عودة المشاغب «إبراهيم عيسى»
مقالات مختارة | بقلم سحر الجعارة
الجمعة ٩ فبراير ٢٠١٨
لا يستطيع أحد أن ينفى الكاتب والإعلامى «إبراهيم عيسى» من خريطة الإعلام «مقروءا أو مرئيا»، لأنه يمثل تجربة شديدة الخصوصية فى عالم الصحافة، منذ بدأ فى مجلة «روزاليوسف» حين كانت «صوت المعارضة الرسمى»، وكانت فرصته الذهبية فى الصعود- بموهبته- خلال فترة وجود الكاتب الكبير «عادل حمودة» على رأس المجلة.. وهو الذى قال عنه «عيسى»: «كبيرنا الذى علمنا السحر».
سأبدأ من الفصل قبل الأخير، حين كان «عيسى» يقدم برنامجه الشهير على قناة «القاهرة والناس»، وفى كل يوم يطل على الشاشة كنت أتوقع أن يوقف برنامجه، ليس لمعارضته للنظام بل على العكس لموقفه من «التراث الفقهى»، وهجومه المستمر على مؤسسة الأزهر، بمن فيها من علماء ينتمون للإخوان!.
وحين توقف برنامج «عيسى»، كتب هنا فى «المصرى اليوم»، مقالا بعنوان (تصفية إبراهيم عيسى إعلاميا)، قلت فيه إن «عيسى» امتلك من الشجاعة ما جعله يقول فى أحد مؤتمرات الشباب، وفى حضور الرئيس «عبدالفتاح السيسى»: (مفيش دولة فى الدنيا بتسجن فى جرائم النشر غير 3 أو 4 دول، للأسف كلها دول مستبدة وديكتاتورية، ويجب ألا تكون مصر التى نحلم أن تكون دولة دستورية ديمقراطية من ضمن هذه الدول التى تسجن فى جرائم النشر).. ولأن فى هذه الدولة من هم ملكيون أكثر من الملك.. لم يضق صدر الرئيس بكلمات «عيسى» ولكن المؤامرات تحاك من فترة لإسكات أى صوت معارض لسياسات الحكومة والبرلمان!.
توقف برنامجه، لكن لم يستطع أحد أن يخرسه، أو يفرض عليه العزلة، بل خرجت روايته «مولانا» فى هيئة فيلم سينمائى.. وكان «عيسى» قد بدأ كتابة هذه الرواية عام 2009 وهو يعارض الرئيس السابق «مبارك»، وأنهاها عام 2012.
وفى مشهد (ماستر سين) وأثناء استجواب الشيخ حاتم (بطل الفيلم النجم عمرو سعد).. يقف متبولاً فى مواجهة رجال أمن الدولة، وأجهزة الاستخبارات، التى كان أقصى ما فعلته تلفيق تهمة «التشيع» لأقطاب الصوفية.. إنها لقطة يعلن فيها «إبراهيم عيسى» عن وجوده وكأنه يلعن النظام الذى حرمه من جريدة «الدستور» وحكم عليه بالسجن بتهمة إهانة الرئيس «مبارك».. وهو نفس النظام الذى أوصلنا إلى خندق ضيق لا نملك فيه من حرية العقل أكثر من «ثقب إبرة»!.
لقد تعلم «عيسى» الدرس جيدا، واستوعب فكرة أن «الكلمة أقوى من الرصاص»، منذ صودرت جريدة «الدستور»، وقت أن كانت تصدر من قبرص، وعرف أن سبل الوصول إلى عقول الناس وقلوبهم متعددة أهمها الكتاب والجريدة.. رغم أن الإعلام المرئى أكثرها انتشارا!.
ربما يكون «عيسى» من القلائل الذين لا ينشرون محتوى جريدة «المقال» على الإنترنت، لزيادة التوزيع، لكنه يعرف جيدا أن القارئ سوف يبحث عنه ويقرأ له.. ويصدقه.. ويصرخ معه.. ويلعن «مرتزقة يناير ويونيه).. لأن القارئ أذكى من النخبة السياسية، يدرك بحسه الإنسانى وفطرته السوية من يكذب عليه ويقوده كالأعمى.. ومن ينير له الطريق!.
قد اختلف مع «عيسى» فى بعض محطاته المهنية، ففى عهد «مبارك» فتح صفحات جريدة «الدستور» لجماعة الإخوان الإرهابية، وكتب بنفسه عن المرشد العام الراحل «مهدى عاكف».. ربما نكاية فى نظام «مبارك»، وربما تكريسا لمبدأ الليبرالية.. لكن يقينى أن قناعات «عيسى» الفكرية لم تتبدل، منذ نشر كتابه «عمائم وخناجر» وحتى نشر كتابه الأخير «رحلة الدم».. فهو أول من يدرك ارتباط «الإسلام السياسى» منذ تاريخه البعيد بالعنف والقتل والصراع على سلطة.
لا يحتاج «إبراهيم عيسى» شهادة من أحد على موهبته فى (الفكر والفن والدين والسياسة)، ولا يحتاج لبرهان يؤكد أحقيته بأن يتصدر المشهد الإعلامى، المهم الآن هو عودته بـ«حوش عيسى»، دون ضوضاء أو تهليل.. لكنى واثقة أنه بعقله «المشاغب» سيحرك المياه الراكدة.. عاد «عيسى» ليؤكد أن إبعاده كان إساءة لسمعة مصر.. كان سقطة سياسية وغباء ممن يتطوعون لخدمة النظام على طريقة «الدب».. ممن يسعون لفرض إعلام «الصوت الواحد»، الذى لا يتسع إلا لـ«كذابين الزفة» !.
هؤلاء عليهم- الآن- أن يصمتوا، وينصتوا لـ«صوت الحرية» الذى يحتضنه النظام.
نقلا عن المصري اليوم