فقر المرض!
مقالات مختارة | بقلم حمدي رزق
السبت ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧
لو لم يكن الدكتور أحمد عماد الدين وزيرا للصحة لانضم كجراح عظام شهير لقافلة الرافضين لقانون التأمين الصحى الجديد. الرافضون إما مستثمرون فى الطب أو مستثمرون فى الرفض.
جماعة «مستثمرون فى الطب»، يستثمرون طبيا بعوائد استثمارية خيالية فى سوق تأسست على «طبقية» تقديم الخدمة الصحية، أطباء مشاهير لمرضى أثرياء فى فنادق سبع نجوم، وجمعيات دينية تستثمر طبيا، توفر بديلا متواضعا لبشر فقراء فى مستوصفات لا آدمية، وبالمرة تمارس فيهم دعاياتها الدينية الفجة وبعضا من الطب البديل.
تيكونات مالية مرتهنة بكارتلات عالمية استمرأَت الربحيات العالية، وجماعات دينية تستثمر وضعا طبيا ساقطا لعقود واستمرأَت العوائد الشعبوية، جميعها باتت مهددة بقانون يطلب منها توفيقا لأوضاعها الشاذة، وفقا لآليات الجودة والمراقبة وتسعير الخدمات الطبية، لن تنفرد بالمريض كلقمة سائغة لا يقوى صحيا على الرفض.
القانون نظريا، وكما أتمناه تطبيقا، ينهى طبقية تقديم الخدمات الطبية من خارج المنظومة الشاملة، ينهى وضعا قائما غريبا وشاذا يضع بضعة أسماء شهيرة فى مستشفيات شهيرة فوق المنظومة الطبية المركزية التى تنهار عند السفح، لدينا فنادق يقال لها مستشفيات، وخرابات يقال لها مستشفيات.
اشك أن هذه الفرق الانكشارية ستسلم بالمكتوب وستقلب الدنيا رأسا على عقب، وستتحالف مع جماعة «مستثمرون فى الرفض» فى محاولة لتحريك ملح الأرض من الأطباء فى الكفور والنجوع والقرى والنقابات رفضا صاخبا لقانون لم يطلعوا عليه بعد، استباحة الجهل بالقانون لتجهيل أسباب الرفض المستبطنة.
جماعة «مستثمرون فى الرفض» يتعاطون مع كل ماهو طبى بمزاج سياسى متعكر، معلوم الممارسة الطبية مكانها المستشفيات، الممارسة السياسية مكانها الأحزاب، والخلط رفاهية لا تحتملها المنظومة الصحية الحالية التى تترجى الله فى حق الشاش والميكروكروم.
الرفض لمجرد الرفض لا يليق بقانون هرمنا حتى نراه، تعاقبت عليه أكثر من عشر حكومات، وعشرة وزراء صحة، وبدأ تحرير المسودة الأولى فى العام 1997، وهو قانون يدخل من باب التكافل الاجتماعى فى الكفالة الصحية، ندفع جميعا الاشتراك (إلا المعوزين تتحملهم الحكومة)، ونستفيد جميعا من نفس الخدمة بنفس المواصفة، لا فارق بين غنى وفقير.
القانون لا يغادر حقاً محطة مجانية الصحة، الاشتراك الذى يحدده القانون يقل عن سعر الكشف لمرة واحدة عند طبيب أرياف متأفف (هو الآخر) من قانون سيحرمه آخر الليل من طابور المترددين على عيادته الخاصة، لأنهم لا يجدون بديلا معتبرا فى ما هو مقدم من خدمات فى مستشفيات وزارة الصحة، أقصد خرابات وزارة الصحة.
اختلفوا أنى شئتم حول الأرقام والنسب والرسوم ووجوه تمويلات المشروع، مشروع رأسماله المطلوب ربع تريليون جنيه مصرى، ولكن لا تفوتوا على الشعب فرصة سانحة للفوز بقانون يحمى الفقراء من جائحة «فقر المرض»، من يصيبه مرض فى مصر يشحت وأسرته تتعرى، مرض وخراب ديار.
مرة واحدة نسمى الأسماء بمسمياتها، مرة واحدة نكف عن الاستخدام السياسى للغلابة، والحديث باسم الفقراء والزعيق على حقوق الفقراء، كما فهمت من نصوص القانون، أنه يعيد ضبط مصطلح تقديم الخدمة الطبية فى مصر، يعيد رسم المنظومة الطبية بآلياتها وضوابطها وقواعدها وشروطها وبأسعارها، زى مخاليق ربنا فى بلاد ربنا.
هل هو مقبول استمرارية تقديم خدمة صحية متواضعة فى ظل منظومة طبية متهاوية، تحت ربقة تهديد خطير اسمه «مجانية العلاج»، وكان الارتقاء بالصحة كذبا وزورا وبهتانا ضد المجانية المزعومة، شوف المريض بيدفع كام ليلا لكشف طبيب تجاهله نهارا فى عيادة المستشفى الأميرى!.
نقلا عن المصري اليوم