الأقباط متحدون - أوروبا.. ما بعد المسيحية
  • ٠٠:٥٠
  • الثلاثاء , ٣٠ يناير ٢٠١٨
English version

أوروبا.. ما بعد المسيحية

مقالات مختارة | أحمد المسلمانى

٥٢: ٠٧ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠١٨

أحمد المسلمانى
أحمد المسلمانى

(1)
لم تعد الديانة المسيحية هى ديانة الأغلبيّة فى بريطانيا.. بل أصبح «اللادين» هو السائد فى بريطانيا.. بعد تراجع معسكر «الإيمان المسيحى» إلى المرتبة الثانية بعد معسكر «اللاإيمان».

لقد جاءت الدراسة الحديثة لجامعة «سانت مارى» البريطانية والتى نشرت نتائجها العديد من صحف العالم.. صادمةً للغاية.. وقالت صحيفة «ديلى تليجراف»: «بريطانيا لم تعد دولة مسيحية.. تقبلّوا الأمر».

كان مذهلاً- فى هذه الدراسة- تراجع المسيحية إلى نسبة (43%) من السكان.. بينما ارتفعت نسبة اللادينيين إلى (49%) من البريطانيين.. الذين أصبحوا «بدون ديانة».

يبقى إذن (8%) من السكان.. منهم (4%) مسلمون، ويتوزّع الـ(4%) الآخرون على ديانات أخرى أبرزها الهندوسية.

( 2 )
المسيحية هى دين بريطانيا منذ (1400) سنة تقريبًا.. كنيسة إنجلترا هى الكنيسة الرسمية، ويتصدّر علم بريطانيا صليب القديس جرجس. الملك هو «الحاكم الأعلى للكنيسة».. وهو «حامى الإيمان».. ويحقّ للبروتستانت فقط التربُّع على العرش.

اعتاد المجتمع المسيحى البريطانى احترام الكنيسة.. والصوم والصلاة. يأكل الإنجليز الكعك فى الجمعة العظيمة، كما يغلقون المحال التجارية ويمنعون البرامج الكوميدية فى الإذاعة والتليفزيون. وفى «الثلاثاء البدين» يأكلون بشراهة استعدادًا ليوم «أربعاء الرماد» حيث بداية الصوم الكبير.

لكن ذلك كلّه قد تغيّر.. وهو آخذٌ فى المزيد من التغيّر.. فمنذ الحرب العالمية الثانية والبريطانيون أقل تدينًا. وبمرور الوقت.. لم يعد الكثيرون يذهبون إلى الكنيسة.. ولم يعد الشباب البروتستانتى قريبًا من الإيمان.

إن أوروبا كلها تواجه نفس الطريق.. صعود موجات الإلحاد واللأدرية.. «الإنسانية» مقابل «المسيحية».. أى «الإيمان بالإنسان» مقابل «الإيمان بالله».

( 3 )
لقد بدأ صعود المسيحية كدين عالمى كبير.. مع اعتناق الإمبراطورية الرومانية للمسيحية رسميًا فى عام 380 ميلادية.. ثم كان «الانشقاق العظيم» بين الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية الغربية فى القرن الحادى عشر.. وبعد ذلك جاء «الانشقاق العظيم الثانى» بين البروتستانتية شمالاً والكاثوليكية جنوبًا فى القرن السادس عشر.

ثم كان «خريف الإيمان» المسيحى فى القرن الثامن عشر.. حين كانت بدايات الإلحاد واللادين فى أوروبا الغربية. كانت المسيحية حاضرة بقوة حتى الحروب الصليبية.. لكنها أصبحت هوية أوروبا بعد فشل تلك الحروب. ومن وقتها وحتى الحرب العالمية الثانية.. كانت أوروبا وراء نشر المسيحية فى العالم.. وكانت بريطانيا وراء عمليات التبشير المسيحى الواسعة فى أمريكا وأفريقيا جنوب الصحراء وفى أستراليا والشرق الأقصى.

(4)
لم تعد أوروبا مسيحية كما كانت.. ولم تعد بريطانيا الدولة المسيحية التى تنشر دينها فى العالم. تراجع الإيمان فى أوروبا كثيرًا عمّا كان.. وفى إحصاء حديث فإن (51%) فقط من سكان الاتحاد الأوروبى هم الذين يؤمنون بالمسيحية.. ويؤمن (25%) من الأوروبيين بفكرة الروح الخارقة التى تدير العالم.. ولا يؤمن (20%) منهم بأى شىء.

إن نصف أوروبا- إذن- لم يعد مسيحيًا. إن القارة المسيحية عبْر أكثر من ألف عام.. أصبحت نصف مسيحية.. وهى فى طريقها إلى اللامسيحية.. أو اللادين.

(5)
ليست المسيحية وحدها فى مواجهة عدم الإيمان، فقد زادت موجات الإلحاد واللادين فى الأديان السماوية إلى مستويات تدعو للقلق. وتشهد الديانات الوضعية صعودًا مفزعًا.. وأصبحت «الوثنية الجديدة» تكسب أراضى جديدة كل يوم.. وقد وصل نفوذها إلى اعتمادها دينًا معترفًا به فى دولة مسيحية- لعدة قرون- مثل أيسلندا.

وفى إحصاءات مركز بيو الأمريكى للأديان.. فقد زاد عدد الملحدين فى العالم إلى أكثر من مليار نسمة.. وتتراجع أعداد معتنقى الديانات السماوية الثلاثة عن غير المؤمنين بها على مستوى العالم.

لقد بات عالمنا فى خطر.. إن استمرار تراجع معسكر الإيمان هو عودة إلى عصر اللاحضارة.. هو تدمير لنظرية الأخلاق وإحياء لنظرية القوة والصراع.. دون ضوابط من دين أو ضمير.

إن معاناة البشرية من سطوة المادة وانكسار الروح لا يجب أن تذهب فى ردة فعلها إلى إلغاء الدين.. والمضى فى طريق الحياة.. دون إيمان بالله وكتبه ورسله.. ودون يقين بأن الله سيحاسب كل إنسان على ما فعل.. وأن العدالة الحقيقية إنما تكمن فى الحياة الآخرة.. التى هى حياة أبدية تشهد العدل المطلق.. ولا تقارن بها محدودية الحياة الدنيا التى لا تتجاوز- كثيرًا- عشرات السنين.

إن الانتقال من الإيمان بالله إلى الإيمان بالإنسان هو أكبر عمل عدائى ضد الإنسان.. إنه لا يرتفع بالإنسان إلى مكانة سامية أو خالدة.. بل إنه يدفع الإنسان إلى حياة الهاوية.. إلى اللامعنى واللادور.. إلى اللاقمية واللاوزن.. إلى اللارسالة واللاسعادة.

إن اللادين.. هو خطر على فكرة القانون، وفكرة المجتمع.. وهو خطر على فكرة الدولة وفكرة العالم.. لكن الخطر الأكبر هو فكرة الإنسان.

إننّى كمسلم أشعر بقلق شديد من صعود ثنائية «الإرهاب والإلحاد».. ومن المؤكد أن كل المؤمنين يشعرون بالقلق إزاء صعود عصر جديد من «خريف الإيمان».

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع