مصر الشعبية.. فى معرض الكتاب!

 

كانت زيارتى لمعرض الكتاب هذا العام دافعا حقيقيا للبهجة، فهناك رأيت وجوها افتقدتها كثيرا.. رأيت المصريين الحقيقيين.. مصر الشعبية بمعناها الإيجابى.. المصريين البسطاء والمصريين المثقفين.. الشباب القادم لأجل الفضول و(الفسحة) والشباب القادم بنهم للثقافة والمعرفة!

 

أسر كاملة أتت لتقضى يوما فى نزهة جميلة رخيصة وغير مكلفة.. تشترى بخجل أقل عدد من الكتب- حسبما تسمح الميزانية المحدودة والأسعار المرتفعة للكتب-.. فكتاب أو اثنان لكل طفل.. وكتاب بحث عنه ووجده فى جناح سور الأزبكية أقل سعرا.. وكتاب رومانسى تحمله الزوجة بخجل وتضحك بصوت عال «أهو نتسلى».. واقتصدوا ما تبقى من ميزانية (الفسحة) لشراء وجبة من منطقة المطاعم.

 

أعادنى المعرض لسنوات طفولتى حين كان أبى يصطحبنا لشراء الكتب الكثيرة، التى- فى أعمارنا الصغيرة- لم نكن ننتهى من قراءة نصفها.. حتى يأتى العام التالى فنشترى (كسوة العام الجديد من الثقافة) قرأت من مكتبة الأسرة فى طفولتى.. معظم الروايات العالمية ومعظم روايات الكتاب الكبار مثل يوسف إدريس وعباس محمود العقاد ويوسف السباعى ونجيب محفوظ.. تلك الأسماء التى كنا نقرأ عنها فى كتب الدراسة.. صرنا نقرأ لها بفضل معرض الكتاب.. ومكتبة الأسرة تحديدا.

 

فى معرض الكتاب.. ستقابل شبابا وشابات.. بدون تحرش وبدون تصرفات خارجة.. لفت نظرى أرض نظيفة إلى حد ما تعكس ثقافة بشكل ما.. ستقابل فى كل ركن فى المعرض أملاً فى وطن أفضل!

 

وكالعادة.. حين تحب مكانا تغار عليه.. وتغار له.. ربما كانت غيرتى الكبرى.. على طريقة العرض وأسلوبه.. تلك التى لم تتغير منذ إنشاء المعرض.. صالات أقرب إلى الشوادر.. وحالة متردية من الذوق فى طريقة العرض.. وكأنك فى سوق للملابس المستعملة، لا فى عرس ثقافى لكنوز مكتوبة على ورق! وكأن لا أحد يريد أن يستثمر قرشا فى هذا المكان.. وكأن ثمة مسؤولا كسولا جالسا على مقعده منذ عقود قد قال بعدم اكتراث: «الأرض موجودة.. خليهم يأجروا!!» لكن ليس هكذا تدار المعارض الدولية.. إنه معرض القاهرة الدولى للكتاب يا سادة.. معرض عمره 49 عاما، وفى تصنيفات يعد هو الثانى من حيث الحجم بعد معرض فرانكفورت الدولى للكتاب.

 

لقد كنت أعتقد أن مستوى المؤتمرات الرئاسية والدولية سينسحب تأثيره على كل المحافل التى تقام على أرض مصر وباسم مصر.. تستطيع أن توثق كودا للذوق العام ومستوى يليق باسم مصر.. دون الحاجة لأن يكلف نفس الفريق بتنفيذ كل شىء..إنما يصبح بديهيا أن المستوى القديم والركيك لإقامة المعارض لم يعد اختيارا لمصر ولا يليق بشبابها.

 

ولا عزاء للأعذار القديمة.. فأين الرعاة وأين مصادر التمويل المعروفة لمثل تلك المحافل؟

 

لا أعرف القائمين على إدارة المعرض.. لكن فقط أقول لهم: هذا المستوى لم يعد مقبولا.. ويجب ألا نقبل به فى العام القادم الذى سيكون الذكرى الـ50 لإنشاء معرض القاهرة الدولى للكتاب!!.