ميشيل حنا الحاج
التحقيق حول دور الرئيس ترامب وافراد من عائلته، والذي تمثل في الاتصال بروسيا الاتحادية من أجل ترجيح فوز ترامب بالرئاسة… ما زال قائما، بل ويزداد استعارا يوما بعد آخر خصوصا بعد اتهام الرئيس بالعنصرية، وبعد صدور كتاب النار والغضب، ومثول “ستيف بانون”، المستشار السابق لترامب والصديق المقرب له، أمام الكونجرس للاستماع لشهادته، اضافة الى مثوله قريبا أمام المحقق الخاص “مولر”،…فهذا كله يدفع للاعتقاد بأن الحلقة حول الرئيس ترامب قد بدأت تضيق وتضيق، وأخذت ترجح احتمالات تقديم الرئيس للمحاكمة أمام الكونجرس بعد توجيه الاتهام له Impeachmentت تضيق وتضيقأت ، وخصوصا اذا حقق الحزب الدمقراطي فوزا ملموسا في الانتخابات النصفية القادمة والتي ستجري في شهر تشرين الثاني المقبل.
ولكن فوز الحزب الدمقراطي بالانتخابات النصفية القادمة محققين أكثرية ملموسة في مجلسي الشيوخ والنواب قد تمكنهم من توجيه الاتهام للرئيس… قد لا يكون مضمونا، كما أنه قد لا يفرز نجاحا مؤكدا أو كافيا لاتخاذ قرار بعزل الرئيس، ذلك أن قرارا كهذا يحتاج الى ثلثي الأصوات في المجلسين، وهذا أمر قد لا يصبح ممكنا أو محققا، مما يترك للرئيس فسحة للنجاة من الطوق الذي بات يلتف تدريجيا حول عنقه.
ومن هنا قد يبدو من الأفضل عدم الاكتفاء بتوجيه الاتهام للرئيس أمام الكونجرس، بل اللجوء أيضا الى نهج آخر يعتمد اقامة الدعوى أمام القضاء الأميركي للمطالبة بابطال الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين ثاني 2016 ، واعتبار نتائجها التي أدت لتسمية ترامب رئيسا، نتالئج ملغاة لما شابها من عيوب آخذة في الاتضاح يوما بعد آخر.
ولا بد لي أولا من الاعتراف بأنني رغم دراستي للقانون، وتخرجي من كلية الحقوق، فانني لست ملما الماما تاما بنصوص الدستور الأميركي، وبما تأذن به نصوصه من مجالا ت للتحرك ضد رئيس منتخب، كما يتجلى للوهلة الأولى. فأنا على علم بوجود امكانية لتوجيه الاتهام للرئيس استنادا للمادة 25 من مواد الدستور الأميركي، وهذا في حالة تواجد أكثرية كافية في المجلسين تطالب بتوجيه الاتهام له… ولكني لست ملما بالنصوص الأخرى في مواد ذاك الدستور التي قد تأذن أو لا تأذن بمزيد من الخطوات ضد الرئيس. ومن هنا فاني أرى، وهذا مجرد اجتهاد شخصي مني، بامكانية اقامة الدعوى القضائية أمام أعلى درجات التقاضي في الولايات المتحدة، للمطالبة بالغاء نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واعتبار تسمية دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، تسمية باطلة ولاغية. فخطوة كهذه لن تؤدي فحسب للتخلص من ترامب، بل للتخلص أيضا من نائبه مايك بنس الذي سيحل محله في حالة عزل ترامب نتيجة توجيه الاتهام له، علما بأنه قد لا يكون كثير الاختلاف، او الاعتدال، عن رئيسه ترامب. وكما يقول المثل العربي: وافق شن طبقة.
فخطوة كهذه لا تعود بحاجة لتوفر اكثرية دمقراطية في المجلسين، بل ولأكثرية الثلثين، اذ تحتاج فحسب الى محكمة عادلة تتوفر لديها الجرأة على اصدار قرار كهذا. كل ما في الأمر، ان دعوى كهذه، لا بد أن تستند لتوجيه الاتهام للرئيس (من متضرر وصاحب مصلحة) باستخدامه أساليب غير قانونية أو شريفة في حملته الانتخابية، بغية تحقيق الفوز لنفسه…أي أنه في حالة كهذه، لا يحتاج الأمر لتواجد أكثرية في المجلسين قادرة على توجيه الاتهام للرئيس، بل يحتاج الى قرار أو اتهام رسمي وعلني للرئيس، بانتهاج سلوك ما غير شريف في مرحلة الحملة الانتخابية، وهو سلوك وصفه البعض، يرجح بأنه ستيف بانون، قد بلغ درجة الخيانة العظمى.
وهذا أمر لا يحتاج الى انتظار نتائج الانتخابات النصفية القادمة، بل ينتظر صدور اتهام رسمي وعلني من مولر المحقق الخاص الذي يتمنى الرئيس ترامب أن تتوفر لديه القدرة والجرأة على عزله، كما عزل من قبله المحقق “كومي”، ولكنه يخشى أن اتخاذ قرار كهذا، أي عزل مولر، سيعزز الاشتباه بكونه هو وأسرته، قد ارتكبوا أعمالا فاضحة متعارضة مع الأخلاق الأميركية، سعيا من ورائها لضمان جلوس ترامب على مقعد رئاسة بات مهتزا اهتزازا شديدا.
