الكاتب:يوسف سدهيم
التحديات والاستفزازات والتحرشات التي تتعرض لها مصر كل يوم تملي علينا أن ندعو لقيادتها السياسية والعسكرية والأمنية بأن يسبغ الله عليها كل الحكمة والبصيرة وحسن التدبير لئلا تنجرف وراء المؤامرات المحمومة التي تستهدف الإيقاع بها… فمن يتأمل ما يحدث في المنطقة حولنا لن يفوته رصيد التمزق والدمار المستشري في دولها وكيف أنه بات يحيط بنا من كل جانب حتي أنه لا يعسر عليه إدراك كم العصبية والحنق الذي يعتري دولا كبري -بل عظمي- بعينها لفشلها في الإيقاع بمصر وكسرها لتلحق بخطة تدمير وتفتيت الشرق الأوسط.
المشهد من حولنا بائس بجميع المقاييس, بدءا من العراق الذي تم تدميره وتمزيقه بفعل الصراعات الشعبية والنعرات الطائفية ثم من جراء الغزو الأمريكي والقضاء علي جيشه القوي ثم خلق داعش لتعيث فيه فسادا حتي خرج أخيرا يترنح ويبحث عن ملامح الدولة لعله ينجح في إعادة بنائها علي أطلال التشرذم والدمار… ثم تأتي سوريا التي عانت من ذات السيناريو الكارثي الذي بدأ بتأجيج الطائفية والتناحر الشعبي فالانقسام والحروب بين الجيش السوري وعدة فصائل مسلحة مدعومة من وراء الستار من ذات الدول الكبري والعظمي التي تآمرت علي الإيقاع بسوريا بعد العراق, ولم يخل الصراع من تأسيس فرع داعش في سوريا ودعمه حتي تمكن من حوالي ثلث مساحة سوريا… ولم يخمد الصراع وتهدأ نار الحرب ويتم كسر شوكة الفصائل المسلحة ودحر داعش إلا بعد إتمام تدمير سوريا وتشريد جزء لا يستهان به من شعبها, وها هي السلطة الشرعية في سوريا والجيش السوري يلعقان جراح المعارك ويلملمان مخلفات الدمار لإعادة بناء الدولة مع من بقي من شعبها.
أما الأسوأ من العراق وسوريا فهو ما حاق بليبيا وكأنه مكتوب علي المنطقة العربية أن تتعاون مع مؤامرات كسرها وتدميرها, فلم يكفنا أننا لا نقرأ التاريخ ولا نتعلم من دروس الماضي حتي عجزنا أيضا عن قراءة الحاضر وتفادي الانجراف نحوه فما أن انهار النظام الدكتاتوري القمعي لقذافي ليبيا حتي انفرط عقدها وتحولت إلي اللادولة وتراجعت إلي العصر القبلي ومناطق النفوذ والجماعات المسلحة المتناحرة حتي باتت ملاذا جذابا لتأسيس فرع داعش في ليبيا علاوة علي المقاتلين المرتزقة من دول الوسط الأفريقي… وأصبح من المضحك المبكي وسط كل ذلك أن نسمع بين الحين والآخر تعبيرات الحكومة الليبية والجيش الليبي والبرلمان الليبي وهي تعبيرات خادعة تشير إلي أن هناك دولة بينما الذي يحدث علي الأرض شئ مختلف تماما.
يضاف علي ذلك الحرب الأهلية التي تعصف باليمن والتمزق الذي يحيق بالسودان والذي أدي إلي بتر جنوب السودان منذ سنوات عن الجسد الأصلي ويهدد ببتر دارفور في الشرق أيضا… وأكرر أن كل ذلك ما كان له أن يحدث وينجح ويتكرر إلا لأن غفلة الشعوب وحماقتها وصراعاتها تناغمت مع مؤامرات الدول الكبري لتدمير المنطقة والقضاء عليها.
ثم تأتي آخر المحاولات المسعورة لضرب مصر… مصر الصخرة التي تحطمت عليها كل المؤامرات وجن جنون الدول الكبري أمام تماسك شعبها وجيشها وعندما أدركت تلك الدول استحالة شق مصر من الداخل لجأت إلي توجيه الضربات تلو الضربات لها من الخارج… بدأت بحرب الأنفاق من الشمال الشرقي علي الحدود مع غزة وما صاحبها من تسلل الإرهابيين والأسلحة إلي سيناء والمحاولات المستميتة لتهديد الأمن القومي والجيش المصري وادعاء تأسيس إمارة سيناء الإسلامية المستقلة, وكان المسكوت عنه في ذلك المشهد البغيض تواطؤ وتورط حكام قطاع غزة التابعين لمنظمة حماس في تلك المؤامرة وقبولهم أن يستخدموا كمخلب قط لتنفيذ أغراض دويلة قطر الداعمة للإرهاب والتي تدر عليهم مليارات الدولارات ثمنا لذلك, علاوة علي خدمة السياسة الإسرائيلية في عرقلة جميع الجهود لتحقيق المصالحة الفلسطينية من أجل إعطاء الذريعة لإسرائيل للتنصل من مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية.
لكن كل تلك المؤامرات والمكائد الشيطانية لم تنطل علي القيادة السياسية المصرية التي تحلت بضبط النفس وبالحكمة وعدم الانسياق وراء الاستفزازات وعدم الانجراف في صراعات مسلحة مع قوي الشر في الجوار سواء الشمال الشرقي أو الغربي أو الجنوبي… حتي تفتقت أخيرا عبقرية الشر علي استفزاز مصر عن طريق تركيا… تركيا التي لم يكفها خلق محور العداء ضد مصر مع قطر وضلوعهما في استضافة وحماية أقطاب الإرهاب المتآمرين علي مصر… تركيا التي تورطت في دعم داعش وتسليحه في سوريا وتهريب مقاتليه من مناطق الحرب عندما حاقت بهم الهزيمة… تركيا التي لم تتورع عن الإعلان عن عزمها تأسيس نقاط ارتكاز عسكرية لقواتها في قطر وفي السودان في جر شكل واضح لمصر… تلجأ تركيا مؤخرا إلي التحرش بمصر بإعلانها عن عدم اعترافها باتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر وقبرص طبقا لأحكام القانون الدولي لأعالي البحار والمودعة لدي هيئة الأمم المتحدة منذ أربع سنوات, تلك الاتفاقية التي حصدت مصر ثمارها في حق التنقيب عن الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط والاكتشافات المبهرة التي نتجت عنه في حقل ظهر… الآن وبعد سكوت أربع سنوات علي اتفاقية ترسيم الحدود تخرج علينا تركيا بتصريحات أقل ما توصف به أنها بلطجة وقرصنة سياسية لجر شكل مصر واستفزازها والتحرش بها… ودعوني أكرر أن رائحة المؤامرة التي تباركها الدول الكبري والعظمي ملموسة بوضوح في كل ذلك لأن تركيا دولة عضو في حلف الأطلنطي الذي تقوده أمريكا ولا تجرؤ علي الإقدام علي هذه الأفعال الشيطانية دون الحصول علي الضوء الأخضر وإلا تعرضت لتقليم أظافرها من دول الحلف وقيادته.
حرصت علي استعراض هذا المشهد البغيض المفزع الذي يحيط ويحيق بمصرنا الغالية لأؤكد أن وحدة شعب مصر وجيشها وأمنها هي الصخرة التي ستتحطم عليها سائر مؤامرات الشر… ولأدعو بالحكمة والبصيرة وحسن التدبير للقيادة السياسية وهي تتعامل مع التهديدات والضربات التي تأتينا من كل حدب وصوب.