الأقباط متحدون - «طلق صناعى».. معارضة متواضعة لفيلم كبير!
  • ٢٢:٠٨
  • الجمعة , ١٢ يناير ٢٠١٨
English version

«طلق صناعى».. معارضة متواضعة لفيلم كبير!

مقالات مختارة

مقالات مختارة | محمود عبد الشكور

٠٤: ٠٣ م +02:00 EET

الجمعة ١٢ يناير ٢٠١٨

محمود عبد الشكور
محمود عبد الشكور

لن تحتاج إلى وقت طويل لكى تدرك أن فيلم «طلق صناعى» الذى كتبه الإخوة دياب (محمد وخالد وشيرين)، وأخرجه خالد دياب، يستلهم فيلم «الإرهاب والكباب»، أحد أفضل أفلام الثلاثى وحيد حامد، وشريف عرفة، وعادل إمام.

بل إن المصطلح الأدق لما رأيناه هو أننا أمام «معارضة سينمائية» لفيلم «الإرهاب والكباب»، قياسا على ما يطلق عليه فى الشعر «المعارضة الشعرية»، حيث ينسج الشاعر على نفس الوزن والقافية والموضوع لقصيدة كتبها شاعر سابق، إنه لا ينقل طبق الأصل، وإنما ينسج على نفس النول.

ومن هذه الزاوية، تكون المقارنة حتمية بين العمل الأصلى، والعمل الذى نسج على منواله، ومن هنا أيضا يظهر مأزق «طلق صناعى»، الذى يظل عملا متواضعا وباهتا ومتخبطا، بالمقارنة بما شاهدنا فى فيلم التسعينيات الشهير «الإرهاب والكباب».

فى الفيلمين، يتورط مواطن مصرى غلبان فى دور إرهابى أخطر بكثير مما تصوره المواطن فى البداية، وفى الفيلمين هناك انحياز مكتسح لهذا المواطن، باعتباره يمثل كل الغلابة، وهم تقريبا بعدد سكان الوطن، وفى الفيلمين مقارنة واضحة بين بؤس المواطن وأحلامه المجهضة، وغباء وعنف السلطة، وأولوياتها الخاصة، وفى الفيلمين، كوميديا سوداء ترفع شعار «شر البلية ما يضحك».

هذا هو «الباترون» المشترك، وهو كما ترون واضح التشابه فى الفكرة والمعنى، أما الوزن والقافية المشتركة فهما طبيعة المعالجة الساخرة والمؤلمة، وبناء الأحداث بالقطع بين مكان الرهائن، وخارج المكان، والعكس، مع مشاهد قليلة بعيدة عن مكان الصراع، الذى يستهدف فى الحالتين معرفة سبب احتجاز الرهائن، ثم محاولة إنقاذهم بالتفاوض تارة، وبالعنف تارة أخرى.

فيما عدا ذلك، فإن خبرات الإخوة دياب لم تسعفهم كثيرا فى الصمود أمام حرفة وبراعة الثلاثى «وحيد» و«عرفة» و«إمام».. أولى المشكلات فى شخصية «حسين» التى لعبها ماجد الكدوانى فى «طلق صناعى»، والذى لا نعرف عنه الكثير، وإنما نراه مباشرة فى السفارة الأمريكية، عازما على أن تلد زوجته فى المكان، حتى يحصل ابنه القادم على الجنسية.

لا تفاصيل عن ظروفه ومعاناته، بل إن قراره باتخاذ الموظفين والزوار كرهائن يبدو مقصودا منه، بعكس ما حدث مع المدرس فى «الإرهاب والكباب»، الذى تورط حرفيا فى الأمر، وقد انعكس ذلك على تعاطفنا الكبير معه، لأنه شخصية درامية متكاملة الأبعاد، وليس مجرد نموذج أو نمط عام.

المشكلة الثانية الواضحة فى «طلق صناعى» هى سذاجة تفاصيل الصراع بين أطراف اللعبة، الكل يتبارى فى ألعاب بلهاء، تكشف عن فقر خيال صناع فيلمنا مقارنة بخيال صناع «الإرهاب والكباب».. الصراع من الأساس يديره فى الجانب الرسمى مدير أمن القاهرة، والسفير الأمريكى فى مصر، وهو مستوى أدنى بكثير مما يتطلبه الموقف الواقعى، كما أنه أضعف كثيرا من قوة الصراع، بل إنه حتى لما ظهر رئيس الوزراء أخيرا، فقد ظل مدير الأمن هو المسيطر.

فى الجانب المقابل، فقد رسمت شخصيات الموظفين والزوار بطريقة نمطية سريعة، بينما ستجد شخصيات أقوى فى «الإرهاب والكباب»، تتفاعل بشكل أوضح مع الأزمة، وتتغير نظرتها بشكل مقنع فى النهاية.

أما المشكلة الثالثة فهى فى تنفيذ «طلق صناعى»؛ خبرة المخرج لم تمكنه من ضبط إيقاع الفيلم، هناك مشاهد كوميدية حققت أثرها، وأخرى فاشلة، هناك مناطق افتقدنا فيها الموسيقى، وأخرى ألحت فيها موسيقى تامر كروان على التأثير بشكل مزعج وتقليدى، بينما يحتاج هذا النوع من أفلام الأزمات والمكان الواحد إلى حرفة عالية فى بنائه، بحيث يبدو الفيلم كله كمشهد واحد طويل، وإلا انهار البناء، يمكنكم أن تراجعوا فى هذا الصدد طريقة شريف عرفة فى بناء «الإرهاب والكباب» مونتاجيا، وموسيقيا، وبصريا، كنموذج لترجمة هذه الفكرة النظرية باقتدار.

لا يمنع ذلك من وجود عناصر مميزة فى هذا الطلق المصنوع، على رأسها أداء ماجد الكدوانى، وديكور محمد أمين، من دون أن يحقق الفيلم عموما لا التماسك ولا الإقناع ولا حتى التعاطف، ذلك أن المدرس المتورط فى المجمع، كان يبحث عن حقه البسيط، وجعل الجميع يكتشفون حقوقهم، ثم طرح فكرة العدالة.

بينما يريد مقتحم السفارة أن يحمل ابنه جنسية أمريكا التى يهاجمها الفيلم نفسه (!!) ثم إنه لا لوم ولا عتاب على موظفى السفارة، فقد قاموا بدورهم فى حماية بلدهم من هؤلاء المهاجرين، الذين سيكذبون فى الأغلب هناك، مثلما كذبوا هنا، والذين يقدم بطلهم حيثياته كأب إرهابى، لمواطن أمريكى قادم.. عجبي!
نقلا عن الشروق

الكلمات المتعلقة