مرشح رئاسة يا أولاد الحلال
مقالات مختارة | عادل نعمان
السبت ٣ فبراير ٢٠١٨
ما بال الأرحام قد عقرت وعقمت، وما بال الأرض قد جدبت وقفرت، وما بال الضروع قد جفت ونضبت، وما بال العقول قد جهلت وتفهت وسفهت، وما بال القلوب قد أغلقت وقست، وما بال الضمائر قد اعوجت وضلت وانحرفت، وما بال الوطن قد ندرت كفاءاته وخبراته، سواء من أعلى إلى أسفل أو من أسفل إلى أعلى، من الخفير إلى الوزير، ومن الصغير إلى الكبير، حتى خاف الناس من التغيير والتبديل والإصلاح، مخافة أن يأتينا التغيير أو التبديل بما هو أسوأ أو بما هو أردأ، ولم يعد مقدراً أو مقرراً أن النسخ للأحسن أو للأفضل، فوقفنا وتجمدنا وتعايشنا مع العاطل والباطل والفاسد والجاهل كالابن العاق، لا نحرمه الأبوة ولا نرضى عنه؟
ندور ونلف إذا بحثنا عن وزير، فإذا وجدناه نرى بعدها أننا قد أخطأناه، وخجلنا أن نغيره حتى لا نتصف بالتقصير والإهمال وسوء الاختيار وقلة الخبرة، ونخطئ حين نختار من الأسماء اسماً، فمن جاءنا لم يكن هو المقصود، وكان المقصود أحداً غيره، وتشابه عليهم الاسم واختلط، فنتركه مخافة اللوم والعتاب. نحن نختار وزراءنا وكبراءنا ووجهاءنا على البركة، وعلى نهج التجار فى أسواق الخضار، فكان التالف والفاسد مقبولاً كما هو بين البائع والمشترى، وبين الراعى والرعية، وبين الحاكم والمحكوم، فلا لوم على الحاكم إذا أصاب الفاسد والجاهل، إلا إذا كان المعروض فى الأسواق هو الصالح والأفضل منهم، وهذا للأسف يجرنا إلى الحديث عن أمانة العارض والمعروض، وهى للأسف سوق مغشوشة، المعروض منها شىء والبضاعة شىء آخر، ألم أقل لكم إنه سوق كسوق الخضار، يصل فيه الأمر إلى أن تختار نوعاً أو صنفاً وتنتقيه وتصطفيه وتنتخبه، وعند اعتلائه منصبه تفتح الكيس فتجده غير ما اصطفيت وما اخترت وما انتقيت، وغير ما كنت تأمل فى انتخابه، فلا تجد سبيلاً إلا الرضا بما قسم لك الغشاشون والمنافقون، ولو كان أمر الغش فى الأسواق محكوماً، ويفصل فيه المحتسب ويرد الغشاش عن غشه والنصاب عن نصبه، لصلح حال سوق الخضار وصلحت سوق السياسة، ولن تنصلح إلا إذا أصلحنا من زرع ومن حصد ومن جنى ومن غلف ومن باع ومن اشترى، إذا صلحت سوق الخضار صلحت الأمة، وصلحت سوق السياسة وسوق الاختيار، وصلح حال الراعى وحال الرعية..
هذه مقدمة طويلة واجبة حتى نسهل الأمر على أنفسنا.
هذا عن الوزراء والوجهاء وعلية القوم.. فما بالك بمرشحى الرئاسة؟
ليس الأمر ببعيد، المعروض لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر، فمن جاءنا على جناح الإخوان كرشناه، ومن جاءنا من الماضى لفظناه، ومن جاءنا من الثوار طلقناه، ومن جاءنا من حيث لا ندرى ما بلعناه، وكأننا نجهل أنها بضاعتنا التى زرعناها ورويناها بأيدينا، فلم تنبت الأرض إلا ما زرعنا، وما نجنى إلا ما حصدنا، أتظن أنك ستجنى شهداً من زراعة الصبر؟ أو تنام وتتكاسل وتجد الأرض عامرة بخيرات الله؟ أو سيخرج عالم بارع من مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا على سوئها؟
أوتظن أن سياسياً بارزاً سيخرج من مثلث مكسور الأضلاع؟ أضلاعه الثلاثة دولة وحزب وشعب، إذا فسد ضلع فسد الضلعان، وإذا استقام ضلع وانتصب اعوج إلا إذا استقام الآخران، فلا قيام إلا بالثلاثة معاً، ولا سند ولا معين إلا بالثلاثة أيضاً، وإذا اختفى ضلع أو انهار سقط الباقى كقطع الدومينو، وليس الأمر موكولاً للأحزاب فقط، أو مسئولية الشعب فقط، بل هذا أمر موكول للثلاثة، دولة وشعب وحزب، على أن ضلع الدولة هو الأطول والأعرض والأغلب والطاغى، فإذا احتالت الدولة ومكرت وخدعت شعبها، ولم تكن صادقة النية فى إقامة حياة سياسية سليمة ما قام للضلعين الآخرين قائمة مهما كانت إرادتهما صادقة وقوية، أما إذا خلصت نية الدولة وغرضها وهدفها على إقامة حياة سياسية سليمة دون زيف أو طغيان أو تدخل فى شئون الأحزاب، نجحت وفلحت، وقامت الأضلاع الثلاثة تشد بعضها بعضاً، وتتساند ليقام البناء قوياً صلباً، هنا فقط ستجد المرشحين بالكوم، دون أن نبحث وننادى «مرشح محتمل للرئاسة يا أولاد الحلال».
ما حدث قد حدث، وما جنيناه من ردىء الفعل والزرع والبيع والشراء والاختيار والنتائج أصبح أمراً مفعولاً، المهم ما هو مقبل وما هو آتٍ، إذا أردنا مرشحاً رئاسياً بعد عدة سنوات، أو دورة مقبلة فاصلة، لا بد أن نزرع الآن وليس غداً، وأن نبدأ من التعليم والثقافة واحترام العقل والآخر والفكر والخلاف، وعودة القوى الناعمة الذكية الرشيدة من المسارح ودور السينما والمكتبات المتنقلة وقصور الثقافة إلى دورها الريادى والقيادى، وأن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب السياسية، وأن تختار قيادتها وكوادرها وبرامجها كما تشاء دون وصاية أو مظلة، وتطلق يد العمل السياسى دون قيد أو سلطان، عندها فقط سنعيد بناء الإنسان ونعيد تأهيله، فإن باع أتقن واتقى، وإن اشترى أجاد وارتقى، وإن اختار وانتخب واصطفى دقق وانتقى، ولن يجد غير ما اختار وما اصطفى، ولن تجد البضاعة الفاسدة أو يجد البائع الفاسد سوقاً رديئة للبيع فيها أو الشراء، فينصرف من حيث جاء وأتى، وصلح حال السوق وحال السياسة. ولا يمكث فى الأرض إلا ما ينفع الناس، سواء كان بضاعة أو وزيراً أو رئيساً.
نقلا عن الوطن