حوار مع الكاتب معتز محى الدين
سامح سليمان
٥٥:
٠٢
م +02:00 EET
السبت ١٠ فبراير ٢٠١٨
قام باعداد الأسئلة واجراء الحوار سامح سليمان
س: نرجو تعريف القارئ بشخصكم الكريم ورحلتك مع القراءة وأهم أعمالك؟
- اسمي معتز محي الدين, مصري ومقيم بالقاهرة, من مواليد 1986, أعمل بمجال المحاسبة, وأهوى الكتابة منذ الصغر.. تم نشر مجموعة قصصية لي بعنوان "حظر تبول" في نوفمبر 2017.
بدأت رحلتي مع القراءة مبكرا بقصص الأطفال والمغامرات, ثم استمرت لتشمل قطاعا كبيرا من الأدب الغربي والعربي سواء على مستوى القصة أو الشعر.
س : ما رأيك في الحالة الثقافية لمصر فى الفترة الحالية : أعلام _ سينما _ الأدب بأنواعه ؟
- في رأيي أن ما يمارس في الصحف وبرامج التوك شو يمكننا أن نطلق عليه أي اسم إلا الإعلام, يذكرني هذا الوضع البائس للإعلام بفترة الستينات, حيث كان يتم توجيه رجل الشارع نحو مؤدى يخدم إرادة واحدة؛ هذا عن الجوهر والمضمون الاعلامي, أما عن الممارسة ذاتها فلن نتناول غياب المهنية وخرق ميثاق الشرف الصحفي واستسهال التشهير وإطلاق اتهامات العمالة والتكفير والعهر وما الى ذلك لأن الحديث في هذا يطول.
أما عن السينما؛ ثمة محاولات خجولة لتقديم فيلم جيد من آن لآخر, لكنها لا تكفي بالطبع لكي نشعر أننا بصدد صناعة واضحة المعالم, متنوعة الرؤى والأطروحات..
يذكرني سؤالك عن الأدب باليوم الثامن عشر من اكتوبر عام 2015, حيث كنت أجلس أمام التلفاز أشاهد -مجبرا- مسلسل "آدم وجميلة" لأقرأ خبر وفاة جمال الغيطاني في شريط الأخبار عن عمر يناهز السعبين عاما.. لم يتوقف المسلسل الذي تكمن عبقريته في محاكاة الدراما التركية الساحرة -بل وتقليدها تقليدا- لكي يخرج علينا مذيعا حليقا وسيما يرتدي رابطة عنق سوداء ليخبرنا بوفاة الرجل.. في اليوم التالي عرفت أن الرجل رقد بمستشفى الجلاء العسكري لثلاثة أشهر كاملة في غيبوبة تامة قبل وفاته, دون أن يهتم المذيع -الحليق الأنيق- بإخبارنا شيئا عنه, أخبرت -متأسفا- صديقي "كاتب وصديق مقرب وله عدة أعمال مطبوعة بالفعل" الذي كان يجلس بجواري حينئذ عن الأمر, فقال لي مستفهما "مين جمال الغيطاني ده بقى؟".. في يناير التالي, وفي فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب؛ أذكر أن الخيمة التي استضافت حفل توقيع "زاب ثروت" قد انهارت فوق رؤوس قراءه من فرط التزاحم وشدة التدافع للفوز بتوقيع زاب.. سأكتفي بهذا القدر من الاجابة عن حال الأدب.
س : أيهما أكثر قدره على التعبير و التواصل مع القارئ الرواية أم القصة القصيرة ، و هل أنتهى زمن القصة القصيرة ؟
- الأدب معني بإعادة صياغة الأحداث التي تحمل دلالات تمس واقع ومعاناة القاريء, وتلك الأحداث متفاوتة في إمكانية تناولها بالطول أو القصر, ومن هنا نشأت فكرة "الرواية والقصة القصيرة"؛ وبالتالي فإن كلا من فن الرواية أو القصرة القصيرة له دور في التعبير والتواصل حسبما يقتضي الموقف ويحتمل الحدث. أنت تقرأ في الرواية ما كتبه الكاتب, وتقرأ في القصة القصيرة ما لم يكتبه الكاتب, لذا لا أعتقد أن أي منهما يمكن أن يغني وجوده عن وجود الآخر.
بالطبع تعاني القصة القصيرة من ضعف الإقبال عليها في الوقت الحالي, لكن هذا بسبب اعتبارات تسويقية محضة عند الناشرين, وليس لأن فن القصة القصيرة صار عاجزا عن صياغة واقع القاريء والتواصل معه.
