الأقباط متحدون - لماذا المشاركة في الانتخابات واجب وطني؟
  • ٠٣:٥٨
  • الثلاثاء , ٣٠ يناير ٢٠١٨
English version

لماذا المشاركة في الانتخابات واجب وطني؟

د. عبد الخالق حسين

مساحة رأي

٤٩: ٠٤ م +02:00 EET

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠١٨

 الانتخابات
الانتخابات
د.عبدالخالق حسين
 
إن أعداء الديمقراطية والعملية السياسية في العراق كثيرون ولكل أسبابه وغاياته، بينهم المتضررون من الديمقراطية، الذين لجأوا حتى إلى الإرهاب البعثي الداعشي، وتأليب عدد من دول الجوار، من أمثال طارق الهاشمي والأخوين النجيفي ومن لف لفهم، ومنهم من يريد تدمير الدولة العراقية لتحقيق إمارة باسم عائلته مثل مسعود بارزاني. وهؤلاء وأولئك لهم جيوش من الإعلاميين وكتاب مواقع التواصل الاجتماعي، يحاولون تضليل المواطنين والتشويش عليهم وبلبلة افكارهم. هؤلاء جميعاً مارسوا كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مآربهم الشريرة، ابتداءً بالإرهاب ، و حملات الاعتصامات في ساحات المدن والمناطق الغربية تمهيداً لتسليم مناطقهم إلى داعش. 
 
وبعد أن فشلت كل محاولاتهم، بدءً بهزيمة داعش وتدمير مناطقهم، وتشريد أهاليهم، وافتضاح أمرهم بالتآمر على الوطن لمصالحهم الشخصية، حتى فقدوا جماهيريتهم في مناطقهم، فلجأوا إلى حملات إعلامية تضليلية مطالبين في البداية بتأجيل الانتخابات، متذرعين بذرائع واهية مثل الانتظار إلى عودة النازحين إلى مناطقهم. والكل يعرف أن هذا العذر غير ممكن وغير صحيح، لأن العودة الكاملة للنازحين قد تتأخر إلى أجل غير معلوم، كذلك تعهدت مفوضية الانتخابات بتوفير الشروط اللازمة لتمكين النازحين من الإدلاء بأصواتهم وهم في مناطق نزوحهم. ولكن بعد أن فشلت محاولاتهم هذه في التأجيل بإصدار المحكمة الاتحادية العليا قرارا يقضي بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في 12 مايو/أيار المقبل وفق نصوص الدستور وعدم تأجيلها(1)، عندها شنوا حملة ضارية مضللة أخرى يحرضون فيها المواطنين بمقاطعة الانتخابات، بحجة أنها ستأتي بنفس الوجوه من الفاسدين، وكأن الشعب العراقي أصيب بالعقم لا ينجب إلا سياسيين فاسدين !!
 
ومن دعاة عرقلة الانتخابات صحيفة المدى لصاحبها فخري كريم، المعروف بولائه لولي نعمته مسعود بارزاني، ومن خلال أجيره عدنان حسين الذي كرس كل إمكانياته الصحفية لخدمة أولياء نعمته حتى ولو بإلحاق الضرر بمصلحة شعبه وبذريعة خدمة الشعب. فعندما كان يعمل في صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية اللندنية، كتب عدنان حسين مقالاً يطالب فيها السعودية، والكويت، وكل الدول الدائنة للعراق في عهد صدام إلى عدم التنازل عن ديونها، ليكون ذلك درساً للشعب العراقي كي لا ينجب قائداً مجرماً مثل صدام حسين في المستقبل!! وكأن صدام حسين استلم السلطة من خلال صناديق الاقتراع، وشن حروبه على دول المنطقة بعد استفتاءات شعبية حرة وعادلة لكي يعاقب هذا الشعب والأجيال القادمة بجريرة صدام. فالرجل منذ تعيينه في صحيفة (المدى) راح يواصل مناهضته للعملية السياسية تحت مختلف الذرائع، تارة باسم مناهضة الإسلام السياسي، رغم أنه يداهن ويتقرب إلى مقتدى الصدر وتياره الإسلامي، وأخرى باسم محاربة الفساد. طبعاً لم نقرأ له يوماً أي مقال ينتقد فيه جرائم مسعود بارزاني وما ألحقه من أضرار بالدولة العراقية.
 
يعرف عدنان حسين كصحفي محترف، كيف يدس السم بالعسل، ويلبس الباطل بلباس الحق، إذ يقول في عموده يوم 28 كانون الثاني/يناير الجاري: "مقاطعة الانتخابات، أيّ انتخابات، حقّ لمن يرغب فيها وله غاية منها، يعادل تماماً الحقّ في الانتخاب، ففي الحالين يكون الفرد قد مارس حريته الشخصية المقدّسة، ولا حقّ لأحد في لومه أو إرغامه على تغيير موقفه...الخ". ومن قراءة بقية المقال نعرف أنه يميل على المقاطعة.
 
نعم للمواطن الحق في المشاركة أو عدمها، ولا يجوز إرغامه على التصويت، ولكن بمثل ما يحق للسيد عدنان حسين التحريض على عدم المشاركة، كذلك يحق لغيره لوم من يرفض المشاركة، وحثه على المشاركة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولأن المشاركة في الانتخابات عمل وطني في خدمة الديمقراطية، وعدم المشاركة يخدم أعداء الوطن والديمقراطية.
 
والجدير بالذكر أن مناهضة الانتخابات البرلمانية لم تتوقف على بعض الصحفيين، بل طلع علينا قبل 
أيام رجل دين شيعي معمم أصدر فتوى حكم فيها بـ«وجوب مقاطعة هذه الانتخابات بل وحرمة الحضور في مراكزها ولو لشطب الاستمارة "(2). يذكَّرني هذا الشيخ بالحديث المنسوب للنبي محمد(ص) قوله: "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون". هذا الحديث ينطبق على هذا الشيخ المعمم الضال و المضلل، وهو على الضد مما يدعو إليه عالم الاجتماع الراحل علي الوردي الذي قال أنه لو كان رجل دين لأفتى بجعل المشاركة في الانتخابات واجباً دينياً ملزماً. فالانتخابات هي ثورة سلمية تزحف فيها الجماهير بتغيير الحكومة بقصاصة ورقة بدلاً من الرصاص (ballet instead of bullet)، لذلك يضيف الوردي في مكان آخر: أن "الحكومة التي لا تدرب رعاياها على اتباع طريق الثورة السلمية الهادئة، أي الانتخابات، سوف تجابه من غير شك ثورة دموية عنيفة في يوم من الأيام".
 
والمفارقة هنا أن الحكومة العراقية الراهنة هي التي تدعو للانتخابات، بينما بعض السياسيين والإعلاميين، ووعاظ السلاطين، وأولياء نعمتهم الذين يدعون زيفاً حرصهم على الديمقراطية، يطالبون الشعب بعدم المشاركة فيها... حقاً أنها لمهزلة. 
 
أما التعلق بذريعة الفساد والخوف من عودة نفس الوجوه ، فالفساد لا يمكن محاربته بمقاطعة الانتخابات التي هي أهم شرط من شروط الديمقراطية، بل بالمشاركة الفعالة فيها من قبل جميع الذين يحق لهم التصويت، وحث الناخبين بانتخاب المرشحين الوطنيين الشرفاء. أما المقاطعة فهي عملية شل الناخب وتحويل صوته إلى صفر، والمعروف أن مجموع آلاف الأصفار هو صفر على الشمال لا قيمة له. لذلك فالذين يحرضون على المقاطعة هو اعتراف ضمني قاطع منهم أنهم فقدوا شعبيتهم، ولا أمل لهم بالفوز، لذلك يضللون الجماهير بحثهم على المقاطعة ولسان حالهم يقول: "عليًّ وعلى أعدائي يا رب".
 
الانتخابات أيها السادة هي عبارة عن دورات دراسية عملية لتدريب جماهير الشعب على ممارسة الديمقراطية وتعلم قواعدها واحترام نتائجها ومهما كانت. فكما قال ونستن تشرتشل: "الحكومة الديمقراطية هي ليست الحكومة المثالية، ولكن لحد الآن لا توجد حكومة أفضل منها". فالحكومة الديمقراطية قد تأتي ببعض الفاسدين، ولكنها في نفس الوقت تمتلك أدوات تصحيح أخطائها. وإذا ما فاز الفاسدون، على المقاطعين أن لا يلوموا إلا أنفسهم، فالدعوة لمقاطعة الانتخابات عملية إخصاء الجماهير وتجريدها من إرادتها ودورها في التغيير نحو الأفضل. 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع