«اطلع منها يا مولانا».. ماذا قال وحيد حامد وطارق الشناوي عن أزمة «شيخ جاكسون»؟
فن | الدستور
الاربعاء ٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
الأزهر والسينما، معارك مستمرة ومواجهات متعددة، وعلاقة جدلية لها تاريخ طويل لا ينتهى، ويبدو أنه لن ينتهي قريبا.
ما زال المبدع يؤرق رجل الدين، وما زال رجل الدين كابوسا للمبدع، يصرخ الأخير دائما: «لماذا يخشاني رجل الدين؟ لماذا يريد قطع يدي ولساني ويتدخل بيني وبين خيالي؟»، ويحتج رجل الدين بجملة واحدة: « أنا أحمي القيم».
جدلية لا تنتهي، البعض يعترض، يقولون إن الرقابة والمصنفات الفنية، صاحبة الحق الوحيد فى المنع والاعتراض ولا سيد عليها، وأن رجل الدين متمثلا فى الأزهر، لا شأن له بالعمل الفني.
لا يهدأ المحتجون على تدخل الأزهر فى منع وإباحة الأعمال الفنية، يتساءلون: «إذا كان رأي الأزهر هو الأول والأخير، فما لزوم وجود جهاز الرقابة والمصنفات الفنية؟».
تساؤل منطقى يبحث المبدعون عن إجابته، وآخر هؤلاء الباحثين عن إجابة حقيقية، هو المخرج عمرو سلامة، الذي استنكر مؤخرا قرار النيابة بإحالة فيلمه «شيخ جاكسون» إلى مؤسسة الأزهر لتبدي الرأي فيه رغم إجازة الرقابة بعرض الفيلم، فكتب «سلامة» على صفحته الشخصية قائلا: «لماذا موافقة الرقابة والمصنفات الفنية ليست حامية لنا؟ هل من حق أي شخص أن يقدم بلاغا فى المبدع كمدافع عن الدين أو البلد؟ هل سيقيم الأعمال الإبداعية علماء دين ليسوا مختصين فى الفن، وهل يجب بعد ذلك أن نفكر فى كل أفلامنا من منطلق ديني ونتأكد أن كل مشهد حلال أم حرام؟».
تاريخ طويل من المواجهات.. صدامات مستمرة
الصراع بين الأزهر والسينما، له قصة طويلة، وضع الفنان الراحل يوسف وهبي أول أحداثها، عندما قرر أن يجسد شخصية النبي محمد فى فيلم من إنتاج تركيا، كان ذلك عام 1926، أباح علماء الدين فى إسطنبول الفكرة وتصوير الفيلم، لكن الأزهر اعترض، ووصل الأمر إلى المطالبة بتطبيق حد الردة على «وهبي» وسحب الجنسية المصرية منه، فتراجع ومعه صناع العمل عن الفكرة نهائيا.
كان الأمر غامضا فى هذه الفترة، لا يوجد نص صريح يؤكد هل تجسيد الأنبياء حلال أم حرام؟ ممنوع أم مسموح؟ حتى أصدرت وزارة الشئون الاجتماعية عام 1947 قانونا نصه: «عدم تمثيل قوة الله بأشياء حسية كالجسم أو الصوت أو إظهار صور الأنبياء. مراعاة إظهار المراسم والطقوس خاصة الإسلامية بشكل لائق، عدم السماح بإظهار تلاوة القرآن على قارعة الطريق، عدم اقتباس الآيات من الكتب السماوية، لا سيما القرآن أو الأحاديث النبوية فى مواقف هزلية، مراعاة احترام الأديان وعدم التعرض للعقائد، مع الابتعاد عما يبعث الشقاق الديني أو القومي».
وضع هذا القانون حدا لعلاقة السينما بالدين، وتفهم أغلب صناع السينما ما يعنيه القانون، لكن الصدامات والمواجهات لم تنته، وتصاعدت أزمات كبرى بين الأزهر وبعض رجال السينما، إلى أن حدث الصدام الأكبر بسبب فيلم «الرسالة» للمخرج السوري مصطفى العقاد.
لم يفهم «العقاد» أين المشكلة، لا النبي ظهر فى العمل، ولا جسّد أحدا من المبشرين بالجنة، وتعجب من موقف الأزهر من الفيلم بعد تصويره رغم موافقتهم الأولى على السيناريو قبل التصوير.
ومنع الأزهر الفيلم من العرض، لكنه تراجع وأجاز عرضه بعد 31 سنة، وعرض لأول مرة على التلفزيون المصري عام 2007.
بعد أزمة الرسالة بثلاث سنوات، وبالتحديد عام 1979، اعترض الأزهر على تجسيد شخصية سعد بن أبي وقاص فى فيلم «القادسية»، ولأسباب دينية غاب الفيلم عن العرض 15 عاما.
أما المخرج الراحل يوسف شاهين، فكان أبرز المخرجين الصداميين مع أجهزة الرقابة والأزهر، وكان لفيلمه «المهاجر» قصة شهيرة، بعد أن اعترض الأزهر على تجسيد النبي يوسف فى الفيلم، لكن «شاهين» فلت بذكاء شديد، قائلا إن البطل فى العمل يدعى «رام» وإنه استلهم الشخصية من التراث الإنساني ولا يوجد دليلا يؤكد أن ما يقدمه هو تجسيد لشخصية النبي يوسف، وقال إن «رام» لا علاقة له به من قريب أو من بعيد، واضطر أن يكتب فى مقدمة الفيلم عبارة: «أحداث هذا الفيلم لا تمت بصلة إلى الواقع أو قصة أو تاريخ، وأي تشابه بينها وبين الواقع فهو رؤية مستوحاة من التراث الإنساني».
لم يكن هذا هو الصراع الأخير بين الأزهر والسينما، لكنه امتد إلى الألفية الجديدة، وتعددت الصدامات فى أفلام عديدة منها الأفلام الأجنبية مثل فيلم «نوح» الأمريكيين، الذي رفض الأزهر عرضه فى مصر، وأيضا فيلم «حلاوة روح» لهيفاء وهبي، وغيرها من الأفلام، وآخرها «الشيخ جاكسون» الذي اتهمه أحد المحاميين بازدراء الدين الإسلامي وأحال مخرجه وبطله إلى النيابة التي قررت إحالة الفيلم للأزهر لكي يبدي الرأي فيه.
المبدعون يتساءلون: «هل يحق للأزهر التدخل فى أعمال الفنانين؟»
هل تدخل الأزهر فى الأعمال السينمائية،حماية للقيم أم وصاية على الفن؟، أسئلة عديدة وإشكاليات كثيرة مطروحة فى هذا الموضوع، وحساسية زائدة بين الطرفين تنتهى دائما بالصدام.
يقول الناقد الفني طارق الشناوي: «العمل الفني ضحية جهات المنع، سواء الرقابة أو الأزهر أو المجتمع»، يرى «الشناوي» أن الأزهر كان دائم الاعتراض على عرض أفلام المسيح الغربية فى مصر، لكن فى 2004 لم يعترض على فيلم «آلام المسيح»، بعدما أجازه الدكتور جابر عصفور، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة وقتها.
يفسر الناقد الفني هذا التناقض بأن الدولة عندما تطلب من الأزهر أن يسكت، فهو يمتثل للسكوت ولا يعترض، وعندما يعلو صوته بالرفض، فهذا أن يعني أن الدولة أعطته الضوء الأخضر، وأن الأمر لا يتعلق لا بالحرمانية ولا الشرع، ولكنه يتعلق بالهوى الشخصي أو الفكرى.
وحول أزمة «الشيخ جاكسون» وإحالته إلى الأزهر، قال لـ«الدستور»، إن العمل بعيد كل البعد عن ازدراء الأديان، وعلى الأزهر أن يبتعد عن الأعمال الفنية، مؤكدا أن أحدا لا يحق له الحكم على العمل الفني سوى جهاز الرقابة الذي تحكمه لوائح وقوانين محددة.
وأضاف «الشناوي» أن كل عمل فني إذا ذهب للأزهر ورجال الدين، فلن يتم عرض أي شيء فى مصر.
أما المؤلف وحيد حامد، فهو أكثر من عانى مع الأجهزة الرقابية ودخل فى صراعات عديدة مع رجال الدين، يقول: «أنا مع الرقابة لكن بشروط أن تكون منطقية حتى لا يعرض الحابل على النابل، لكن رجل الدين إيه علاقته بالسينما؟ ده عمره ما شاف فيلم فى حياته».
أضاف «حامد» لـ«الدستور»، أن الأزهر لديه مشاكل داخلية فى مناهجه وما يعلمه لطلابه ومُطالب من قبل رئيس الجمهورية بالتجديد، متسائلا: «كيف لا تزال الأجهزة المعنية تلجأ إليه ليحكم على الأعمال الفنية وهو مصاب بكل هذه العِلَل؟».