصر آخر هو الروح.وطعام الروح هو كلمة تخرج من فم الله،فقال له:" لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ." ولم تكن هذه قاعدة روحية جديدة،أتى بها العهد الجديد،إنما كانت وصية قديمة،أعطيت للإنسان في أول شريعة مكتوبة. 
 
    وهكذا صام الأنبياء ولرسل وما أجمل ما قاله الرب للرشل عن الصوم وعلاقته بإخراج الشساطين:" هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ".ولم يكن الصوم قاصراً على الأفراد،إنما كان الشعب كله يصوم.وكما اعتاد الناس أن يصلوا معا بروح واحدة،وبنفس واحدة،في صلاة جماعية يقدمونها لله،وهذه غير الصلوات الخاصة التى في المخدع المغلق،كذلك فى الصوم.هناك أصوام جماعية لها أمثله كثيرة في الكتاب المقدس نذكر منها على سبيل المثال صوم الشعب في ضيقة أيام الملكة ستير ختى يصنع رحمة،وصوم بندأ عزراء الكاهن،وصام الشعب أيام يهوشافاط،وفى في أيام يوئيل النبى، وصيام أهل نينوى، وصوم كرنيليوس قائد المائة. والصوم هبة من الله ونعمة وبركة،إن الله الذي خلقنا من حسد ومن روح،إذا يعرف أننا محتاجون إلى الصوم،وأن الصوم يلزم حياتنا الروحية لأجل منفعتها ولأجل نمونا الروحى وأبديتنا،لذلك منحنا أن نعرف الصوم ونمارسه، وأوصانا به كأب حنون وكمعلم حكيم.
 
   والصوم الكبير هو 55 يوماً وهو عبارة عن ثلاث أصوام، الأول نعتبره أسبوعاً تمهدياً أو تعويضياً عن أيام السيوت التى لا يجوز فيها الإنقطاع عن الطعام،أما الصوم الأربعين المقدسة، أما الثالث أسبوع الآلام وكان فى بداية العصر الرسولى صوما قائما بذاته غير مرتبط بالصوم الكبير. والصوم الكبير أقدس أصوام السنة،وأيامه هى أقدس أيام السنة،ويمكن القول إنه صوم سيدى،لأن سيدنا يسوع المسيح قد صامه. وهو صوم من الدرجة الأولى،إن قسمت الكنيسة أصوام الكنيسة إلى درجات. والصوم الكبير هو فترة تخزين روحى للعام كله فالذي لا يستقيد روحياً من الصوم الكبير، من الصعب أن يستفيد من أيام أخرى أقل روحانية. والذي يقضى أيام الصوم باستهانة،من الصعب عليه أن يدقق في باقى أيام السنة. 
 
  كانت أمي الحبيبة الطيبة دائما تستعد للصوم المقدس الكبير بداية من صوم يونان الذى مدته ثلاثة أيام، وهو يسبق عادة الصوم الكبير بخمسة عشر يومًا، ويعرف (فطر) صوم يونان بــ "فصح يونان"،ففى هذا الصوم كانت تصوم انقطاعى طوال اليوم وحتى صلاة الغروب، وكانت تحكى لنا عن يونان وتقول أن يونان النبى  رمزاً للسيد المسيح،وتفسر ذلك ببساطة حيذ تذكر قائله:" إذن كما حمل الحوت يونان، وكان يونان حيًا في الحوت علي الرغم من أنه في حكم الميت، فكان الحوت ليونان بمثابة القبر للمسيح الرب، وكما خرج يونان النبي حيًا بعد أن ابتلعه الحوت ثلاث أيام وثلاث ليال، خرج المسيح الرب من القبر حيا من بعد أن ذاق الموت بالجسد".
 
  على أية حال،كانت أمي الحبية الطيبة قبل الصيام بأسبوع تقوم بشراء كل ما يخص الأكل الصيامي، من الفول والعدس والوبية والفاصولياء البيضاء والبطاطس والأرز والشعرية والعسل الأسود –  كان فى الماضىي يخزن فى بلاص ويطلق عليه بلاص العسل الأسود-  وكان من أهم الأكلات الصيامى الفول وكان يقدم عدة طرق منها فول بالزيت والكمون ،وفول بالطماطم، وفول مطبوخ مع طشة الثوم،وأيضًا من الأكلات المشهورة فى مصر والعالم الطعمية(الفلافل)، وبيصارة والفول النابت،وأحيانا لو هناك المحشي الكرنب والفلفل،وكان الحلو شعرية بالسكر، أو الفطير بالزيت والعسل الأسود،أو الحلوى الطحينية،بالإضافة إلى المخلل من الليمون أو اللفت والزيتون، واعتقد أن هذه الواجبات هى أكلات قبطية لها شهرة كبيرة عند الأقباط.
 
