المجوس حين عادوا

- كان للمجوس طريقاً للذهاب أما بعد لقاء الرب في الجسد فتغير الطريق.كانت القيادة في الذهاب للنجم السماوي أما في الإياب فلا نجم ينفع و لا دراسة الأفلاك تصبح مجدية فاللقاء جعل الملوك علماء في الحب حكماء في الروح رفقاء للشهادة الإلهية. قادهم النجم حتي وصلوا ثم بعد اللقاء و السجود للملك صار المجوس نجوماً عوض النجم السمائي.قادهم روح الله في طريق أخري.كانت أفكارهم أين نجد المولود ملك اليهود و بعد عودتهم كانت أفكارهم أين نحن من ملك الكون كله.الأفكار تتغير بعد السجود.تتحول بعد الرؤية.تختلف بعد اللقاء.فمجوس الذهاب غير مجوس الإياب
 

- سجد المجوس اياماً عند المغارة.سجدوا و غابت الأرض من عيونهم.تركوا أنفسهم تركوا هداياهم و تركوا أفكاراً قديمة معها.لما إنحنوا قدام الطفل المهيب تبدل القلب.علموا بالروح أين يذهبون و كيف يشهدون و لمن يعيشون.لما عادوا ما عادت أنظارهم ممدودة نحو السماء بل نحو الجلجثة.حتي متي سمعوا عن الخلاص طافوا مع أولادهم  مثل الرسل يعلمون أفضل من كثيرين.تركوا هداياهم و إحتفظوا بمشهد الطفل العجيب حتي شاخوا و لم يشيخ المشهد.كانت عينا الطفل تمتلكهم.و همسات العذراء تبهرهم كلما ترقبوها.كان الشيخ يوسف يتكلم بصمته عن الأعاجيب و يسكت فيتردد الكلام.فتعلم الحكماء صمت البار.عادوا مشدوهين يسألون الروح و يجيبهم.هؤلاء الذين ما سألوا العارفين الكتب ماذا في الكتب لكنهم بإرشاد الروح ذهبوا و بقيادة الروح عادوا و بقيوا بالروح متسربلين حتي النهاية.
 

- لما إنحنت رؤوسهم قدام الطفل الإلهي دانت لهم الدنيا .في عيني الطفل السماوات مفتوحة.في ثغره الباسم كل الأفراح.وقعت نظراته عليهم و لم تغادرهم حتي بعد أن مضوا.ليس بعد السجود إنحناء للذات .ليس بعد اللقاء مع المسيح غربة فالأرض و السماء هو يملأهما لذلك مضى المجوس و كأنهم لم يتحركوا عنه .ظل قدامهم و راح النجم يتبعهم بعدما تبعوه في المجئ.
 

- تناغمت أفكار الملوك كأنهم واحد.تسري في قلوبهم نفس تأثيرات النعمة فينطقون الكلمة معاً كأنها بإتفاق.ما عاد الجسد يتذكر إن جاع أو عطش.العقل مأخوذ في رحلة لم تنته.حكمة جديدة صارت في الحكماء.تركوا كل الحسابات الفلكية و إنحفر في الفكر حسابات الأبدية. لم يعودوا فقط من طريق أخري بل عاشوا أيضاً بقلوب أخري.بعدما تنعموا بلقاء الملك الطفل ما عادوا يشتهون العودة.لكنهم منقادين بالروح فلم يتوهوا في الطريق كما فعل إسرائيل في أرض التيه. بعد أن كانوا في أرضهم يبحثون في الفلك بحسابات أرضية صاروا ينطقون في الأرض بكلمات سمائية.كلما تقابلوا مع الناس توجتهم النعمة بنوارانية الطفل الذى تركوه في المزود فصاحبهم كل الطريق.كانوا يرنمون كما سمعوا الملائكة ترنم.تسبحة الميلاد عندهم لها معاني أعظم مما نعرفها.هؤلاء رأوا المجد في الأرض كما في الأعالي.هؤلاء لمسوا السلام في الذهاب و الإياب.هؤلاء تقابلوا مع أصل الفرح فإمتلأت قلوبهم مسرة.

 

- سألتهم القبائل التي مروا عليها وقت الذهاب.قالوا هل وجدتم الملك؟ فأجابوا بل الملك هو الذى وجدنا.سألوهم أين راح النجم؟ فأجابوا أنه في القلب يسكن.سألوهم ما وصف الملك؟فأجابوا هو نور عميق و إنسان يحوي الدنيا في عينيه.إذا تلاقت عيناك بعينيه ذابت خطاياك .راح ماضيك.فإحسب العمر من تلك اللحظة.سألوهم ماذا ستفعلون هل ستعودون إلى دراسة الأفلاك؟ أجابوا و العيون زائغة سنتعلم اللغة الجديدة.كان المجوس مندهشين و صارت القبائل التي سألتهم في شوق لا يمكن تفسيره.حتي أن البعض منهم ساروا مع المجوس و هم لا يدرون إلي أين؟
 

- كان الرجال يسبحون و قد إختطفت من كلمات تسبيحاتهم القليل. ليتني أتعلم تسبحة المجوس ألعل هذه بعضاً من ترنيماتهم؟

 

- كيف للوجود وجوداً بغيرك؟ ما قيمة السماء لو لم تسكنها.و ما عمل الأرض لو لم تتجسد عليها.الأشياء تأخذ منك قيمتها.و الأحداث أنت تحركها.أنت هنا و هناك ظاهراً و مختفياً. كان في العهد القديم يقال من ير الله و يعيش؟ أما في الجديد فيقال من هذا الذى لا يري الله و يعيش؟ من غير رؤيتك لا تتكحل الروح.من غير صحبتك تخلو الحياة من حياتها.من غير قوتك لا تصبح للقوة معني أو أثر.من غير نعمتك تبدو أبسط الأمور مستحيلة.من غير حكمتك تبتلعنا عقد الحياة.من غير رحمتك يضل الأبرار فكم و كم الخطاة ينكسرون. يا من نسجد له من أفراحنا أنهضنا من وقوع النفس فى غبار الكسل.
 

- كن طعامي فيكون طعامي صوماً.كن كلامي فيكون كلامى صلاة. كن ينبوعي فأكون مرتوياً إلى للأبد. كن حياتي فأعيش النصرة على الموت.كن ساتري فأرتديك ثوب خلاص.كن حبيبي فأشبع.كن نصيبي فأكون مكتفياً بلا أعواز.كن رجاءي فلا أخزي.كن قوتي أكون مسبحاً كالملائكة.كن شفيعي فيكون لي وجه قدام أبيك الصالح.كن غافر آثامي فأكون طاهرا كالسماء. كن معي فيثقل ميزاني قدام الأبديين.كن بركتي فتصبح كل التخوم متسعة.كن صديقي فأنا أحب عشرتك.كن المتكلم فيكون الصيد وفيراً.كن معلمي فأفهم أسرار الملكوت.كن لي المعزي فتبعد عني أحزان العالم.كن كما أنت مخلصى فأحيا بك و معك فرحاً.
 

- يا أصل الوجود إغمسني في الأصل لأكون غصناً في الكرمة المثمرة.يا حافظ الأكوان كن سر بقاءى إلى الأبد متعزياً.يا ضابط الكل كن قائدى و قدوتي فأعرفك طريقي الوحيد.يا راع الكل ضعني في القطيع الذى سررت أن تعطه الملكوت.يا محب الكل إخلق في قلبي جديداً و ضع قلبك فيه.يا مخلص الكل علمني الركض في طريق البر و القداسة.إقبل حبى.