فى حال الحديث عن شبه جزيرة سيناء، البالغة مساحتها 60 ألف كلم، يجب أن نضع نصب أعيننا طوال الوقت الأطماع الإسرائيلية فى تلك البقعة، التى ارتوت بدماء المصريين على مر التاريخ، ذلك أن أهميتها لا تنطلق أبداً من كونها موقعاً جغرافياً فريداً يقع على البحرين الأبيض والأحمر، أو تاريخاً موغلاً فى القدم يربط قارتى أفريقيا وآسيا، بقدر أهميتها الدينية كأرض مباركة اختصها الله سبحانه وتعالى من ناحية، وثروات نفطية ومعدنية وسواحل بحرية لا تضاهيها أى بقعة أخرى فى العالم من ناحية أخرى، وهو ما يجعلها رصيد مصر الاستراتيجى من النفط والغاز والمعادن، كما أنها تُعد مركزاً لسياحة الغوص والعلاج فى آن واحد، مما جعلها محَطّ أنظار العالم سياسياً، ووجهته سياحياً.
العقيدة اليهودية، أو العقيدة الصهيونية، أو عقيدة إسرائيل الكبرى، تنطلق من تفسير توراتى، يزعم أن حدود الدولة الإسرائيلية تمتد من نهر النيل فى مصر إلى نهر الفرات فى سوريا والعراق، سوف نجده مدوناً على مدخل الكنيست: «ولما تجلى الرب على إبراهام، منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات»، سوف نجده متداولاً فى المناهج الدراسية: «فى ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع أبرام قائلاً: سأعطى نسلك هذه الأرض، من وادى العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات، أرض القينيين، والقنزيين، والقدمونيين، والحيثيين، والفرزيين، والرفائيين، والأموريين، والكنعانيين، والجرجاشيين، واليبوسيين».
هذا المخطط وضحت معالمه مبكراً، منذ تحدث عن المشروع الإسرائيلى، مؤسس الصهيونية العالمية، «تيودور هيرتزل»، عام 1904، وأعلن صراحةً أن حدود دولة إسرائيل تمتد من «نهر مصر إلى الفرات»، وهو ما ردده صراحةً أيضا الحاخام فيشمان عام 1947، فى شهادته للجنة التحقيق الخاصة للأمم المتحدة، وظلت الأمور على هذا النحو حتى عام 2014، عندما تداول نشطاء إسرائيليون على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك» خريطة، وصفوها بـ«مملكة إسرائيل الكبرى»، «مملكة داوود»، وتضم الخريطة مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءاً من السعودية والعراق.
بدا أن المخطط الإسرائيلى قد تعثر على أرض الواقع، على الرغم من رعاية الولايات المتحدة الأمريكية له، انطلاقاً من مزاعم تتعلق بأمن إسرائيل، تم تغيير هذه الاستراتيجية بمخطط آخر ينطلق من تفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة، تقوم على أساس العرق والدين، بما يحقق أيضاً سيطرة إسرائيلية من النيل إلى الفرات، وقد ظهرت بوادر مخطط المنظمة الصهيونية العالمية فى هذا الشأن، منذ عام 1982، من خلال رابطة خريجى الجامعات الأمريكية العرب، وكانت هذه الخطة تحت رعاية أرئيل شارون، رئيس الوزراء، وصحفى يُدعى عوديد يانون.
عوديد يانون كتب عن مصر أنها «تحيا تحت نظم حكم عقيمة، مفلسة، بيروقراطية، تكدس سكانى، شُح موارد، تخلف علمى، نخب ثرية وأغلبية مطحونة فقيرة، محرومة من الخدمات الأساسية، بطالة، أزمة سكن، اقتصاد يشهر إفلاسه فى اليوم التالى لتوقف المساعدات الخارجية، بالتالى يمكن إعادة مصر إلى وضع النكسة خلال ساعات»، واصفاً مصر بـ«الدولة الهشة»، ومؤكداً حتمية عودة سيناء إلى إسرائيل، دون استخدام القوة العسكرية، وإنما من خلال أداء بالداخل يسوق البلاد إلى الانهيار تلقائياً.
المخطط الإسرائيلى فى كل الأحوال يستبعد وجود دولة فلسطينية، ذلك أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، يصر على أن تكون أرض فلسطين التاريخية وطناً قومياً لليهود، انطلاقاً من وعد بلفور. والمتابع للشأن الفلسطينى والإسرائيلى، بشكل خاص فى هذه المرحلة، سوف يكتشف أن هناك تسويقاً عربياً أكثر منه دولياً لضياع القضية، وليس تسويتها.
الأهم من ذلك هو المشروع الكارثى الذى ظهر على السطح فجأة أيضاً، بظهور الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، المسمى «صفقة القرن»، والذى يتضمن الضغط على الفلسطينيين للقبول بالمخططات الصهيونية المشار إليها، والتى لا يقبلها العقل ولا المنطق، إرضاءً لذلك الوافد الأمريكى الجديد، وهو ما يجعلنا نتذكر ذلك اليوم الذى شدونا فيه جميعاً مع الفنانة الراحلة شادية: «سينا رجعت كاملة لينا، ومصر اليوم فى عيد»، ولا أعتقد أن هناك فى مصر مَن يقبل بغير الأعياد بديلاً، ولا بغير سيناء كاملةً أيضاً، ولتذهب خطط الصهاينة ومَن يقف وراءها إلى الجحيم.
اللهم بارك فى مصر وجيش مصر، وعليك بأهل الشر والغدر ومَن والاهم، آمين يا رب العالمين.
نقلا عن المصرى اليوم