ما بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية
مقالات مختارة | بقلم : أحمد أبودوح
٤٧:
٠٤
م +02:00 EET
الاثنين ١٢ فبراير ٢٠١٨
غير صحيح أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية شيء غير متوقع. الحادثة تمثل أمرين معاكسين، لكنهما متشابهان لدرجة التطابق، وهما أن إيران لا تنوي الخروج من سوريا، وأن إسرائيل مستعدة للوصول إلى أبعد نقطة من أجل إخراجها.
ثمة درس تاريخي تعلمته إسرائيل بتكلفة عالية. يوم السادس من أكتوبر عام 1973 كان يومًا فارقًا في تغيير العقيدة العسكرية الإسرائيلية للأبد. تعلمت إسرائيل في هذا اليوم، الذي مثّل بالنسبة لها تهديدًا وجوديًا غير مسبوق، أن تكثيف حضور عسكري متطور بالقرب من حدودها أمر لا تستطيع تحمل عواقب التسامح معه.
من الممكن أن يوظف حزب الله في لبنان خطابًا شعبويًا معتمدًا على ترسانة ضخمة من الصواريخ التي يمتلكها كما يشاء. لكن هذا لا يعني أن هذه الترسانة تمثل فعلاً أي تهديد حقيقي على إسرائيل كدولة أو على قدراتها العسكرية.
التغير الاستراتيجي الكبير بالنسبة لإسرائيل، والولايات المتحدة أيضًا، هو إيران. أزمة إسرائيل مع إيران هي أنها تحاول تغيير موازين القوى في هذه المنطقة، ومن ثم وضع نهاية لعقيدة إسرائيلية ظلت ثابتة منذ تدمير سلاح الجو الإسرائيلي للقدرات الدفاعية السورية عام 1982.
لطالما كانت الولايات المتحدة الضامن الرئيسي للعقيدة الأمنية الإسرائيلية. دور الضامن يشترط وجود الولايات المتحدة في المنطقة أولاً قبل أن تستطيع ضمان أي شيء.
طوال 7 أعوام، أثبتت الحرب في سوريا أن الولايات المتحدة لم تعد تجني من تواجدها في هذه المنطقة سوى الاسم فقط، وأن روسيا تمكنت من التحول إلى القوة المهيمنة الوحيدة في البر والبحر والمجال الجوي السوري.
أنتجت هذه الحقيقة، التي ترسخت منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015، انقلابًا حادًا في موازين القوى الدولية في المنطقة، وصنعت من روسيا القطب الموازي للولايات المتحدة في مشهد يأخذ شكل حقبة الحرب الباردة، ويتجاهل مضمونها.
مشكلة إسرائيل اليوم هي أنها لا تريد لتبدل موازين القوى بين الولايات المتحدة وروسيا أن ينعكس تبدلاً مقابلاً في موازين هذه القوى بينها وبين إيران.
إسقاط الطائرة الإسرائيلية ليس عملاً مفاجئًا، لكن التوقيت هو المفاجأة. السؤال اليوم بات: لماذا استهداف هذه الطائرة بالذات، بعد أكثر من 100 غارة إسرائيلية منذ عام 2015 وإلى اليوم؟
إسرائيل لا تريد البحث عن أجوبة لأنها تعلم مسبقًا أن الحادث يعكس وقوع ما كانت تخشاه طوال السنوات الماضية، وهو تبدل المزاج الروسي. في النهاية الطائرة أسقطت بواسطة صاروخ روسي الصنع، وبعد أيام قليلة من إسقاط طائرة روسية بصاروخ أمريكي فوق إدلب، واستهداف القوات الأمريكية الداعمة لـ«قسد» لميليشيات حليفة للنظام في محافظة دير الزور.
لماذا إذن تحافظ روسيا على التزامها تجاه ترتيباتها العسكرية والأمنية مع إسرائيل، في وقت لا تظهر فيه الولايات المتحدة استعدادًا لقبول أي تفاهمات، وتصر على الاحتفاظ بالمناطق الغنية بالثروة واحتياطات الطاقة في شمال سوريا؟
ما الدوافع الكافية التي قد تجعل روسيا تعارض عملية عفرين التركية أو تحمي الحدود الإسرائيلية بالوكالة، طالما أن الغرب مستمر في ممارسة ضغوط كبيرة على نظام الرئيس بشار الأسد في إدلب وغوطة دمشق؟ ما هو المقابل؟ لماذا تتحمل روسيا دفع ثمن إخراج إيران من سوريا قبل نضج أي حلول جذرية للمسألة السورية برمتها؟
إدارة إيران لهذه الحادثة تعني أن وجودها في سوريا يتحول مع الوقت إلى ورقة ضغط في يد الروس. القوات والميليشيات التابعة لإيران في سوريا باتت تشكل عبئًا على روسيا، لكنها في الوقت نفسه مصدر خطر أكبر على مصالح الولايات المتحدة وأمن إسرائيل.
التوصل إلى حل نهائي للصراع السوري أشبه بعملية تجميع لمكعبات متناثرة مع بعضها لتحديد ملامح واضحة لهذا الحل. جولة وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، هي محاولة أمريكية للتعرف على التغيرات التي تسارعت في المنطقة أثناء غياب الولايات المتحدة عنها. ربما لا تكون واشنطن مدركة أن الجولات الدبلوماسية لم تعد مناسبة في منطقة أقل أداة تفاهم بين اللاعبين الرئيسيين فيها هي الصواريخ والطائرات ونيران المدافع.
حتى الوظيفة التاريخية، وهي حماية أمن إسرائيل، يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على القيام بها. سماح الروس للسوريين والإيرانيين بإسقاط طائرة إسرائيلية هو اختبار روسي للأرض واستكشاف لردود فعل الأمريكيين، قبل بناء خيارات قد تكون تصعيدية أو قد تشمل تبني التهدئة.
رسالة روسيا وصلت إلى إسرائيل والولايات المتحدة بأن تغيير قواعد الاشتباك في سوريا مازال في يد موسكو وحدها.
في النهاية هذه حادثة من النوع الذي لا يتكرر كثيرًا. ليس ثمة من يريد التصعيد أكثر من ذلك. لا إسرائيل مستعدة للانزلاق إلى صراع قد يتطلب تدخلاً بريًا في المستنقع السوري بما يعنيه ذلك من خسائر بشرية لا تستطيع تحملها، ولا الروس جاهزين للانشغال بحرب جانبية تعقد حلاً يبدو أن تفاهماته وصلت إلى مراحلها النهائية، على الأقل دبلوماسيًا.
كل الأطراف المنخرطة في الصراع ستتعايش مع مرحلة ما بعد إسقاط الطائرات، الإسرائيلية والروسية والتركية (في عفرين). قواعد الاشتباك تغيرت، واللعب بالنار صار لغة تفاهم عادية بين القوى الكبرى في سوريا.
نقلا عن المصرى اليوم