بقلم: محمود عزت - دبلوماسي مصري
ظاهرة الضرب في المدارس:
يُقال في المأثور الشعبي أن اثنين يتمنيان لك أن تصبح أفضل منهما: الأب والمعلم، كيف انقلب الوضع فأضحى معلمي هو "قاتلي" أو على أقل تقدير ومع الرأفه "مشوهي"!
أذكر ذلك الطفل الضئيل الهادئ المبتسم المسالم الذي "لا يهش ولا ينش" عندما رافقته والدته ذات صباح بعد أن بلغ السن القانونية لدخول المدرسة -ست سنوات وبضعة شهور-، ولم يكن يدري إلى أين هو ذاهب إلى أن قالت له اليوم تذهب إلى المدرسه لتتعلم لتكون عظيمًا كوالدك!
وكان قد ارتدى بمساعدتها الزي المدرسي الأنيق لهذه المدرسة النموذجية ذات الصيت والسمعة التي تطرب الآذان!
جلس في الفصل منتظرًا دخول المعلم كما أوضحت له والدته، فشق المعلم طريقه إلى الفصل، فرأى الطفل أنه ضخم الجثة.. عريض المنكبين.. بطين (ظاهر البطن)!
لم يدري الطفل ولا باقي الأطفال أو التلاميذ ماذا يفعلون إلا أن الأستاذ بدر –كما قالت له والدته فيما بعد اسمه– صرخ بصوت جهوري قوي شديد يصم الآذان.. "قوم يا ولد انت وهو!".
فهمّ الأطفال واقفون واجمون ناظرون إليه في ذعر، وبدأت الحصة الأولى للقراءة من اليوم الأول للمدرسة "عادل وسعاد في المدرسة.. عادل وسعاد في الحديقة.."!
وفجأه لاحظ الطفل أن هناك ظلاً على نافذة الفصل، فإذا به يجد شقيقه الأكبر الذي يسبقه بعدة سنوات واقفًا غير بعيد، فسُرّ سرورًا كبيرًا قائلاً ببراءه وتلقائية.. "يوسف!".
ساد الفصل الهدوء الشوب بالحذر، وإذا بصوت الأستاذ "بدر" يشق الصمت الذي خيم على الأطفال قائلاً "إيه ده يا ولد؟! يوسف مين؟!"، نظر الطفل مذعورًا عندما ألقى المعلم أمامه وجهًا لوجه ويداه مبسوطتان قرب وجهه، وإذا بالمعلم يباغته بصفعة تستغرق الوجه البريء الذي كان يبتسم منذ قليل، حتى طالت الصفعة آذانه فيسمع الطفل أصوات صدى لترانيم عميقه كأنها تأتي من العالم الآخر لا قبل له بها!!
فانكب التلميذ باكيًا وسالت دموعه تترقرق على وجهه، وقد أيقظت هذه الصفعة المباغتة القاسية مشاعرًا وألامًا كثيرة ظل يذكرها طوال حياته.
هل كان ضروريًا أن يصفع الأستاذ "بدر" تلميذه بهذه القسوة في الحصة الأولى باليوم الأول بالمدرسة لمجرد قيامه بتصرف طفولي ناتج عن سعادته برؤية شقيقه لدى نافذة الفصل؟!
هذا نموذج بسيط مقارنة لما يحدث حاليًا بمدارسنا فنحن نسمع ونرى -واللي يعيش ياما يشوف!- معلمًا يضرب تلميذه مشحونًا بعاطفة الغيظ والانتقام فيرديه قتيلاً! ومعلمة أو "مربية" فاضلة تمسك بعصاها الغليظة المؤلمة وتضرب تلميذتها فتفقدها البصر في إحدى عينيها!
والسؤال هو.. هل من حق المعلم أو من واجبه وهو الذي يقع موقع الأب من تلميذه أن يضرب تلميذه بهذه –أعتذر عن اللفظ– الوحشية؟! أم أن دوره يحتم عليه أن يستخدم أسلوب تربوي آخر؟، فإذا أراد عقاب تلميذه عن تقصيره أو سوء تصرفه فيكون في إطار العطف والأبوّة والحنان حتي يستحق مكانة الرسول التي أسراها له أمير الشعراء أحمد شوقي..
قم للمعلم واوفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا.