فى الحب.. ابدأ بنفسك
مقالات مختارة | مي عزام
الاربعاء ١٤ فبراير ٢٠١٨
(1)
أنا من المؤمنات بالحب، وأجده أجمل المشاعر الإنسانية، وأكثرها جلبا للمتعة والسعادة، حين أسرح بخيالى وأتذكر أحبتى، أشعر بالامتنان لوجودهم فى حياتى، وتغمرنى السكينة. الكاتب والفيلسوف الإنجليزى برتراند رسل له كتاب عن السعادة يذكر فيه الحب على اعتبار أنه من أهم أسبابها فيقول: «ليس من السهل أن نوجز الأسباب التي تدفع الإنسان إلى الإيمان بقيمة الحب، ولكن ذلك لن يمنعنا من المحاولة، الحب مصدر من مصادر الارتياح، وفقدانه سبب مهم من أسباب الألم، كما أن الحب يزيد من قيمة المتع الأخرى، كالموسيقى، وشروق الشمس من وراء الجبال، وأشعة القمر المنعكسة على سطح البحر، والرجل الذي لا يمتع نفسه بمثل هذه الأشياء الجميلة والبسيطة وهو في صحبة امرأة يحبها يكون قد حرم نفسه من التأثير السحرى الذي تحدثه هذه الأشياء. الحب عامل مهم في تحطيم نطاق الأنا، لأنه يتضمن في حد ذاته تعاونا بيولوجيا تصبح فيه عواطف الفرد ضرورة لتحقيق الرغبات الغريزية لفرد يكمله، الإنسان يعتمد في حياته على التعاون، والحب هو أول مظهر من مظاهر العاطفة التي تؤدى إلى التعاون. الحب ليس فقط معين لا ينضب من السعادة، لكنه أيضا منظار معظّم يجعلنا نستمتع بما كان بعيد المنال عنا».
(2)
الحب، شعور ينمو وينتعش فى الرحابى وتكبله القيود، فرض هيمنة طرف على الآخر ومحاولة تغييره ليكون غير ما هو عليه، أكثر الأشياء التي تقتل الحب وتكتب له شهادة وفاة سريعة، الكاتب الإيطالى فرانشيسكو البريونى له كتاب بعنوان «الوقوع في الحب» يشبه فيه الحب بالثورات التى تحدث تغيرا جذريا فى المجتمعات فيقول: «يمكن تصنيف الحب ضمن ما يسمى الحركات الجماعية التحررية ولكنه يتميز عنها بصفات خاصة. ما بين الحركات الثورية الكبرى على مدار التاريخ والحب صلة قرابة، فطبيعة القوى التي تتحرر وتتصارع من نفس النوع. وهذه القوى تتمثل في التجارب الإنسانية والمشاعر مثل: العناد، النشوة، التمرد، الاختلاف الأساسى بينهما أن الحركات الجماعية الثورية تحتوى على أعداد كبيرة من البشر وتظل الدائرة مفتوحة أمام الآخرين، أما في الحب فلا يضم سوى شخصين، هنا تكون الخصوصية والتفرد».
(3)
كثيرون لم يذوقوا الحب، أشفق عليهم كثيرا، فلقد حرموا من متعة عظيمة، والحب ليس شعورا قاصرا على مشاعر متبادلة بين الرجل والمرأة بل مشاعر فياضة يمكن أن تغطى العالم بأثره، وبدايتها دائما من داخلك، من لم يحب نفسه، صعب أن يحب آخر، إيريك فروم له كتاب بعنوان «فن الحب»، يتحدث فى أحد فصوله عن حب النفس، وأنه البداية الحقيقية للانفتاح وحب الآخر، ويفرق بين حب الذات والأنانية، فالأولى صفة إيجابية فى حين أن الثانية سلبية. يذكر أن حب الإنسان لنفسه يأتى فى المقدمة، فحياتى يجب أن تعتمد فى المقام الأول على حبى لذاتى، التى أوليها الرعاية والاهتمام والاحترام والمعرفة، إذا ادعى شخص أنه يحب الآخرين فقط دون نفسه فإنه مخادع فهو لا يستطيع أن يحب على الإطلاق.
ويضيف قائلا: «الاهتمام بالذات والاهتمام بالآخرين وجهان لعملة واحدة، لكن الأنانية وحب الذات ليسا شيئا واحدا كما يتصور الناس. الأنانية وحب الذات أبعد ما يكونا عن التماثل، إنهما ضدان بالفعل. الشخص الأنانى لا يحب نفسه كثيرا بل يحبها قليلا جدا، إنه فى الواقع يكره نفسه، وهذا الافتقاد للإعجاب والرعاية لنفسه، يتركه خاويا محبطا، إنه بالضرورة غير سعيد، وهو مهتم فقط بأن يمتلك من الحياة الإشباع الذى يتصور أنه يسد جوع نفسه .إنه يبدو أنه مهتم أكثر مما يجب بنفسه، لكنه فى الواقع لا يبذل سوى محاولة فاشلة لتغطية وتعويض فشله فى العناية بنفسه الحقيقية».
(4)
الأشخاص الأنانيون عاجزون عن حب الآخرين، لكنهم ليسوا قادرين على حب أنفسهم أيضا. ويستعين إيريك فروم بعبارة لـ«إيكهارت» ينهى بها حديثه عن حب الذات: «إذا أحببت نفسك فقد أحببت كل شخص آخر كما تفعل إزاء نفسك، وطالما أنك تحب شخصا آخر أقل مما تحب نفسك فلن تنجح حقا فى حب نفسك، ومن ثم فهو شخص عظيم ذلك الذى يحب نفسه ويحب جميع الآخرين على حد سواء».
إنها نفس معانى حديث الرسول الكريم: حب لأخيك ما تحب لنفسك.
(5)
نحتاج أن نتذكر الحب، ليس لأن العالم يحتفل بعيد الحب، لكن لأننا كمصريين فى أمس الحاجة لاستعادة الحب والود الذى افتقدناه فيما بيننا، وابدأ بنفسك..
نقلا عن المصري اليوم