والواقع أن الأمر ربما لا يحتاج لانتظار صدور اتهام ما من قبل المحقق الخاص مولر، اذ قد يمكن اقامة هذه الدعوى من قبل المتضرر من تلك النتيجة الخاطئة. والمقصود هنا هو السيدة هيلاري كلينتون، التي كانت التوقعات قد رجحت انتخابها، ولكن النتائج المعلنة، جاءت مخالفة لتلك التوقعات. كل ما في الأمر، أن السيدة كلينتون، ربما تنتظر صدور اتهام كهذا من قبل المحقق لتعزز به دعواها، عندما تتقدم بدعوى كهذه أمام احدى المحاكم الكبرى الأميركية التي شهدت عدة قضايا أقيمت أمامها مطالبة بالغاء أو تجميد أكثر من أمر تنفيذي أصدره الرئيس أوباما خلال سنة من رئاسته.
والواقع أن هناك سوابق قضائية عديدة تتعلق بتحديد من هو الفائز في انتخابات رئاسية أميركية، وكان أبرزها وآخرها،الخلاف على تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين ثاني عام 2000 . وكان الصراع فيها بين الرئيس جورج بوش الابن وآل غور الذي خدم نائبا للرئيس خلال رئاسة بيل كلينتون. فقد كانت أصوات المقترعين في تلك الانتخابات، متقاربة جدا في بعض الولايات، مما دفع كل من المتنافسين لاقامة الدعوى القضائية تلو الأخرى مطالبا باعادة احصاء الأصوات، وأحيانا شملت القضايا المتبادلة بينهما، المطالة باعتماد أصوات تم شطبها واعتبارها لاغية. وانتهى النزاع باقرار احدى المحاكم العليا، فوز الرئيس بوش الابن رغم أن “آل جور” قد حصد أصواتا أعلى كثيرا من تلك الأصوات التي حصدها بوش الابن. غير أن عدد المندوبين للكلية الانتخابية المؤازرين لبوش كما وفرتها أصوات المقترعين، كان أعلى من أولئك الذبن كانوا في مصلحة آل جور.
فاللجوء الى القضاء لتحديد من هو الفائز في انتخابات رئاسية اميركية، له سابقة قضائية حديثة. والمعروف أن القضاء الأميركي يعتد بالسوابق القضائيةـ، مما يعني أنه هناك امكانية قد تكون جدية للجوء الى القضاء للتشكيك بأحقية الرئيس ترامب بمقعد الرئاسة من عدمها. السؤال يبقى حول ماذا تنتظر هيلاري كلينتون، أو حتى غيرها من المنتمين للحزب الدمقراطي، أو حتى مواطنين عاديين باعتبارهم متضررين من رئاسة ترامب….لتحريك دعوى كهذه أمام القضاء.
والواقع أن المسببات التي تستدعي التوجه نحو عزل الرئيس ترامب عن موقع الرئاسة، لا تقتصر فحسب على الاستعانة بالروس لترجيج انتخابه، اذ تمتد لتشمل الشكوك بصحته العقلية، وتوجهاته العنصرية والتي هناك أكثر من مؤشر يعززها، وهي لا تقتصر على وصفه مؤخرا بعض الدول بالحثالة أو بالمجارير، حيث أن شعاره الدائم والقائل أميركا أولا، هو مؤشر كما قال أحدهم على قناة سي أن أن، يفيد بأن كل الدول الأخرى، وكل الشعوب الأخرى، هم أدنى مستوى، اضافة الى كونها تلمح الى أفكار شبيهة بأفكار وطروحات هتلر قبل عدة عقود، وهي الطروحات التي اعتبرت الألمان شعبا متميزا عن باقي الشعوب الأخرى.
كما أن اقدام مواطن أميركي واحد على تحريك دعوى ضد الرئيس ترامب باعتبار ذاك المواطن متضررا من سلوك الرئيس العتيد، قد يدفع آخرين أيضا لأن يحذوا حذوه، فتقام مزيد من الدعاوي ضد الرئيس. ولا يستبعد في حالة كهذهـ، أن تجد المحكمة نفسها مضطرة لأن تأمر بتشكيل لجنة تحقيق قضائية حول هذه الاتهامات، وهذه عندئذ ، نظرا لصفتها القضائية ، ان جاز للمحكمة تشكيلها، ستكون لجنة تحقيق بعيدة عن سلطة الرئيس ترامب، وذلك خلافا لسلطة المحقق الخاص مولر التي يفيد العديد من رجال القانون، بوجود سلطة دستورية كافية لدى الرئيس ترامب للاقدام على عزله، الأمر الذي لم يقدم عليه بعد تخوفا من تزايد الشكوك حوله. أما لجنة تحقيق قضائية، سواء طالبت بها هيلاري كلينتون أو مواطنين أميركيين عاديين، فانها نتيجة صبغتها القضائية، سوف تكون بعيدة عن أي درجة من السلطة لدى ترامب…تؤهله للاقدام على عزلها.
وبات الآن من الضروري أن ننتظر نتائج التطورات المتلاحقة، لنلاحظ في أي اتجاه ستتجه القضية الترامبية، مع تأكيدي مرة أخرى بأن ما كتبته هنا، لا يستند الى معرفة وثيقة ببنود الدستور الأميركي، وهو يشكل مجرد اجتهاد من جانبي في هذا الشأن.
كاتب ومحلل سياسي