س : هل المثقف العربي عنصر فعال و مؤثر أم مؤدلج و متعال و ألعوبة في يد من يملك المال ؟
- تحتاج الاجابة على سؤالك للإتفاق أولا على المقصود ب"المثقف العربي"؛ فالمثقف ليس هو الشخص المطلع غزير القراءة بالضرورة, وليس هو صاحب المؤلفات ذائع السيط حاصد الجوائز.. وعلى العموم؛ فالانسان العربي إلا استثناء بسيط -وليس المثقف فحسب- صار أسيرا للأيدولوجية, عبدا لمن يملك المال, يمارس التعالي على "من حوله" ليحاول التغلب على عقدة النقص التي خلقها الرضوخ والتبعية والانقياد "لمن هم فوقه".
س : هل تحققت لديك رؤية واضحة حول مشروعك الفكري ؟
- دعني أصارحك بأنني أمارس الكتابة بروح الهاوي, وما يدفعني لها ليس إلا الرغبة في إمتاع نفسي أولا بوضع أفكاري ومخاوفي على الورق؛ أكتب من وجهة نظر ذاتية تماما, ولا أطمح إلا لمناقشة الواقع النفسي والاجتماعي والسياسي لرجل الشارع المصري المعاصر.. أعتقد أن المشروع الأهم –لي خصوصا ولكل كاتب عموما- لابد وان يكون "القراءة", وهذا ما أركز عليه وأضعه في الأولوية دائما.
س : فى رأيك ما أسباب المغالاة عند المتدينين و الملحدين ، و ما رأيك فى مثقفينا ؟
- المبالغة -المؤدية للتطرف- سمة من سمات المجتمعات المتخلفة؛ فالانسان المتخلف -سواء كان متدينا أم ملحدا- أحكامه على الاشياء دائما ما تكون قاطعة ونهائية, لأنها تريحه من عناء التفكير والبحث عن تفسير لأي ظاهرة مجتمعية من حوله, لذا فهو يقولب الناس وسلوكياتهم في أنماط ثابتة جامدة, ويفر لأحكام مطلقة صماء على كل شيء, يتشبث بها, ويدافع عنها, ويتعصب لها, ويوالي ويعادي على أساسها..
ولم يسلم المثقف العربي من الوقوع في فخ التخلف بالمناسبة, فالتخلف أساسا نمط وجود, واسلوب للحياة, لا يرتبط أبدا بمستوى التعليم أو حجم الاطلاع.. لذا فقد تجد المثقفين أنفسهم يتطرفون في آراءهم أحيانا, ويمعنون في الحب والكراهية, والمدح والذم.. شغوفين بالهجوم المطلق, أو التطبيل المطلق, فضلا عن النفعية والانتهازية التي ضربت الوسط الثقافي في جله ومعظمه.
س : ما أهم قضايا المرأة العربية؟ وكيف يمكن حلها؟
- ليس أصعب ما تعرضت له المرأة العربية هو الاستلاب والاختزال والتشييء فحسب, وإنما المأساة تتمثل في استجابتها هي نفسها لهذا, واقتناعها بأنها يجب أن تكون بلا إرادة لتنل استحسان المجتمع "على أساس أنها بهذا تكون مطيعة وهادئة ومسالمة وغير مثيرة للمتاعب", وأنها مجرد شيء؛ له دور ووظيفة ما.. المجتمع العربي مارس المثلنة والتبخيس للمرأة, وهي استجابت لكونها كائنا مثاليا يمثل الامومة تارة, والشرف وسمعة العائلة تارة أخرى, وليس عليه أن يعبر عن بشريته بالخطأ لأن هذا يحط من صورته المثالية السامية التي وضعت فيها؛ وبالتالي فهي لا تسمح لنفسها بالمحاولة أصلا, وتخشى من التعلم عن طريق التجربة والخطأ, واستجابت أيضا للتبخيس, وتعاملت على أنها مجرد جسد يمثل مصدرا للغواية, ومسعى لتفريغ الطاقة الجنسية وانتاج الاطفال, وتعاملت مع نفسها على أنها أنثى ثم أي شيء آخر, وسمحت لجسدها بأن يكون الأداة الأولى في التحقق, والسلاح الأول لكسب المعارك..
استجابة المرأة للإطار الذي وضعها المجتمع فيه, وقبولها بتركيبة تعامل تقوم على المثلنة أحيانا, والتبخيس أحيانا؛ هما أصل المشكلة.. فالمشكلة ليست في أنها مظلومة, ولكن في عدم إدراكها لكونها مظلومة أصلا.
س : هل أنت مع أم ضد مصطلح الأدب النسوي ؟ ولماذا ؟
- أنا ضده تماما.. المصطلح أصلا يتم استخدامه على الأدب المعني بمناقشة معاناة المرأة, وطرح مشاكلها وقضاياها بصرف النظر عن إن ما كان الكاتب رجلا أو امرأة.. وهذا التصنيف في رأيى تصنيفا لا محل له من الإعراب؛ لأن الأدب من المفترض أن يناقش معاناة الانسان بوجه عام..
فضلا عن أن المصطلح نفسه قد اكتسب سمعة سيئة, وبات لصيقاً بقصص متطرفة الطرح, تفترض أن المرأة ملاكا والرجل شيطان على طول الخط, وهذا النوع من الطرح يصنع قالبا من المفترض أن الأدب معني بكسره أساسا, والخروج عن إطاره.. فضلا عن أدب الرومانسية السطحية المنتشر مؤخرا, الشبيه بخواطر المراهقين في كشاكيل المحاضرات. تذكر أن غادة السمان -مثلا- لم تعترف بهذا التصنيف, وانتقدته بشدة.
س : هل أنت مع أم ضد المعالجة الأدبية و الفكرية والفنية للتابوهات ؟
- أهم دور للفن عموما هو كسر التنميط, والتمرد على التابوهات, والخروج عن الأطر والقوالب, وتقديم الانسان كما هو.. الأدب لا يحكم على الناس ولكنه فقط يصفهم؛ يناقش مشاكلهم, ويعبر عن معاناتهم, ويكشف النقاب عن نوازعهم ومخاوفهم, ولا يحاول أن يحكم عليهم بالفضيلة أو الرذيلة..
س : ما هى أهم المعوقات التى يصطدم بها الكتاب الشباب و ما هو تقييمك لظاهرة الأكثر مبيعاً ؟
- أكبر الصعوبات التي تواجه الكاتب الشاب تتمثل في "سياسة النشر"..
الناشر -إلا من رحم ربي- صار لا يهتم إلا بالربح, بصرف النظر عن المحتوى وجودته وتوجهه ومدى تأثيره.. عندما تحول الكتاب لمشروع, مجرد مشروع كالمطعم ومتجر الملابس وصالون الحلاقة؛ صار الزبون دائما على حق, وبالتالي فلابد للناشر من إراحة الزبون, وتقديم ما يرضيه ويسعده ويشعره بالرضا عن مستوى ضحالته وضيق أفقه وضآلة ثقافته.. صار مهتما بتسليته, والحفاظ على الأفكار النمطية المستقرة في رأسه عن الخير والشر والفضيلة والرذيلة.. هكذا لا يجد الكاتب الشاب "الحقيقي وليس المصطنع", والذي يملك فكرة ورأيا ومضمونا ووجهة نظر, ويملك موهبة أصيلة وأدوات متمكن من استخدامها؛ لا يجد لنفسه مكانا في خريطة النشر عند معظم دور النشر.. كما أنه صار يجد صعوبة بالغة في الحصول على المادة الثقافية التي تصقل موهبته, وتزيد خبرته, وتساعده على البحث الروائي؛ لأن دور النشر لم تعد تهتم أصلا بنشرها, وإن وجدها كانت باهظة الثمن فعلا.
أعتقد أن ظاهرة الأكثر مبيعا ظاهرة مهمة, وتستحق الرصد والمتابعة والتوقف بالدراسة؛ لأنها تكشف عن مستوى الذوق العام, وتعبر عن وجهة القاريء ورغبته, لكن من الخلط أن نفترض أنها تعني الجودة بالضرورة.. فلو كان الاكثر تداولا هو الاكثر جودة لكان شعبان عبد الرحيم أفضل من علي الحجار,.. ومن المؤسف أن يقيمك الناشر بحجم متابعة الناس لك على الفيسبوك, أو حجم توزيع كتاباتك ومكانها على أرفف الأكثر مبيعا, وتقييمك على هذا الاساس فقط.
س : هل ما هو رائج الأن من قصة و شعر ورواية يعبر عن الإنسان العربي و أزماته و صراعه مع ضغوط الحياة ومع ذاتة ؟
- الأكثر رواجا لموضوعات الأدب بألوانه يمكننا حصره في "الرعب- والرومانسية", وهو أمر بالقطع لا يعبر بحال من الاحوال عن واقع الانسان العربي, وإنما يعبر عن الواقع الذي يريد أن يفر منه الانسان العربي.. المشكلة ليست في رواية الرعب, او الرواية الرومانسية بقدر ما هي في ركاكة الاسلوب وسطحية الطرح وضحالة التناول وغزارة الانتاج المتكرر والغير متنوع, وهو أمر يشي بأن مستوى التذوق نفسه في انحدار مرعب.. هروب الانسان العربي من الفن الذي يعبر فعلا عنه, ويصف واقعه الى الاسطورة والخرافة والخيال الرومانسي السطحي؛ لهو مأساة أخرى, فضلا عن جودة الانتاج لهذا النوع من الفن أصلا.
س: هل توجد علاقة بين الأدب والعلوم الإنسانية؟ وما هي أهم المهارات الواجب توافرها لدى الكاتب ؟
- قطعا ثمة علاقة وثيقة بين الأدب والعلوم الإنسانية, فالأدب هو إسقاط العلوم البحتة "كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والتراث" على الواقع, وتناول نظريات تلك العلوم بشكل من المفترض أن يكون ممتعا وعميقا, ولابد للكاتب أن يتملك مهارة رؤية دلالة الحدث أولا وقبل كل شيء..
وتلك المهارة هي في رأيي الدليل الأكبر على توافر عنصر الموهبة, والاستعداد لخلق نص أدبي مهم.. كذلك على الكاتب أن يكون قارئا نهما, وأن يحظى بثقافة موسوعية, وأن يكون قد اعترك الحياة, وأن يكون قد خاض التجربة فعلا لا أن يكون فقط قرأ عنها.
إن امتلك الكاتب مهارة إسقاط "النظرية التي قرأها" على "الواقع الذي عاشه" فقد امتلك المهارة الأهم على الاطلاق.
س: ما هى نقاط التميز التى يمتلكها الأدب العربى ؟
- أهم ما يميز الأدب العربي في رأيي هو "اللغة, ومخاطبة الشعور".. العرب أهل بلاغة, يحبون الوصف, ويقدرون اللفظ, ويتوقفون بالتلذذ عند التشبيه, ويهتمون بالمعمار والتركيب والتضافر اللفظي للعبارات والجمل.. وهو الأمر الذي ينقلنا للشعور.. فالأدب الغربي اهتم أكثر بمخاطبة العقل, حيث أنه أدب منبثق من الفلسفة أساسا, أما الادب العربي فقد اهتم في معظمه بمخاطبة الشعور, حيث أنه أدب متشرب بلغة قديمة فصيحة بليغة, ومنبثق من واقع شجي, ومعاناة دائمة للأسف.
س: ما هو تعريفك للمثقف و كيف يمكن بناء جسر بين النخبة المثقفة و البسطاء من الناس ؟
- "الثقف" هو استعدال المعوج من الشيء حتى يظل قادرا على تأدية وظيفته, وله معنى آخر وهو الاكتشاف والإيجاد (واقتلوهم حيث ثقفتموهم: أي حيث وجدتموهم).. وبالتالي يصبح المثقف هو الشخص الذي "يستخدم الحقيقة التي اكتشفها ووجدها في استعدال المعوج من الواقع الذي يعيشه". وهذا لا يقتصر بالضرورة على فئة القراء..
الوسيلة المثلى لبناء جسر بين المثقف والبسطاء هو أن يكون المثقف معنيا بالبسطاء في التعبير عنهم, وتوصيل صوتهم, ووصف معاناتهم, والكشف عن احتياجاتهم..
هل الكتابة هدف أم وسيلة وهل الموهبة وحدها تكفى ليكون الكاتب قادر على صياغة نص جيد ؟
- اعتقد أن الكتابة وسيلة للتعبير عن الواقع, وتفريغ المعاناة, آلة إبداع, أداة للتواصل.. ولا تكفيك موهبتك لكي تكون كاتبا جيدا, ولا حتى لكي تكون كاتبا أصلا.. تحتاج للموهبة في المقام الأول, ثم الايمان بتلك الموهبة والتمسك بها, ثم ممارستها بشكل مكثف شبه يومي, ثم الاطلاع الدائم, والسعي للحصول على حظ وافر من الالمام بكل صنوف الرواية والقصة قديما وحديثا شرقا وغربا, والوقوف على الأسس الفنية والتقنية لصياغة نصا روائيا محكما.