الخوارج الجدد.. الطابور الخامس فى الإسلام
مقالات مختارة | بقلم : أحمد المسلمانى
٤٠:
٠٩
م +02:00 EET
السبت ١٧ فبراير ٢٠١٨
لم يبدأ الخوارج القدامى عملاءً لجهات خارجية، أو أعواناً لأعداء الأمة.. لكنّهم انتهوا كذلك.
كانت البداية.. جدلاً حول الفقه والشرع، وكان المآل واقعاً مأساوياً.. يستهدف الدولة والأمة فى الإسلام.
لقد بدأ «الخوارج الجدد» من حيث انتهى الخوارج القدامى.. يعملون على التدمير الذاتى لشعوب المسلمين.. ويدفعون بجدول أعمال الأمّة إلى الوراء.. خارج العصر وخارج العلم.
أصبح «الخوارج الجدد» بما يطرحون من «أيديولوجيا الدمّ»، وما يمارسون من عمليات الإنهاء المنظم للجغرافيا والتاريخ.. مدداً لا ينتهى لأعداء الدين.. بحيث إنّه لم يعد لديهم ما يحتاجون عمله.. بعد أن تكفّل «قطيع التطّرف» بتخريب حدائق الإسلام وديار المسلمين.
لقد أسهبت مراكز الدراسات فى سرد العلاقات المباشرة وغير المباشرة لجماعات الغلو والتطرّف وتنظيمات العنف والإرهاب بالكثير من أجهزة الاستخبارات والمؤسسات السياسية والاقتصادية خارج العالم الإسلامى.
كما أنها أسهبت فى عرض الكثير من التوافقات والاتفاقات بين أجهزة أجنبية وبين تلك الجماعات فى أكثر من دولة، وفى أكثر من ميدان.
ما بين توظيف منذ اللحظة الأولى وبين اختراق فى اللحظات التالية.. مضت جماعات التطرّف والإرهاب.. تعمل بالتوازى مع أعداء الأمة فى صناعة حرب أهلية عالمية داخل الإسلام، وفى تعطيل الأجيال المسلمة عن مسار التطور والتقدّم.. حيث تضاعفت المسافة بين واقع أمتنا وواقع العالم.. بين الخنادق والأنفاق وكهوف الجبال.. وبين علوم الفضاء واستشراف آفاق الكون.
يرى «الخوارج الجدد» ما رآه «الخوارج القدامى» من أن كل ما هو خارج عنهم هو خارج عن الإسلام. وأنّه لا صلاة ولا صيام ولا إيمان لمن لم يكن جزءاً من الجماعة.. وعضواً فى «الفرقة الناجية». فى هذا السياق جرى تفجير المساجد، وتوالت مذابح الساجدين، كما جرى قتل علماء دين وذبح أتقياء وعابدين.
قام «الخوارج الجدد» بتدمير مكانة العلوم الإسلامية والعلماء المسلمين.. وعملوا برؤية حازمة على تخريب صورة الدعاة والخطباء.. بحيث لم يبقَ شيخ لم ينالوا منه بسوء.
كان المشهد أمام أعداء الإسلام ناجحاً تماماً.. ذلك أن الإسلام باتَ بنظر الكثيرين ديناً لسبْى التلميذات من المدارس وبيعهن فى سوق النخاسة، وديناً لتفجير المستشفيات وتفخيخ سيارات الإسعاف.. ثم إعادة قتل الموتى عبر نسف الجنازات!
بات الإسلام أيضاً بنظر الكثيرين ديناً لتدمير البنية الأساسية.. ردم قنوات المياه، وإسقاط الجسور، وتفجير أبراج الكهرباء.. وتلغيم الطرق والمواصلات.. واستهداف كل المنشآت.. من رياض الأطفال إلى المسجد الحرام!
إن تلخيص ذلك كله يكمن فى سعى «الخوارج الجدد» إلى إلغاء أيّة احتمالات لاستئناف المشروع الحضارى الإسلامى.. إن الخوارج الجدد هم الطابور الخامس الحضارى.. إنهم يملكون رسالة مضادة لحضارتنا.. إنهم ببساطة: المشروع اللاحضارى الإسلامى.
لقد عرضت فى كتابى «الجهاد ضد الجهاد» جوانب عديدة من فكر «الخوارج» القدامى والجدد.. إنها قصة طويلة.. ومفزعة، قصة الجهاد فى سبيل الذات.. باسم الجهاد فى سبيل الله!
إن الصراعات والمزايدات بين الحركات الإسلامية «لا نهائية» وسوف يُصدم القارئ إذا حاول أن يعرف رأى الإسلاميين فى الإسلاميين ورأى الجهاديين فى الجهاديين.. كل فرقة تهاجم غيَرها.. وكل جماعة تلعنُ أختَها!
إنهم يجدّدون طريق النهاية.. ويُعيدون إنتاج التخلف والفشل.. وهم هذه المرة يجدون تربة أكثر خصوبة، ودعماً أكثر قوة.
لكن الفكر الإسلامى لم يعرف يوماً.. ذلك الاستسلام إلى راحة اليأس.. أو ذلك التسليم بالهزيمة الحضارية. ومن الواجب أن تمضى نخبة الأمة فى طريقها لاقتلاع التطرّف والغلو، ومواجهة العنف والإرهاب.. وتقديم الوسطية الإسلامية والتقدّم العلمى والتكنولوجى أساساً للمشروع الحضارى الجديد.
لم يحدث يوماً أن انتصرت اللاحضارة على الحضارة، وما سيحدث -يقيناً- هو هزيمة الخوارج الجدد، كما انهزم أجدادهم القدامى.. سيسقط المشروع اللاحضارى ليحيا المشروع الحضارى للدولة والأمة.
سينهزم الخوارج ويولون الدبر.. ستنتصر أمتنا وسيسقط الطابور الخامس فى الإسلام.
(من ورقة بحثية.. مقدّمة إلى المؤتمر العلمى الدولى «واقع الأمة الإسلامية فى ظل تحديات الغلو والتطرف العنيف» - نواكشوط 2018)
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر
نقلا عن الوطن