 وكانت أمي الحبيبة الطيبة دائما في الصوم الكبير تقول لنا ما جاء في الكتاب المقدس  ما قاله الرب على لسان يوئيل النبي قائلاً: "قدسوا صومًا، نادوا باعتكاف" (يوئيل 1:14، 2:15). أى  تكون أيام الصوم مقدسه، أي مخصصة للرب. هي أيام ليست من نصيب العالم، ولكنها نصيب الرب، قدس للرب. واعتكف ما تستطيعه من الوقت لكي تتفرغ للرب. وكانت تقص لنا أن الصوم المسيحي بناءً على محبته لله ورغبته في التقرّب منه والتذلل والانكسار أمامه طاعة له. لقد التزم شعب الله في العهد القديم بالصّوم كعلامةٍ على تمسّكهم بالله وتعبيرٍ منهم عن خضوعهم لسلطانه وتذللهم أمامه عربون محبةٍ وطاعةٍ له. وكذلك الأمر في العهد الجديد، فللصّوم مكانةٌ هامةٌ في الإيمان المسيحي وفي حياة المؤمن بالمسيح. لقد بيّن الرب أهمية الصّوم  وجدّيته في علاقتنا مع الله، وقد التزم به رسل المسيح والمؤمنون على مرّ تاريخ الكنيسة منذ نشأتها وحتى يومنا هذا، وسيبقى الصّوم حتى مجيء السيد المسيح ثانيةً علامة إيمانٍ ثابتةٍ في المسيح.
 
  وكان لأسبوع الآلام – أخر أسبوع فى الصيام- عند أمي الحبيبة الطيبة مكانة خاصة حيث كانت الأسرة تذهب يوم السيت الذي يسبق أحد الشعانين إلى دير مار جرجس بمنطقة سدمنت الجبل – بلده تابعة لمركز اهناسيا المدينة بمحافظة بنى سويف- وتعيش الأسرة خلال فترة أسبوع الآلام بالدير فى إقامة تامة،حتى يتثنى لكل أفراد الأسرة حضور كل الصلوات والطقوس كاملة أى لا يضيع منها صلاة أو طقس واحد، وكانت الصلوات تقام بكنيسة مار جرجس بالدير،وكان يحضر الآف من شعب الكنيسة، ودائما ما كان يرأس الصلاة المتنيح نيافة الأنبا " أثناسيوس الثانى" (1923-2000م) يوم "خميس العهد" من كل عام حتى نياحته فى 16 نوفمبر 2000م.
 
   أما الجمعة العظيمة أو جمعة يوم الصلب،فكانت أمي الحبية الطيبة تذهب إلى دير الملاك بمنطقة خورشد – هى قرية صغيرة تبعد عن دير سدمنت نحو 3 كيلو مترا – لتحضر الصلاة بكنيسة الملاك ميخائيل، حيث كانت تقام الصلاة على ضوء الشموع في مشاعر روحانية كبيرة، وفي وقت الصلب- كانت الساعة الثالثة فصلبوه (يو14:19) – يتم طفى كل الشموع ، ويكون هناك ضوء ساقط من قبة الكنيسة وهو ضوء خافت، وفي ذات اللحظة تسمع بكاء وترى عيون الحاضرين تنهمر منها الدموع، وبالحق تشعر وكأنك فى أورشليم ساعة صلب المخلص،وأيضًا في لحظة قراءة الأب الكاهن قسمة ذبح أسحق – كاتب هذه السطور حضر وسمع وشاهد على هذه الأحداث – كانت أمى الحبيبة الطيبة تصتحب معها أسرتها كاملة، ربما ليعشوا معها لحظات الآم المخلص، ولتعلمهم الطقوس،ليعرفوا قيمة الفداء العظيم.وبعد إنتهاء الصلاة يشرب بعض الحاضرين الخل،ويأكلون فطير الملاك ميخائيل،وبعدها يعدون إلى دير مار جرجس بسدمنت الجبل ليستعدوا لحضور ليلة أبو غلمسيس بالكنيسة.
 
    وكانت أمي الحبية الطيبة تحضر ليلة أبو غلمسيس، وعقب القداس الإلهي مباشرة تذهب إلى المقابر وهى تقع مجاورة للدير لزيارة الأموات، كانت أمى الحبيبة الطيبة تذكر كل واحد باسمه وهى تقول لكاتب المقال" هنا مقبرة أبوك،أما هذه المقبرة لجدك إسرائيل،أما تلك المقبرة لعمك عبدالله.....،وبعد رحيل أخى جمال تقول وهذه مقبرة للعائلة بها الغالى أخوك جمال" – تم تشيد مقبرة جديدة للعائلة نقل بها جسد أخى  جمال،وبعد نياحة الوالده وضعت بجواره تنفيذاً لوصيته...". 
 
  وفى مساء يوم السبت أى ليلة عيد القيامة المجيد،كانت أمي الحبيبة الطيبة تذهب للكنيسة  لحضور قداس عيد القيامة،وعقب إنتهاء القداس تجتمع الأسرة لتناول الطعام من الماكولات الفطارى اللحوم أو البط أو الدجاج والجبن،وتفرح الأسرة بقيامة السيد المسيح من بين الأموات. وبعدها تعود الأسرة إلى المنزل،وفى مساء ذات الليلية كانت أمي تستعد للاحتفال بعيد شم النسيم، فكانت رحمها الله تستيقظ باكراً، وتقوم بتجهيز الأفطار من الخص والبصل والبيض والجبن والفسيخ، وكان تقول لنا جمعباً قائله: " ربنا لا يقطع لكم عادة وتجمعوا على خير وسلام" ، بالحق رحلت أمي الحبيبة الطيبة يوم الأحد الموافق 23 فبراير 2009م، وتركت لنا ذكريات معها، لا يمكن أن تمحو من الذاكرة. نياحاً لروحك الطاهرة يا أمي الحبيبة الطيبة!!! 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع