الأقباط متحدون - دان براون و«الأصل»
  • ٠٣:٣٣
  • الاثنين , ٢٩ يناير ٢٠١٨
English version

دان براون و«الأصل»

مقالات مختارة | بقلم : خالد منتصر

٣٦: ٠٩ م +02:00 EET

الاثنين ٢٩ يناير ٢٠١٨

خالد منتصر
خالد منتصر

 أن تكتب رواية بدقة تجارب المعمل وبخيال وتشويق ألف ليلة وحسّ أجاثا كريستى البوليسى فأنت حتماً عبقرى وحكّاء بامتياز، وهذا هو دان براون فى أحدث رواياته «الأصل». كنا نظن أن «شفرة دافنشى» هى بيضة الديك، اتضح أن ما بعد «دافنشى» هو تحضير وتمرينات لياقة وتسخين للمباراة الروائية الكبرى «الأصل»، رواية ستحبس أنفاسك معها، يراوغك الكاتب فى كل فصل، لعبة استغماية روائية ومباراة شطرنج إبداعية بين «براون» وبين القارئ تصل به إلى قمة ذروة المتعة، دان براون فيلسوف فى ثوب روائى، يطرح موضوعاً شائكاً عن عالم ملحد «إدموند كيرش» سيطرح إجابة عن أهم سؤالين كونيين، من أين أتينا؟ وإلى أين نذهب؟! هو متأكد من أن هذا الطرح حتماً سيقوّض عروش رجال الدين من كافة الملل، يطرحه أولاً على ثلاثة من رجال الدين القسيس والحاخام والشيخ، ثم يخرج إلى العالم ليعلن اكتشافه أو إجابته الصادمة من أحد متاحف الفن الحديث فى بلباو بإسبانيا، يُقتل قبل أن يُنهى محاضرته ويعلن عن اكتشافه، القاتل معروف ومرصود، هو تابع لإحدى الكنائس المتشددة، لكن هذا القاتل الضابط البحرى المتقاعد، من الذى يحركه، هذه الدمية من يحرك خيوطها، هل هو القسيس مستشار ملك إسبانيا؟ هل هو الملك نفسه؟ هل هو ابن الملك الذى سيتزوج من مديرة المتحف الذى تمت فيه حادثة القتل؟

 
يهرب أستاذ ومعلم إدموند، وهو بطل روايات براون التقليدى، أستاذ فك الشفرات «روبرت لانجدون» ومعه زوجة ملك المستقبل من متحف بلباو، وتبدأ المطاردات البوليسية التى ليست مجرد ألاعيب أرسين لوبين أو تشويقات هيتشكوك، لكن هذا الكاتب الموسوعى يمنح تلك المطاردات عمقاً فلسفياً ونفَساً ملحمياً وأبعاداً أرحب بكثير من مجرد غرض الحبكة والجاذبية، يظل يستفز كسلك وخوفك من طرح تلك الأسئلة الوجودية، ويظل يسحبك تدريجياً، وبمهارة لاعب السيرك المحترف، إلى غابات القلق الإيجابى والشك الفعال، يرسم طوال الرواية لوحات روائية عن إسبانيا، وخاصة برشلونة، بدقة مدهشة تنفذ إلى ما وراء السطح، يختار مكان ذروة الصراع أعجب وأجمل كنيسة هناك، «لا ساجرادا فاميليا» التى صممها المعمارى العبقرى «جاودى». أظن، بل أنا على يقين، أن عدد سياح برشلونة سيتضاعف بعد تلك الرواية البديعة، سأترك لقارئى العزيز فرصة معرفة من هو المحرض؟ وما هى إجابات تلك الأسئلة الوجودية الصعبة؟ ما هو سقف العلاقة بين الملك والقسيس؟ إجابات لن تخطر على بال، ومحرض لن تستطيع توقعه مهما بلغت درجة ذكائك، وعلاقة ستصدمك بعنف. دان براون يجذبك ويتحداك ويستفزك فى نفس الوقت ويراقبك بضحكة ساخرة وشفقة إنسانية وأنت تلهث خلف الأحداث وتوقعاتك تنهزم بالتدريج وبالضربة القاضية فى لعبة تلك الرواية البديعة الشائكة الملتهبة.
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع