أمريكا فى مواجهة العالم
مقالات مختارة | د. عماد جاد
الاربعاء ٢٠ ديسمبر ٢٠١٧
أجهض الفيتو الأمريكى مشروع القرار المصرى فى مجلس الأمن الدولى الذى كان يؤكد أن القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة، ويعيد التأكيد على قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى أقر فيها بواقع القدس كمدينة محتلة، وهى قرارات سبق للولايات لمتحدة أن وافقت عليها. مشروع القرار المصرى كان يحمل إدانة للقرار الأمريكى بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وبنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. حصل مشروع القرار المصرى على موافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الدولى، أى حظى بالإجماع الدولى عدا دولة واحدة هى الولايات المتحدة، وإذا كان قرار مجلس الأمن الدولى يصدر بتسعة أصوات من خمسة عشر صوتاً، فإن ميثاق الأمم المتحدة اشترط عدم اعتراض أو رفض أى من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، فاعتراض أو رفض دولة واحدة من الدول دائمة العضوية يسقط مشروع القرار حتى لو وافقت عليه باقى دول المجلس، وهو الأمر الذى شهدناه سابقاً عند عرض التجديد للراحل الدكتور بطرس بطرس غالى كأمين عام للأمم المتحدة لولاية ثانية، كما جرى العرف وكما تقول السوابق، وقد وافقت جميع الدول الأعضاء ورفضت مندوبة الولايات المتحدة فى ذلك الوقت مادلين أولبرايت، فغادر الرجل موقعه وحلّ محله كوفى عنان.
يقول لنا مشهد تصويت مجلس الأمن حول مشروع قرار مصر برفض القرار الأمريكى بنقل السفارة والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتعليقات مندوبى الدول بعد التصويت لاسيما الإنجليزى والفرنسى، إن قضية القدس لا تزال تشغل ضمير غالبية دول العالم وتتعامل مع المدينة المقدسة باعتبارها أراضى محتلة بقوة السلاح، كما تقول قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولى، وإن الولايات المتحدة تمارس سياسة العجرفة المنافية للقانون الدولى، فمندوبة واشنطن فى المجلس علقت على الانتقادات التى وجهتها بعض الدول الأعضاء للقرار الأمريكى باستخدام الفيتو بالقول «إننا لن نسمح لأى دولة أن تحدد لنا أين ننقل سفارتنا» مشددة على أن القدس هى عاصمة الدولة اليهودية.
فى تقديرى أن هذا الموقف الأمريكى يعيد من جديد حتمية إصلاح آليات عمل مجلس الأمن الدولى بل والأمم المتحدة ككل، فإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون، فإن بنية النظام الدولى ومؤسساته يفرضها المنتصر على العالم، وهو ما حدث بالفعل مرتين؛ الأولى عقب الحرب العالمية الأولى بإنشاء عصبة الأمم، والثانية عقب الحرب العالمية الثانية فى عام 1945 بتأسيس الأمم المتحدة، فقد وضع المنتصرون وهم الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، الاتحاد السوفيتى والصين (الوطنية أولاً ثم حلت محلها الشعبية) نظام الفيتو فى مجلس الأمن، بحيث يعطى الحق لدولة واحدة أن تقف فى وجه باقى دول العالم وأن تُسقط الإجماع الدولى، وهو ما حدث عشرات المرات إبان الحرب الباردة، لذلك تم استحداث دور للجمعية العامة للأمم المتحدة التى تضم جميع الدول الأعضاء على قدم المساواة، تحت عنوان «الاتحاد من أجل السلم»، يعطى للدول الحق فى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للنظر فى شأن قضية تهدد السلم والأمن الدوليين، عجز مجلس الأمن عن معالجتها بسبب استخدام دولة أو أكثر من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض لتعطيل صدور القرار.
وفى تقديرى أيضاً أن نتيجة التصويت على مشروع القرار المصرى تقول لنا إن العالم أجمع عدا واشنطن وتل أبيب يتعامل مع مدينة القدس باعتبارها مدينة محتلة، ومن ثم على العرب أن يتحركوا لتثبيت مواقف هذه الدول وتشجيعها على الاستمرار فى مواقفها من ناحية، والاجتهاد فى توحيد الصف الفلسطينى من ناحية ثانية، وبلورة موقف عربى مشترك بين الدول المعنية والفاعلة يتسم بالشجاعة ويطرح رؤى محددة للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية من ناحية ثالثة، وأخيراً إعادة طرح مشروع الراحل بطرس غالى لإصلاح الأمم المتحدة الذى كان ينطوى على زيادة عدد الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن وفى تقديرى الشخصى لا بد من وضع قيود على استخدام الدول دائمة العضوية حق الفيتو، فلا يعقل أن تعطل دولة واحدة مهما كان وزنها ودورها، إرادة المجتمع الدولى بالكامل، ويمكن فى هذا السياق طرح فكرة الفيتو المزدوج، بمعنى أنه يلزم استخدام دولتين دائمتى العضوية لحق النقض كشرط لرفض مشروع أى قرار مقدم إلى مجلس الأمن.
نقلا عن الوطن