قواعد اللعبة الجديدة
مقالات مختارة | عماد الدين حسين
الاثنين ١٩ فبراير ٢٠١٨
ما كان ظنًا عند القبض على سامى عنان رئيس الأركان الأسبق فى 23 يناير الماضى، صار حقيقة واقعة لحظة القبض على عبدالمنعم أبوالفتوح رئيس حزب مصر القوية، مساء ليلة الأربعاء الماضى، مرورا بالقبض على المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق قبله بيومين.
الظن أن الحكومة وأجهزتها تحاول وضع قواعد جديدة للعبة السياسية، وتحاول تحديد خطوط حمراء، تجبر اللاعبين على عدم تجاوزها، هذا الظن تحول إلى حقيقة بالفعل، بعد القبض على أبوالفتوح، وقبله محمد القصاص عضو المكتب السياسى لحزبه، ثم بقية أعضاء المكتب السياسى ليلة الأربعاء قبل أن يتم إطلاق سراحهم لاحقا.
رسالة النظام الاخيرة لمعارضيه أنه حان وقت تطبيق واتباع القواعد الجديدة.
كتبت بالأمس أن القبض على هذه الرءوس الثلاثة الكبيرة «عنان وجنينة وعنان» فى أقل من أسبوعين، يعنى أن النظام لم يعد يخشى إطلاقا من أى معارضة، وربما يراها غير موجودة على الإطلاق، بل هى مجرد شخصيات ناشطة إعلاميا من دون أى قدرة حركية لها على الأرض.
أول قاعدة فى النظام الجديد أن هامش الحركة قد تضاءل كثيرا لدى المعارضة، وما كان مسموحا به قبل شهر لم يعد متاحا الآن. ليس فقط فى عقد المؤتمرات والندوات بل حتى مجرد الإدلاء بأحاديث صحفية، خصوصا لوسائل الإعلام المحسوبة على جماعة الإخوان بالخارج.
القاعدة الثانية: أنه ليس مسموحا بالمرة محاولة إعادة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسى، ولو حتى بصورة غير مباشرة. كما انه لم يعد مسموحا إعادة إنتاج المناخ الذى قاد إلى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١.
والمتأمل لمجمل الصورة الراهنة سيلحظ إغلاق المجال العام من أول قانون منع التظاهر إلى قانون الجمعيات الأهلية نهاية بتراجع هامش الحريات خصوصا الإعلامية، ويرتبط كل ذلك بضعف وهشاشة الأحزاب المدنية. هذا الأمر لم يعد قاصرا على جماعة الإخوان التى تلاحقها أجهزة الحكومة بلا هوادة، ولكن صار منطبقا على كل حركة سياسية أو حتى أفراد يفكرون فى تحدى الحكومة.
وهذا الأمر يرد بوضوح على بعض الشائعات التى ترددت بأن هناك حديثا عن المصالحة.
إذا كان أبوالفتوح نفسه، تم القبض عليه، وهو لا يزال رئيس حزب شرعى ــ حتى هذه اللحظة ــ فهل يمكن الحديث عن مصالحة مع جماعة يصنفها القانون
محظورة وإرهابية؟
القاعدة الثالثة: أن حزب «مصر القوية» لم يعد فى مأمن، وإذا كانت الحكومة قد تركته طوال الفترة الماضية، لتعطى رسالة لكثيرين بأنها تترك هامشا للمناورة، بانها تسمح بوجود حزب يضم بعض الإخوان الذين انشقوا على الجماعة أو تركوها لخلافات معها، لكن بعد القبض على أبوالفتوح، فإن هذا الهامش مهدد بالتلاشى، ومما يلفت النظر أن الحزب قرر تعليق أنشطته لمدة غير محددة، كما أن بعض أعضاء المكتب السياسى، قالوا إنهم فكروا فى تجميده قبل أن يتم الإفراج عن أعضاء المكتب السياسى.
القاعدة الرابعة: أن الهامش الذى كان متاحا للحريات الإعلامية يتراجع بصورة فادحة، ليس فقط مقارنة بما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١ أو حتى ٣٠ يونية ٢٠١٣، ولكن مقارنة بشهور قليلة مضت، ويرتبط هذا العامل مع أزمة اقتصادية طاحنة تضرب صناعة الإعلام بصفة عامة، وسيطرة الدولة على بعض وسائل الإعلام.
القاعدة الخامسة: أن الحسابات التى كانت تضعها الحكومة للخارج قد تراجعت وتقلصت.
الحكومة جمدت اتخاذ قرارات كثيرة فى الماضى، حتى لا تثير غضب الخارج، خصوصا فى الكونجرس الأمريكى والبرلمان الأوروبى. لكن قرارات الأيام الماضية، تشير إلى أن هذا الحاجز قد سقط. لسان حال الحكومة يقول إن الواشنطون بوست والنيويورك تايمز وبعض وسائل الإعلام الغربية وكذلك المنظمات الحقوقية مثل «هيومان رايتس ووتش» تهاجم وتنتقد الحكومة ليل نهار حقا وباطلا، وبالتالى فما الذى سيجد فى هذه الحالة؟!!.
ختاما قد يسأل سائل: وما رأيك فى كل ما سبق؟!.
الإجابة بسيطة وهى أن على الحكومة أن تفكر ألف مليون مرة، وهى تغلق العملية السياسية «بالضبة والمفتاح». لا أحد يعارض تطبيق القانون على أى شخص أو حزب، لكن حشر الناس جميعا فى الزاوية، قد يدفعهم لأعمال انتحارية قولا وفعلا طالما أن الأمل صار مفقودا فى ممارسة أى أعمال سياسية مشروعة، إذا أغلقت الحكومة غرفة عليها أن تفتح طاقة للضوء حتى لا تنتشر العتمة وتسود.
نقلا عن الشروق