الكنيسة القبطية والاستعمار البريطاني
مدحت بشاي
٣٣:
١١
ص +02:00 EET
السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧
مدحت بشاي
في سنة 1892 زار ثلاثة أساقفة بريطانيين المثلث الطوبي الأنبا كيرلس الخامس البطريرك ( 112 ) بالدار البطريركية وعرضوا عليه مشروعاً كنسياً خطيراً مؤداه اندماج الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بالكنيسة القبطية باعتبارها ابنتها في العقيدة ، لأن رهبان الكنيسة القبطية هم الذين قاموا بتبشيرها ، وإنشائها قديماً ، وبصفتها أقرب الكنائس طراً إلى الكنيسة القبطية في الطقوس الدينية ، فقداسها هو نفس قداس مارمرقس كاروز الديار المصرية وأوقات أصوامها وأعيادها وإن كانت مهملة اليوم بانجلترا فإنها نفس الأصوام والأعياد القبطية ، لذلك يرى الأساقفة البريطانيون أن أحسن طريقة هو اتحاد الكنيستين تحت رئاسة بابا وبطريرك الكنيسة القبطية بمصر ، لإعادتها كما كانت قديماً
قال حضرة الأستاذ أمين بك باسيلي راوي هذا التاريخ أن الأنبا كيرلس عندما فوجئ بهذا الاقتراح صمت قليلاً ، ثم أجاب الأساقفة المقترحين بقوله ، إنه يوافق على اتحاد الكنيسة القبطية بكنائس انكلترا ، وروما ، وروسيا ، واليونان ، والإسلام .... فأظهر الأساقفة دهشتهم وقالوا وحتى الإسلام !! فأجاب البابا لم لا ألا يعبد المسلمون الله الذي نعبده ؟ فاستأذنوا من غبطته وانصرفوا
ثم زاروه بعد ذلك مثنى وثلاث ورباع ، وهو لا يجيبهم بغير الجواب المتقدم ، فلما يئسوا منه ، توجهوا إلى العميد البريطاني اللورد كرومر وقصوا عليه الخبر ، فاستدعى المرحوم حبشي بك مفتاح وقال له اذهب إلى البطريرك وقل له لماذا ترفض عرضاً ثميناً كهذا ، فيه نجاح الكنيسة القبطية وتقدمها ، وعظمتها وإعادة مجدها التاريخي التليد لها فتوجه حبشي بك إلى الأب البطريرك وعرض عليه قول اللورد كرومر ، فأجابه البابا بقوله ( قل لسعادة العميد أن البابا رجل عبيط ) ، فلما أبى حبشي بك أن يحمل هذه الرسالة ، أرغمه على حمل هذا الجواب إلى اللورد رداً على سؤاله ، فاضطر حبشي بك مفتاح ، أن يقابل العميد البريطاني ، ويوصل إليه رد البابا ، فهز اللورد رأسه ، وأُعجب بذكاء البطريرك وبُعد نظره ، وإجادته لفن التهكم ، ولكنه أسرها في نفسه ..
وانتهز العميد فرصة الخلاف الحاد الذي حصل بين الأب البطريرك في سنة 1892 وبين المجلس الملي العام ، وحرض عباس حلمي باشا الثاني خديو مصر ، فأمر بنفيه إلى دير البراموس ، ولكن سفير روسيا في لندن وجه سؤالاً إلى البرلمان البريطاني مضمونه " لماذا نفى بطريرك الأقباط إلى الأديرة ؟ " فكان الجواب إعادته إلى كرسيه مكرماً مبجلاً
نشرت مجلة صهيون هذه الصفحة التاريخية التي ظلت مطوية 55 عاماً في مثل هذه الأيام وتحديداً في يناير 1946 ، لعلها تنير لنا السبيل لمعرفة سر إلحاح الأسقف جوين على المتنيح الأنبا مكاريوس الثالث البطريرك السلبق ليسيم القس أديب شماس الإنجليكاني أسقفاً للخرطوم ، ولعل هذه الحادثة تبين لنا سبب استماتة الانفصاليين الأثيوبيين المتأنجلين في نقل موهبة وضع اليد البطريركية من القاهرة إلى أديس أبابا